الادنى في الضفة- يديعوت أحرونوت

الساعة 01:03 م|23 فبراير 2018

فلسطين اليوم

بقلم: ناحوم برنياع

 قلنديا هي أكثر بكثير من نقطة عبور بين اسرائيل والضفة. فهي درس في مفارقة الاحتلال. أنت تترك من خلفك دولة تنتمي الى العالم  الاول، وتسقط دفعة واحدة الى الفوضى، الى الفقر، الى الاهمال والى القذارة التي تلتقيه في أسوأ دول العالم الثالث. تبدأ بسفر منفلت العقال، في طريق مشوش، بين بيوت بنيت الواحد في داخل الآخر، بلا قانون وبلا رقابة، بين أسوار تحمل شعارات تؤيد الارهاب وصور بطولية لعرفات والبرغوثي، وعندها تعود دفعة واحدة الى الحضارة: طريق مرتب، محيط معتنى به، اشارات ضوئية، اشارات طريق. رحلة عبر العالم الاول، العالم الثاني والعالم الثالث. كل هذا في غضون عشر دقائق: لا توجد وكالة سفر في العالم يمكنها أن تضمن للسائح مغامرة مشابهة. هذه الصورة الكبرى توجد كلها في الارض السيادية لدولة اسرائيل، في ذاك القسم من الضفة الذي ضم في 1967 الى القدس. حكومات اسرائيل ترفض ابتلاعها، وتخاف لفظها. في نقطة درجت اجيال من جنود الجيش الاسرائيلي على تسميتها "مصنع العرق" تنتهي اسرائيل وتبدأ فلسطين. يفترض بك ان تكون قلقا، ولكنك مع ذلك تتنفس الصعداء.

"نحن نسمي هذه أرض الحرام"، يقول خليل الشقاقي، رئيس المركز الفلسطيني للبحوث والاستطلاعات. "استطلاع أجريناه اكتشفنا بان احساس الامن في هذه الاحياء هو الادنى في الضفة. فالحديث يدور اساسا عن العنف، البغاء، الجرائم داخل العائلة. والنساء هن الضحية الاساس".

الشقاقي، 65، يعتبر المحلل الاكثر مصداقية للمزاج في الشارع الفلسطيني. فالصحافيون الاجانب والدبلوماسيون يدقون بابه. وهو مستقل، صريح وطلق اللسان: ينتقد ابو مازن بحدة، بلا روع. ذات مرة كانا قريبين، اما الان فأقل. في اسرائيل يتذكرون أخاه، فتحي الشقاقي الذي كان رئيس الجهاد الاسلامي وصفاه مغتال اسرائيلي في جزيرة مالطا في 1995. خليل نقي من كل صلة بالارهاب. منظمته، التي سجلها كشركة غير ربحية، تتغذى اساسا من اموال دول الاتحاد الاوروبي. والاستطلاعات يجريها في الضفة، في القدس وفي غزة. اما المؤسسة الاسرائيلية الوحيدة التي يعمل معها في هذه اللحظة فهي مركز بحوث السلام على اسم تامي شتاينمتس في جامعة تل أبيب. اليهود يستطلعون اليهود، والشقاقي يستطلع بالتوازي الفلسطينيين.

سافرنا مراسل "يديعوت" في المناطق اليئور ليفي وأنا اليه في بداية الاسبوع. التقيناه في مكتبه، في احد المباني التي طلت كالفطريات حول المقاطعة في رام الله.

 فبدأ يقول: "هذه ليست المرحلة الاسوأ. المرحلة الاسوأ كانت في نهاية 2015 في ذروة موجة عمليات المخرب الفرد. وكان الغضب على اسرائيل عظيما. والان ايضا الغضب كبير، ولكنه لا يوشك على الانفجار.

"ابو مازن اقل شرعية مما كان في اي وقت مضى. 70 في المئة يدعونه الى الاستقالة. في الماضي نزل الى 65 والى 67، ولكنه لم يصل في اي مرة الى 70".

هل فقدان التأييد في الشارع هو السبب للخطابات الهجومية التي يلقيها مؤخرا ضد ترامب وضد نتنياهو، سألنا.

"هذا ليس السبب الوحيد"، اجاب. "نشأت قطيعة بين ابو مازن وبين مؤيديه". تفضل واشرح رجاء.

"محمود عباس وثق بترامب، فقد اعتقد بان شخصا مثل ترامب قادر على ان يجلب له ما لم يجلبه اوباما. اوباما قال الكلمات الصحيحة، ولكنه امتنع عن ممارسة الضغط؛ فقد تصرف كالجبان. اما ترامب، كما اعتقد ابو مازن، فقادر على ان يجبر نتنياهو. في الوقت الذي أمن معظم الفلسطينيون، بمن فيهم رجال حماس بان انتخاب ترامب هو بشرى سيئة، أمل هو بالخير. "لقد كان في واشنطن عشية خطاب ترامب. أحد لم يروِ له ولرجاله بان ترامب يعتزم الاعلان عن الاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل. وقد عرض الخطاب عباس كغبي امام أبناء شعبه. وفاقمت الاهانة الوضع ولكنها لم تكن الامر الاساس.

"التقى محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي عرض عليه حسب ما تقول الشائعات أن يقيم عاصمته في ابو ديس. وكان خليط اعلان ترامب والعرض السعودي قد دفن كل آماله. ترامب لم يقل في خطابه انه يعترف بضم شرقي القدس. وكان يمكن لعباس ربما أن يبني شيئا ما على الغموض، ولكن ذكر ابو ديس قتل هذا".

لكن، قلنا، هو يواصل أمر أجهزة أمنه للتعاون مع اسرائيل. لماذا؟

"لان التعاون مع اسرائيل هو الضمانة الوحيدة التي تمنع انهيار السلطة"، قال. "التعاون يحرر السلطة من الضغط من الخارج، من جانب اسرائيل، ومن الداخل، من جانب حماس. وهو يشير الى ان لاسرائيل مصلحة في استمرار وجود السلطة وفي حل الدولتين".

          الصورة تنقلب

          الى اين انتم تسيرون من هنا، سألنا.

"توجد أنباء سيئة وأنباء طيبة"، قال. "ابدأ بالسيئة. الشارع الفلسطيني يجتاز مسيرة تطرف تماما مثل الشارع الاسرائيلي. اكثر من 50 في المئة من الجمهور يؤمنون بان اسرائيل تتآمر على أخذ اراضينا وابعادنا؛ 30 في المئة يقولون ان اسرائيل تتآمر على اخذ اراضينا وحرماننا من حقوقنا دون ابعادنا وفقط 20 في المئة يؤمنون بان اسرائيل معنية بالتسوية.

"قبل عشر سنوات في 2008، 70 في المئة أيدوا حل الدولتين. 60 في المئة أيدوا الحل الوسط حسب المباديء التي تحدث حولها عباس واولمرت. عدنا الى الاسئلة اياها في استطلاع اجريناه قبل شهرين. 46 في المئة يؤيدون اليوم حل الدولتين. التأييد للحل الوسط هبط الى 40 في المئة".

          هل يؤمنون بان حل الدولتين لا يزال ذا صلة، سألنا.

 "أقل فأقل"، قال. "معدل الذين يؤمنون بانه يمكن الوصول الى حل في السنوات الخمسة القريبة القادمة هبط الى 25 في المئة".

          ما هي الانباء الطيبة، سألنا.

"أنه يمكن تغيير هذا"، قال. "تقريبا كل من هجر حل الدولتين مستعد لان يعود ليؤمن به، رغم كل ما حصل. 60 في المئة في الطرفين، الفلسطيني، واليهود في اسرائيل، يقولون اليوم لا لاتفاق على نمط اولمرت – عباس. هذه هي الانباء السيئة. ولكن اذا اضفت عنصرا آخر، حافزا آخر، فالصورة تنقلب". في كل واحد من الاستطلاعات عرضت سبعة حوافز. 39 في المئة من المعارضين في الجانب الفلسطيني غيروا رأيهم عندما قيل لهم ان اسرائيل ستعترف بالنكبة وستدفع تعويضات؛ 37 في المئة من المعارضين غيروا رأيهم عندما وعدوا بان الدولة الفلسطينية ستكون ديمقراطية. فالديمقراطية تعد ملجأ من الفساد والطغيان في الضفة وفي غزة اليوم (بين اليهود كان الحافز المظفر هو الوعد بمواصلة السماح لليهود في الحجيج الى الحرم. رقم 2 كان استمرار التعاون الامني. نصف المعارضين للاتفاق ابناء الطوائف الشرقية وافقوا على تغيير رأيهم عندما قيل لهم ان اليهود من أصول الدول العربية سينالون تعويضا على ممتلكاتهم).

          ما هو الاستنتاج، سألنا.

          "اذا أعطيت أملا للناس، فانهم يغيرون رأيهم"، قال.

          ولكنك لا تؤمن بان هذا سيحصل، قلنا.

 فهز كتفيه. "الزعماء وحدهم يمكنهم أن يحدثوا التغيير"، قال. وهنا أنا متشائم. نحن بحاجة لزعماء بسبب رؤياهم او بسبب الحاجة الى بقائهم يغيرون الواقع. السادات كان رجل رؤيا؛ عرفات كان رجل بقاء؛ اما ابو مازن فهو ليس هذا وليس ذاك. كان لديه استعداد للحل الوسط – أمر مشكوك أن يكون لمن يخلفه".

          بين الفلسطينيين يوجد من يفضلون دولة واحدة. قلنا.

 "في السوق الفلسطيني توجد فكرتان متنافستان"، قال. "واحدة علمانية؛ تتحدث عن حقوق متساوية لليهود والفلسطينيين في دولة واحدة؛ تعالوا ننتظر، يقول مؤيدو هذه الفكرة: اليمين في اسرائيل يقوم بالعمل نيابة عنا. مع حلول اليوم نضع على الطاولة كل التعابير من عهد الابرتهايد في جنوب افريقيا، واليهود لن يصمدوا أمام ضغط العالم، والفلسطينيون سيحصلون على كل البلاد.

"الفكرة الثانية دينية. الحركة القومية العربية تموت والحكم في كل المنطقة سيكون ديني – حماس في المناطق، حزب الله في لبنان، داعش في سيناء، القاعدة. حرب اسرائيل مع ايران يمكنها أن تعظم المشاعر الدينية، دون صلة بمسألة من ينتصر. النظام في الاردن، في مصر وفي السعودية سيكون في خطر.

"لو كان عندي مال، لكنت راهنت على الحل العلماني، ولكني كنت سأنظر كل الوقت الى الجانب، لارى ماذا يحصل في الجانب الديني".

 وربما، قلنا، سيحصل ما يأمل نتنياهو أن يحصل: الوضع الراهن يبقى الى الابد.

 "لا احتمال"، قال الشقاقي. "انظروا الى ابو مازن وعمره؛ انظروا الى الوضع في غزة؛ الى التوتر بينكم وبين ايران؛ انظروا الى الفلسطينيين في اعمار 18 – 22. مواقفهم اكثر تصلبا من مواقف ابائهم؛ وبالطبع، انظروا الى تأثير المستوطنين في ساحتكم السياسية. سنتان من اليوم سنرى التغيير".

كلمات دلالية