عناق دب -يديعوت

الساعة 12:38 م|20 فبراير 2018

فلسطين اليوم

هكذا تصمم روسيا الشرق الاوسط

بقلم: ديما أدامسكي

بروفيسور محاضر وباحث في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا

(المضمون: التكتيك والاستراتيجية الروسيين في الشرق الاوسط - المصدر).

اذا كان لا يزال لدى أحد ما شكوك، فان الاحداث الاخيرة في الشمال جسدت للجميع بان روسيا تشكل جهة سائدة – لاعب لا بديل له، قريب من الولايات المتحدة في نفوذه – في الشرق الاوسط. يمكن لموسكو اليوم أن تعطي "ضوء أخضر" لخطوات تصعيدية، كاطلاق طائرة غير مأهولة ايرانية واطلاق الصواريخ السورية، في أنها لا تمنع هذه الخطوات، و "ضوء اخضر" لخطوات اخرى، مثل النية الاسرائيلية لتشديد قوة الرد على تلك الحادثة. ولعل الاهم من كل شيء

هو أن موسكو تبث "ضوء برتقاليا" يدخل اللاعبين، بمن فيهم اسرائيل، في وضع من عدم اليقين بالنسبة لدوافعها الاستراتيجية والشكل العملي الذي تحقق فيه هذه الدوافع. هذه الاشارات، الذكية، المتغيرة والمتلاعبة، توسع مجال المناورة الجغرافي السياسي لروسيا وتأثيرها على اللاعبين في المنطقة.

وبينما يحاول خبراء استراتيجيون في البلاد وفي العالم حل لغز سلوك روسيا، ينشغل أصحاب القرار في اسرائيل بمسألة اذا كانت نواياها وقدراتها تقلص أم توسع حرية عمل الجيش الاسرائيلي. الجواب على هذا السؤال منوط بسياق وبعد محددين، ويستوجب استيضاحا وتحقيقا لجوهر الامر، ولكن يمكن الاشارة الى ثلاثة مباديء عامة توجه سلوك روسيا الاستراتيجي وخطواتها العملية في المنطقة:

حفظ التوتر المضبوط. موسكو معنية باستمرار التوتر في المنطقة، بما في ذلك بين اسرائيل وجيرانها، بحيث يسمح لها باستخلاص المكاسب السياسية وتحقيق أهدافها الاقليمية والعالمية من خلال اجراءات الوساطة والتسوية. من ناحيتها، فان شدة المواجهة يجب أن تكون على ما يكفي من الارتفاع كي تسمح بأزمات مبادر اليها وصدامات بين اللاعبين، ولكن ليست على ارتفاع اكثر مما ينبغي كي تمس بالاستقرار وتخلق فوضى اقليمية. تتطلع موسكو الى التحكم بالتصعيد وتقليص مستوى اللهيب كي لا تعرض للخطر ذخائرها الاقليمية.

وساطة تعمق التعلق. تأخذ موسكو على عاتقها مهامة الوسيط، الذي بوسعه ان يصعد أو يثبت السياقات. ومن أجل السماح لذلك فهي تطور قدرة وصول مميزة لجملة من اللاعبين الاقليميين الذين ينتمون الى معسكرات مختلفة – التفوق التنافسي البارز لديها حيال الولايات المتحدة. وهي تفضل الا تكون للاعبين أفضلية واضحة الواحد على الآخر، وألا يكونوا أقوياء أو ضعفاء أكثر مما ينبغي كي يغيروا الوضع القائم. في كل تطور سياسي أو حادثة عسكرية تتطلع لان تجسد للاطراف قيود قوتهم وتعلقهم بها، ولا سيما عند الحاجة الى آلية لانهاء المعركة.

 

الاكتفاء المعقول. في وقت تعظيم تدخلها، لدرجة التدخل العسكري، تستوعب روسيا بان خطرها الاكبر يكمن في الاستثمار الزائد، الذي من شأنه أن يحدث نتاجا سلبيا ويؤدي الى غرق استراتيجي. وبالتالي تبحث موسكو بشكل دائم عن "المدى الذهبي" بين استثمار الطاقة الاستراتيجية الفائضة وبين الاستخدام المقلل لهذه الطاقة. وفي السياق السوري مثلا حرصت موسكو على تقليل المشاركة المباشرة والاستخدام للقوة بشكل يسمح لها بتحقيق أهدافها دون أن تغرق في وحل الحرب. "المدى الذهبي" هذا، بين استثمار أقل مما ينبغي وأكثر مما ينبغي من القوة السياسية – العسكرية، هو دينامي – وموسكو تغيره وفقا للظروف.

يتساءل الخبراء واصحاب القرار في سؤالين كبيرين: هل روسيا هي قوة عظمى، وكيف تنظر الى منافسيها وحلفائها في الشرق الاوسط؟ اقتباس منسوب لسياسيين اوروبيين يقدم مادة للتفكير في السؤال الاول: "روسيا ليست في أي مرة ضعيفة مثلما تعد، ولكن ايضا ليست قوية مثلما تبدو". اقتباس آخر، منسوب للقيصر الكسندر الثالث، وهو شخصية يعجب بها الرئيس بوتين، كفيل بان يوفر فكرة للسؤال الثاني: "لروسيا حليفان فقط – جيشها واسطولها".

في هذه الايام هناك من يتحدثون عن "عودة الدب الروسي". لعله من الاصح الادعاء بان الحديث لا يدور عن عودة روسيا الى الشرق الاوسط، فهي لم تغادر الساحة أبدا بل عن اعادة بناء مكانتها في المنطقة الى ذروة العهد ما بعد السوفياتي.