كما تكونوا يولى عليكم -يديعوت

الساعة 01:24 م|10 مارس 2018

فلسطين اليوم

بقلم: البروفيسور يورام يوفال

(المضمون: سببان يجعلان اسرائيل تنشيء أناسا من طراز نتنياهو وأولمرت. الاول هو أننا دولة لا تعرف الحدود ولا تريد أن تعرف الحدود. اما الثاني فهو الميل اليهودي الاصيل للوقاحة، المبادرة، التفكير من خارج العلبة وعمل المستحيل - المصدر).

 

دولة اسرائيل هي دولة خاصة، تكاد تكون غير عادية من كل النواحي. فالى انجازاتنا الكثيرة قد تضاف قريبا ذروة اخرى: هناك احتمال في أن نكون الديمقراطية الاولى في القرن الـ 21 التي ستتشرف بارسال رئيسي وزراء الى السجن، بتهمة الفساد، الواحد تلو الآخر.

 

لقد قضى اولمرت محكوميته وخرج الى الحرية. ومن شأن نتنياهو ان يجد نفسه، بعد الكثير من التلويات والتلبثات، في معسياهو. فطواحين العدالة عندنا تطحن ببطء شديد حين يدور الحديث عن اناس اقوياء، لامعين ومؤثرين، ولكن في الغالب، في نهاية اليوم فانها تقوم بعملها. لماذا يحصل هذا لنا؟ هل نحن ببساطة دولة فاسدة على نحو خاص، تنمي سياسيين فاسدين على نحو خاص؟ اعتقد أن لا. ففي معظم مقاييس الفساد المتبعة في العالم نحن في مكان جيد في الوسط، في تصنيف الدولة الديمقراطية. ليس لك شيء رائعا هنا، هذا صحيح، ولكننا لسنا سدوم وعامورا. برأيي مشكلتنا، التي بسببها كثيرون جدا في قمة الحكم في اسرائيل يصابون بالفساد، هي اخرى: نحن اناس ليس لنا حدود.

 

نحن عديمو الحدود، بكل معنى الكلمة. اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض بعناد، منذ اكثر من خمسين سنة، لترسيم حدودها، حتى في الخرائط الرسمية. ذكروني، اين تنتهي اسرائيل؟ على طول نهر الاردن؟ وربما في حدود الخط الاخضر، ذكروني رجاء؟ اما على طول جدار الفصل في يهودا والسامرة؟ هذا ليس واضحا، ولكن صدفة. نحن لا نريد أن نعرف، وبالاساس لا نريد ان نقول، اين نحن نبدأ واين نحن ننتهي. عندما يرى الاسرائيليون حدودا، فانهم على الفور يبدأو بالتفكير كيف يوسعونها وكيف يجتازونها. اسألوا مصر، اللبنانيين، السوريين، الفلسطينيين وكل من دفعهم حظهم المتعثر الى الدخول في مواجهة مسلحة معنا. هذه تجربة ما كنت لاوصي بها احد.

 

من اين جاء هذا، هذا الموضوع مع انعدام الحدود لدينا. انا لا اعرف، ولكن عندي تخمين. لقد اقام دولة اسرائيل أناس تمردوا على اهاليهم وركلوا قوانين وقواعد المجتمعات التي ولدوا فيها. فقد وصلوا الى هنا كي يبدأوا كل شيء من جديد، على طريقتهم.

 

لقد خجل المواليد الجدد من اهاليهم الذين عاشوا في المنافي، وبالاساس لم يأبهوا بهم ولم يأبهوا بقواعدهم وبحدودهم. وهكذا تربى هنا في البلاد ملايين الاشخاص ممن يعلم الله كم هم جيدون في فحص الحدود. ويحبون جدا ان يروا ماذا يمكن عمله دون أن يمسك احد بتلابيبهم. برأيي، هناك سببان يجعلان نصف الاسرائيليين يواصلون تأييدهم لنتنياهو، رغم ان يديه ملطختان بالشمبانيا الوردية: أولا، ليس واضحا عندنا اين تنتهي علاقات ساعدني واساعدك بين المعارف والاصدقاء واين يبدأ الفساد العاري. في دولة كل الناس فيها اخوة وكلهم اصحاب، دولة يجلب

 

فيها الصديق صديقه، من الصعب أن نعرف اين بالضبط تمر الحدود بين نشاط العلاقات العامة ومجموعات الضغط، التي تنز رائحة كريهة في عملها ولكنها قانونية، وبين الفساد الجنائي لمجرمي المال – الحكم – الصحيفة.

 

صحيح حتى اليوم، فان معظم الشعب في اسرائيل يكره المحكمة العليا. وسهل جدا على سياسيينا النشطين التحريض ضدها والتنكيل بها. فكلمتي "سلطة القانون" ببساطة لا تتحدث الى معظم جمهور الناخبين هنا ونتنياهو يفهم هذا جيدا. هذا يجلبني الى السبب الثاني الذي برأيي يجعل نتنياهو سيواصل التمتع بتأييد جماهيري واسع حتى من خلف القضبان: في خفاء قلوبنا نحن نريد ايضا ان نكون مثله بعض الشيء. كثيرون جدا هنا يحبون فحص الحدود، المناورة في المجال الغامض الذي بين المسموح والممنوع، شد حدود الممكن والنجاح في التملص بسرعة ممن يحاول الامساك بتلابيبهم.

 

ثمة في اليهودية وفي اليهود ايضا اساس تآمري وتمردي. هذه ميزة طبيعة وطنية، ترافقنا كالظل منذ 3.500 سنة. منذ أن دخل أبونا ابراهيم في جدال مع الرب على عدد الاولياء المطلوبين من أجل انقاذ سدوم، ونحن نحب أن نرى ما الذي يمكن تحقيقه من خلال خليط من الوقاحة، المبادرة، الدهاء والاستعداد لفحص الحدود.

 

للميل اليهودي والاسرائيلي لاجتياز الحدود ولتجاوز القيود توجد ايضا فضائل: بعض مما يجعل الجيش الاسرائيلي جيشا ناجعا وخطيرا بهذا القدر لاعدائه هو هذه الروح، التي تشكل جزء من التعليم والترابط بين كل القادة والمقاتلين عندنا. فتعابير "السعي الى الاشتباك"، "استغلال النجاح" و "هذا ما يوجد وبه سننصر" ليست مجرد كليشيهات بل ايضا مزاج يؤدي الى الصحوة، الارتجال، وفي نهاية المطاف الى الانتصار.

 

هذا صحيح ليس فقط في الجيش. الوقاحة، المبادرة، التفكير من خارج العلبة والرغبة في فحص الحدود والقيام بالمتعذر هي جزء من المواد الخام للكثير من المبادرات والابتكارات التي نشأت هنا، وجعلت اسرائيل امة الاستحداث التي نرغب جدا التباهي بها.

 

وعليه، ختاما، هل يمكن هذا وذاك ايضا؟ هل سنتمكن من أن نكون مبادرين شجعان ووقحين دون أن نكون فاسدين، نحن الاستمتاع ومجرمين؟ أعتقد أن نعم. في السبعين سنة للدولة كان لنا بعض من رؤساء الوزراء، من اليمين ومن اليسار، ممن اعطوا قدوة شخصية وجميلة لمثل هذا السلوك.

 

انا أتحدث عن دافيد بن غوريون وعن مناحم بيغن، عن ليفي اشكول وعن اسحق شمير. هذا ليس في السماء، وهذه ليست اسطورة، هذا سيستغرق زمنا. ولكن بعد أن تنتهي قصة نتنياهو وتكون من خلفنا، سنتمكن، ربما، من عمل الشيء الذي نجيده حقا. ان نبدأ من جديد، منذ البداية.