الجبهة الشمالية لحماس.. معاريف

الساعة 12:37 م|02 مارس 2018

فلسطين اليوم

الجبهة الشمالية لحماس

بقلم: يوسي ميلمان

(حتى لو لم تنجح محاولة الاغتيال لحمدان فقد وصلت الرسالة، فما بالك ان الحدث ادخل الى الصورة حزب الله، الذي اكتشف ما اكتشفه، وبخ حماس وادى الى تفكيك في البنية التحتية. وهكذا شطب، حاليا على الأقل، حلم الجبهة الشمالية لحماس).

قبل نحو شهر ونصف، يوم الاحد 14 كانون الثاني، دخل محمد أبو حمزة حمدان إلى سيارة الـبي.ام. فيه الفضيه في مدينة صيدا في جنوب لبنان، في غضون ثوانٍ وقع انفجار هائل في الشارع. وتحطمت السيارة وتضررت منازل في المحيط من شدة الانفجار. يمكن التقدير بان المادة المتفجرة التي تقدر بنصف كيلو غرام أعدها مهنيون. ولحظه تمكن حمدان من فتح الباب والخروج، فنجا بحياته. بداية علم أنه اصيب بجراح طفيفة ولكن قيل لاحقا ان الاطباء اضطروا الى قطع ساقه.

أفادت وسائل الاعلام في لبنان بانه في اثناء الانفجار حلقت طائرات لسلاح الجو ونسبت محاولة الاغتيال للموساد. كان هناك من ادعوا بان حمدان كان ضحية لان شقيقه اسامة هو من كبار رجالات حماس وممثل المنظمة في لبنان منذ سنوات طويلة. وكان تلفزيون حزب الله "المنار" هو الذي كشف النقاب عن أنه تبوأ منصبا كبيرا هاما في حماس، وكان ملاحقا من اسرائيل.

بعد بضعة ايام من محاولة الاغتيال ادعى وزير الجيش ليبرمان بان حماس التي لا تريد مهاجمة اسرائيل من غزة خوفا من رد فعلها الشديد ورغم جهودها المتواصلة تجد صعوبة في العمل من الضفة الغربية، تسعى لإقامة خط مواجهة جديد في جنوب لبنان. وعلى هذه الخلفية قالت محافل استخبارية غربية لـ "معاريف" ان حمدان كان المسؤول عن هذه الخطة ومن قرر اغتياله اراد تشويش مساعيه.

يمكن ان نسمي الخطة "الجبهة الشمالية" لحماس. فقد حاولت المنظمة ان تقيم في جنوب لبنان منطقة فيها تجمع فلسطيني كبير ولا سيما في مخيمات اللاجئين في صور وصيدا، بنية تحتية للهجمات ضد اسرائيل. وقبل نحو نصف سنة كشف رئيس المخابرات نداف ارغمان للوزراء في جلسة الحكومة عن تنظيم حماس في لبنان لخطتها لإقامة موقع لها في الدولة. وفي مركز الخطة محاولة تخزين كمية كبيرة من الصواريخ واطلاقها في يوم الامر نحو اسرائيل. وكان الهدف مزدوجا: اذا ما وعندما تندلع حرب اخرى بين اسرائيل وحماس في غزة، سيكون بوسع المنظمة اطلاق صواريخ من الحدود الشمالية وهكذا تتحدى اسرائيل بفتح جبهة ثانية.

ولكن من خلف الخطة اختبأت فكرة لامعة وجريئة أكثر: في المنظمة أملوا بانه من خلال إطلاق الصواريخ من لبنان سيورطون ايضا حزب الله ويجروه الى الحرب. وحسب مصادر الاستخبارات الغربية، فقد اقامت حماس بنيتها التحتية دون علم حزب الله وفي ظل الجهود لإخفائها عنه. ظاهرا هذا غير معقول: حزب الله يتعاون مع حماس، ورغم كونها منظمة سنية من أصل حركة الاخوان المسلمين، يرى فيها حليفا "للمقاومة" ويشجعها على العمل ضد اسرائيل. يتعامل حزب الله مع حماس في لبنان بكرم الضيافة ويتعاطى معها كأخ كبير يحتاج أخوه الصغير للمساعدة.

فضلا عن ذلك، يرى حزب الله نفسه "رب بيت" في لبنان، ويدعي بانه يعرف كل ما يحصل في الدولة، وبالتأكيد في جنوبها. ولغرض تحصيل المعلومات لا يعتمد فقط على أجهزة الامن اللبنانية، التي له فيها أيضا تواجد هام وعملاء يعملون في صالحه. وأقام لهذا الهدف أجهزة استخبارات وامن مستقلة للتجسس الداخلي يستخدم عملاء، يتنصتون على المكالمات الهاتفية ويقتحمون الحواسيب، وكل هذا كي لا يتفاجأ بنشاط يجري في لبنان ولا يعرفه التنظيم الشيعي مسبقا.

ومع ذلك، وحسب محافل في الاستخبارات الغربية التي تحدثنا معها، في هذه الحالة نجحت حماس في تضليل حزب الله وإخفاء خطواتها عنه. وحسب هذه المصادر، فان خطة حماس السرية في لبنان لم تنكشف الا في اعقاب محاولة الاغتيال لحمدان.

في أعقاب الانفجار، شرع جهاز الامن الداخلي في حزب الله بالتحقيق، ومع انه توصل الى الاستنتاج بان إسرائيل تقف خلف محاولة الاغتيال، اكتشف الخطة السرية لحماس. وبأقل تقدير فان حزب الله لم يستطب ما حصل من تحت أنفه. وفهموا في التنظيم بان الهدف النهائي لحماس كان جرهم لحرب ضد إسرائيل. في حماس خططوا بانه عندما تبدأ جولة حربية جديدة في غزة، فان الشبكة السرية في لبنان ستطلق الصواريخ نحو شمال إسرائيل. واعتقدوا في حماس بان إسرائيل لن تعرف عن تنظيمهم في لبنان وستعتقد بان حزب الله هو الذي يقف خلف إطلاق الصواريخ فترد بشدة ضد اهداف للتنظيم الشيعي. وحسب السيناريو الذي رسمته حماس، لن يتمكن حزب الله من الجلوس مكتوف الايدي وسيرد بالتالي فتتحول الحدود اللبنانية الى جبهة أخرى أكبر وأشد بالنسبة لإسرائيل. بكلمات أخرى، حاولت حماس ان تفعل لحزب الله ما تفعله المنظمات السلفية الصغيرة لها في غزة: إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل لإثارة الاستفزاز، لتصعيد الوضع والتدهور به حتى الحرب.

مهامة العاروري

بعد ان كشف حزب الله لعبة حماس المزدوجة – من جهة التنسيق والتعاون والامتنان على الاستضافة، ومن جهة أخرى محاولة الخداع – جرت محادثات قاسية وشديدة بين الطرفين. وأوضح قادة حزب الله، بمن فيهم الأمين العام حسن نصرالله لزعماء حماس بانهم لن يحتملوا مسا آخر بمكانتهم، وان كل خطة عمل ضد إسرائيل من لبنان يجب أن تلقى مصادقتهم مسبقا. واطلع حزب الله الجنرال قاسم سليمان، قائد قوة القدس الإيرانية المسؤول عن إدارة العمليات الإرهابية الخاصة والحرب والعمليات من خارج حدود ايران على المحادثات التي اجراها مع حماس.

ومنذ ذلك الحين تحاول الأطراف الثلاثة المصالحة وإعادة التعاون الى المستوى الذي كان عليه من قبل بل وتعميقه. وفي الفترة الأخيرة، وعلى خلفية أزمة حماس في غزة وعزلتها الدولية، ولا سيما حيال مصر، فانها تحاول تعزيز علاقاتها مع ايران كي تزيد هذه المساعدة المالية لتسلحها.

من يجري الاتصالات مع حزب الله هو صالح العاروري، اليوم رقم 2 في حماس بعد إسماعيل هنية، ويتبوأ منصب نائب رئيس المكتب السياسي للمنظمة. وكان العاروري اعتقل في التسعينيات وقضى محكومية طويلة ولكنه حتى بعد أن تحرر من السجن واصل العمل على تشكيل خلايا لحماس والتخطيط لعمليات.

وكانت خلية بقيادة العاروري اختطفت وقتلت في حزيران 2014 التلاميذ الثلاثة في غوش عصيون، العملية التي أدت الى حملة "الجرف الصامد". ومع أن حماس نفت في البداية مسؤوليتها عن العملية، الا ان العاروري في خطاب له في تركيا اعترف بان منظمته هي المسؤولة عنها. ولاحقا اكتشفت المخابرات الإسرائيلية تنظيما واسعا في الضفة يقف العاروري خلفه فاعتقل عشرات النشطاء وعثر على أسلحة وأموال هربت من الأردن. وكانت المخابرات الإسرائيلية في حينه قالت ان حماس كانت تخطط لانقلاب عسكري في السلطة الفلسطينية للسيطرة على الضفة مثلما فعلت في غزة في 2007.

بضغط من إسرائيل، وكجزء من المفاوضات على اتفاق المصالحة الذي وقع في صيف 2015، أبعدت تركيا العاروري منها. فانتقل الى قطر ولكنه ابعد أيضا من هناك بضغط إسرائيلي – امريكي ووجد له ملجأ في لبنان حيث اقام قيادته. بل انه شارك في محادثات المصالحة التي جرت في القاهرة مع السلطة الفلسطينية برعاية المخابرات المصرية.

الاغتيال

اذا كانت إسرائيل بالفعل تقف خلف محاولة التصفية في جنوب لبنان فان هذه لا بد ستكون من مهامة الموساد حسب تقسيم العمل الداخلي في إسرائيل. وحتى لو كانت الموساد تبعث لمهامها بمقاتليها وحتى لو كانت تعتمد على العملاء والمعاونين، فانها في معظم عملياتها في الخارج تستخدم القدرات الاستخبارية والعملياتية لوحدة 8200 في شعبة الاستخبارات العسكرية. بل وتستعين أيضا بالشاباك والمخابرات اذا احتاجت الى ذلك، فما بالك ان الشاباك مسؤولة عن احباط الإرهاب، وحماس هي هدف مركزي لنشاطها.

وبالفعل، وحسب المنشورات في لبنان، يمكن ان تلاحظ في عملية الاغتيال لمحمد حمدان أنماط عمل تتميز بها الموساد. فقد تبين من التحقيق في الحدث كما أفادت صحيفة الاخبار اللبنانية المتماثلة مع حماس بان "ضابطين إسرائيليين"، رجل وامرأة، نفذا العملية.

وحسب التقرير، فان المرأة هي التي زرعت العبوة الناسفة في سيارة حمدان، والرجل هو الذي شغلها. وبعد ذلك غادر الاثنان لبنان بجوازات سفر جورجية، سويدية وعراقية. وأشارت الصحيفة الى ان المخابرات اللبنانية، كشفت عن صورهما وعن وثائق تعود لهما، ولكن بالطبع لم ينشر عن ذلك أي اثبات او مستندات.

وبين الجهود التي بذلها اللبنانيون كانت أيضا محاولات للكشف عن العملاء المحليين الذين تعاونوا مع "الإسرائيليين". احدهم هو محمد ح. الذي هرب الى تركيا بعد محاولة التصفية، حيث اعتقلته قوات الامن المحلية، وذلك في اعقاب مكالمة هاتفية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ورئيس المخابرات التركية حوكان فيدان.

وحسب الصحيفة فانه ظهر في التحقيق عميل آخر، محمد ب. الذي كان عميلا للمخابرات الإسرائيلية لخمس سنوات، لاحق حمدان سبعة اشهر، استأجر مخزنا قرب منزل حمدان ونصب كاميرات لمتابعة اعماله. وحسب مصادر استخبارية في لبنان، فان الاستخبارات الإسرائيلية أفرغت محتويات المخزن قبل محاولة الاغتيال.

وحسب نتائج التحقيق، فعشية محاولة الاغتيال رافق محمد ب. الضابطة الإسرائيلية الى بيروت، ومن هناك واصلت رحلتها الى قطر ومنها الى مقصد غير معروف. وفي الغداة انتظر محمد ب. مع الرجل الإسرائيلي بجوار سيارة حمدان كي يشغلا العبوة. وحسب مصادر استخبارية في لبنان، فان الإسرائيلي الذي حمل جنسية عراقية – سويدية، سافر جوا بعد العملية الى فرنسا.

إذا كانت الموساد هي بالفعل التي تقف خلف العملية، فيجدر بالذكر انه عندما تسلم يوسي كوهن منصبه قبل 26 شهرا اعرب عن رغبته بان يجعل جهازه "عملياتيا اكثر" مما يعني انه سيقوم بعمليات تصفية. في كانون الأول 2016 صفي في تونس المهندس محمد الزواني، الذي عمل على تطوير طائرات غير مأهولة وغواصات صغيرة لحماس. وهذه العملية أيضا نسبت للموساد.

وبتقدير مصادر غربية، حتى لو لم تنجح محاولة الاغتيال فقد وصلت الرسالة، فما بالك ان الحدث ادخل الى الصورة حزب الله، الذي اكتشف ما اكتشفه، وبخ حماس وادى الى تفكيك في البنية التحتية. وهكذا شطب، حاليا على الأقل، حلم الجبهة الشمالية لحماس.

كلمات دلالية