عام مضى

باسل الأعرج ...النموذج الذي أزهر يوم استشهاده

الساعة 07:32 م|06 مارس 2018

فلسطين اليوم

في مثل هذا اليوم قبل عام، وعند الساعة السابعة والنصف صباحا كان اسم "باسل الأعرج" يتردد في كل فضاء، بعد الإعلان عن استشهاد "المثقف المقاوم" وآخر المطاردين الضفة الغربية، بعد اشتباك مع الاحتلال لساعات في أحد بيوت رام الله، لينهي رحلة مطاردة دامت سته أشهر متواصلة، ولتبدأ رحلة باسل " النموذج" للمقاوم المثقف الشهيد.

شكل استشهاد باسل حالة استنهاض وطني على الساحة الفلسطينية، فهو المثقف الذي أبى أن يخرج من سجن السلطة إلى سجن الاحتلال، وآثر أن يفنى جسده مقابل الفكرة التي نظر لها طويلا بأن يكون " المثقف المشتبك"، حينما كان يردد في كل محاضراته " ما بدك تكون مشتبك ما في ولا في ثقافتك"، وأن " المقاومة جدوى مستمرة".

وبدأ اسم باسم يتردد حين أعلن عن اختفائه في نهاية أذار من العام 2016، مع  اثنين من زملائه في الشقة التي كان يسكن فيها في رام الله التحتا، لتعلن المخابرات التابعة للسلطة الفلسطينية اعتقالهم بعد عشرة أيام خلال قيامهم بتدريبات في أحد جبال قرية عارورة شمال مدينة رام الله. و قامت أجهزة السلطة باعتقال الشبان الثلاثة وثلاثة شبان أخرين قالت إنهم وجدوا سويا ينون تنفيذ عملية مقاومة ضد أهداف للاحتلال.

ورغم إعلان السلطة ذلك، إلا أنها اعتقلته وقدمته للمحاكمة بتهمة "حيازة سلاح غير مرخص" و"تشكيل خليه لإثارة الشغب" في المنطقة، وقامت الأجهزة الأمنية بتعذيبه بأبشع الطرق انتقاما على عدم تعاطيه مع المحققين ولا المحكمة ولا أي من إجراءاتها، إيمانا منه بعدم شرعية سلطة أوسلو والتنسيق الأمني.

استمر اعتقاله أربعة أشهر، ليقرر الإضراب عن الطعام حتى الإفراج عنه، وبالفعل خاض باسل، بالرغم من وضعه الصحي المتراجع بسبب الاعتقال، إضرابا مفتوحا عن الطعام استطاع خلاله إجبار الأجهزة الأمنية الإفراج عنه، وبالفعل، إلا أنه رفض هذا الإفراج وكان قراره بعد الخروج إلى سجن أخر، كما كان متوقعا.

ويوم الإفراج عن باسل في أيلول من 2016 استقبلته عائلته كما عائلات الشبان الخمسة، إلا أنه أقنع عائلته أنه سيعود للبيت وحده، ومنذ ذلك اليوم بدأت مرحلة أخرى من قصة الشهيد المشتبك، بالمطاردة من قبل الاحتلال، بعد مداهمة منزله في الولجة لأكثر من مرة، واعتقال رفقائه الخمسة، كان متوقعا.

غاب وغابت أخباره منذ ذلك اليوم عن الأهل والأصدقاء و المعارف، وكل من عرف باسم باسل وأحبه فيما بعد، حتى يوم السادس من أذار، حينما أفاق أهالي مدينة رام الله على صوت الاشتباك والتفجير، من عرف باسل توقع أنه الشهيد، وأزداد التوقع يقينا مع أول صورة خرجت من المنزل الذي تحصن فيه وقد أختلط دم باسل بالكتب الموجودة في البيت، فهو المطارد الوحيد في الضفة وهو المقاوم الذي يعرفه الجميع ينقطع عن كل شيء إلا الكتب.

يقول أحد الصحافيين والذي كان أول من وصلوا للمكان:" عند الساعة الواحدة والنصف من فجر ذلك اليوم سمعنا صوت قوي من مدينة البيرة حاولنا الوصول للمنطقة ولكن كانت قوات الاحتلال قد انسحبت لأطراف المنطقة حيث اندلعت المواجهات هناك، وبعد سماع شهود الأهالي وإعلان الجيش باستشهاد شاب قمنا بالبحث عن المكان فكانت أثار الدماء تشير إلى الشقة حيث كان يسكن".

كان باسل قد استأجر البيت، الواقع وسط رام الله خلف سوق الخضار بقليل، متخفيا بشخصية أجنبي من السويد، كما قالت السيدة التي تملك البيت، وكان يخبرها أنه يتعلم اللغة العربية وهو ما يجعله بحاجة لقراءة الكتب باللغة العربية باستمرار، وفي المنزل كانت الكتب ملقاه على الأرض ملطخة بدمائه وحطته التي أعتاد لبسها، وقليل من كل شيء إلا من الكتب حيث كانت الكتب في كل مكان في البيت.

وفي إعلان الاحتلال قال إنه استطاع أن يصفى "مخربا" وقائد الحرك الشبابي في الضفة الغربية، فيما أظهر فيديو نشر فيما بعد لعملية اقتحام المنزل أن باسل تحصن في أعلى حمام المنزل وقام بإطلاق النار من بندقية أم 16، وكارلو محلي الصنع، في اشتباك مع قوة كبيرة من جيش الاحتلال حتى نفذت ذخيرته، وكان استشهاده بقذيفه مباشرة لمكان تواجده.

ما ميز باسل ليس كونه شهيدا مقاوما، وإنما إيمانه بفلسطين أرضا وشعبا وتاريخا وعشقه الصادق لها، كما قال أحد المقربين منه والذي عمل معه لسنوات الدكتور خالد عودة الله، حينما قال فيه:" ما ميز باسل صفتان اثنتان في نظري، الأولى هي العشق؛ عشق فلسطين، والثانية هي الصدق، وإذا اجتمع العشق مع الصّدق فإن النتيجة بالضرورة ستكون الشّهادة" وهو بالفعل ما كان وليس أي شهيد".

جسد باسل نموذجا استثنائيا مع المقاومين المسلحين بالفكر والمعرفة والثقافة، فلم يكتفي بالمستوى الفكري والثقافي الاستثنائي الذي جعل منه مرجعا لمعظم الباحثين في مجال البحث في التراث الاجتماعي الفلسطيني، من خلال توثيقه أهم مراحل الثورة الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني، وصولا للاحتلال الإسرائيلي، وإنما طبق مقولاته في حياته عن أهمية المقاومة والخلاص الجماعي لشعب تحت احتلال بالمواجهة المباشرة مع الاحتلال بما تيسر له.

والشهيد باسل خريج تخصص الصيدلة من إحدى الجامعات المصرية، عمل لسنوات في مجال دراسته كصيدلاني في مخيم شعفاط القريب من القدس، اكتسب خلالها شعبية كبيرة بين أوساط المخيم، ولم يكن خلالها منقطع عن النضال الشعبي ضد الاستيطان في قريته، حيث مسيرات التي كانت تخرج باستمرار ضد الجدار وفصل قريته عن القدس ومصادرة أراضيها.

خلال فعاليات الحراك الشبابي الفلسطيني المساند للأسرى وإضراباتهم كان الأعرج أحد أهم نشطائه وخاصة في الفعاليات التي تنظم ضد التطبيع في الضفة الغربية، وخاصة المسيرة التي خرجت احتجاجا على زيارة موفاز للمقاطعة عام 2012، والتي تعرض خلالها الأعرج للضرب من قبل أجهزة السلطة.

كلمات دلالية