الكونفيدرالية ليست الحل.. هآرتس

الساعة 03:22 م|16 فبراير 2018

فلسطين اليوم

بقلم: شلومو افنري

(المضمون: سبب فشل كل المحاولات لاقامة كونفيدرالية في العالم هو أن الكونفيدرالية هي مأسسة للحرب الاهلية المستمرة وهي تزيد المشكلات ولا تحلها).

لا يوجد شيء مثل هذا في العالم. الطريق المسدود للعملية السلمية بيننا وبين الفلسطينيين يؤدي من حين الى آخر الى طرح افكار خلاقة في محاولة لاحداث اختراق. هذه الافكار تكون احيانا ابداعية، لكنها تكون في احيان اخرى بلا جدوى وحتى خيالية. احد هذه الافكار التي طرحت مؤخرا هي من الجانب اليساري والجانب اليميني للنظام السياسي، وهو حل النزاع من خلال اقامة كونفيدرالية اسرائيلية فلسطينية. في اليسار هناك من يرون في ذلك حل سحري، يتغلب على العقبات أمام حل الدولتين، في حين أنهم في اليمين يأملون أن يحلوا بواسطته الحاجة الى اخلاء المستوطنات. احيانا هذه الفكرة مغلفة بمفاهيم تسحر القلب، مثل "دولتان ووطن واحد". احيانا يبدو أن من يطرح افكار كهذه لا يعرف حقا ما هي الكونفيدرالية وبماذا تختلف عن الفيدرالية: هذه ليست ضعف في قواعد اللغة شكلية، بل هي فروق جوهرية.

الولايات المتحدة والمانيا هي دول فيدرالية: الفيدرالية هي دولة موحدة مع ادارة مركزية وقانون واحد وجيش واحد، تتصرف كوحدة واحدة في علاقاتها الخارجية. وهذا يتمثل بأنه يوجد لها ممثلية دبلوماسية واحدة في الدول الاخرى وممثلية واحدة في الامم المتحدة وفي المؤسسات الدولية الاخرى. في مفاهيم علم الدولة والعلاقات الدولية، في الفيدرالية السيادة هي واحدة ومحفوظة للسلطة المركزية، وليس للوحدات التي تكونها.

الكونفيدرالية هي شيء مختلف تماما: لا يوجد لها جهاز قضائي أو ادارة مشتركة، ليس لها بالضرورة حيش مشترك، وكل مكون من مكوناتها يحتفظ بتمثيل مستقل في الخارج. واذا كانت لها مؤسسات مشتركة مثل البرلمان، فان صلاحياتها تكون محدودة وضعيفة، على كل واحدة من الوحدات التي تكون الكونفيدرالية تسيطر حكومة محلية، ليس للسلطة المركزية افضلية تشريعية أو ادارية على السلطات المحلية. بكلمات اخرى، السيادة، سواء تجاه الداخل أو الخارج، تبقى في أيدي الوحدات التي تكون الكونفيدرالية.

ضمن هذه المعطيات ليس مفاجئا أنه لا يوجد اليوم وجود لأي كونفيدرالية. سويسرا تسمى احيانا كونفيدرالية لاسباب تتعلق بتاريخها في أواخر العصور الوسطى، لكنها فيدرالية تماما. يوجد للكانتونات المختلفة التي تشكلها حقا درجة غير بسيطة من الاستقلال الذاتي في الشؤون الداخلية، لكن يوجد لها حكومة مركزية واحدة وجيش واحد. سويسرا هي وحدة سيادية واحدة تجاه الداخل والخارج (لزيوريخ أو جنيف لا يوجد جيش ولا توجد سفارات) اثناء عملية تفكك الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا في التسعينيات في القرن الماضي كانت محاولات لاستبدال الهيكل الفيدرالي الذي كان قائما في هاتين الدولتين بالكونفيدرالية. كل هذه المحاولات فشلت لأن الجميع فهموا أنه بذلك لا يحلون أي شيء، وفي نهاية المطاف تفكك الاتحاد السوفييتي الى 15 دولة سيادية، ويوغسلافيا تفككت الى 6 – 7 دول (هذا يتعلق اذا كنا نعد كوسوفو). في قبرص يحاولون منذ أكثر من سبعين سنة بلورة، بلا نجاح، حل من نوع الكونفيدرالية، لكن الواقع هو دولتين فعليا، حيث المنطقة الكردية معترف بها كدولة فقط من قبل أنقرة وفعليا يوجد فيها احتلال تركي.

كل ذلك من شأنه أن يوضح لماذا محاولة الكونفيدرالية في واقعنا هي محاولة عديمة الجدوى تماما. فيما يلي سنفحص مواضيع الواحد تلو الآخر.

أولا، انشاء كونفيدرالية يحتاج الى ترسيم حدود جغرافية بين الوحدتين، اسرائيل وفلسطين. من يعتقد أن الحل الكونفيدرالي سيمكن من تسوية الخلاف بخصوص السيطرة على يهودا والسامرة وقطاع غزة – لا سيما القدس – ببساطة هو لا يعيش في الواقع. ليس بالامكان تخيل وضع يوافق فيه الفلسطينيون على أن المستوطنات وشرقي القدس ستكون جزء من المكون الاسرائيلي للكونفيدرالية، أي أن تكون خاضعة للقانون الاسرائيلي وسيطرة الجيش الاسرائيلي. في المقابل، من الواضح أن حكومة اسرائيلية لن تنقل الى سيطرة الفلسطينيين مئات آلاف المواطنين الاسرائيليين الذين يعيشون في مناطق الضفة أو في شرقي القدس. ولن توافق على خدمتهم في الجيش الفلسطيني وفي الجيش الاسرائيلي ايضا. خيالي تماما التفكير بأنه في اطار كونفيدرالي سيوافق الفلسطينيون على أن يبقى الحرم تحت السيادة الاسرائيلية أو أن اسرائيل ستوافق على نقله لسيادة الفلسطينيين. من يؤيد الكونفيدرالية لا يمكنه التملص من القول أين ستمر الحدود بين الوحدتين لأنه في الكونفيدرالية السيادة – أي السيطرة – تبقى في ايدي الوحدات المكونة لها، لذلك لا يمكن التهرب من ترسيم الحدود.

ثانيا، الكونفيدرالية تعني أن فلسطين، تماما مثل اسرائيل، ستكون عضو كامل العضوية في الامم المتحدة وفي كل المؤسسات الدولية، وكما هو مفهوم سيكون لها سفارات في ارجاء العالم، هل هذا ما يريده اليمين الذي يؤيد الكونفيدرالية.

ثالثا، هل في اطار الكونفيدرالية كل فلسطيني يعيش في الكيان الفلسطيني يمكنه الحركة بحرية في كل المناطق الاسرائيلية والعيش فيها ايضا، مثلا في تل ابيب. وكل اسرائيلي يمكنه العيش في كل اراضي فلسطين، مثلا في نابلس؟ اذا أضيف الى ذلك قانون العودة الاسرائيلي، الذي سيسري بالطبع في الجزء الاسرائيلي، وقانون العودة الفلسطيني الذي يفترض أن يسري في الجزء الفلسطيني، فان من الواضح أن حركة حرة بين وحدتي الكونفيدرالية يمكنها أن تخلق تحديات غير بسيطة، سواء في الجانب الاسرائيلي أو في الجانب الفلسطيني. من الواضح أن "اراضي دولة في الجزء الفلسطيني ستكون تحت سيطرة المكون الفلسطيني للكونفيدرالية.

رابعا، في اطار كونفيدرالي، لكل واحد من مكونات الكونفيدرالية سيكون جيش خاص به. هل هذا ستكون اسرائيل مستعدة له؟ ليس بالامكان أن يكون لأحد مكونات الكونفيدرالية جيش في حين لا يكون للمكون الثاني جيش، أو أن تكون اراضيه منزوعة السلاح.

خامسا، يصعب توقع استقرار اقتصادي في الكونفيدرالية ازاء الفجوات الكبيرة القائمة الآن بين مكوناتها في مستوى المعيشة، الانتاج الاقتصادي والنمو الاقتصادي. وبدل ذلك فان الفصل بين الاقتصادين، في وضع لا يكون فيه حرية لكل شخص بالعمل أينما يريد – سيفرغ الهيكل الكونفيدرالية من كل مضمون حقيقي.

سادسا، من الواضح أن المكون الفلسطيني لن يكون كيان ديمقراطي، بل ائتلاف لتنظيمات مسلحة (فتح، حماس). كيف يمكن أن تكون هناك مؤسسات مشتركة، وحتى ضعيفة (مثل برلمان مشترك)، حيث أن أحد مكونات الكونفيدرالية سيكون دولة ديمقراطية لديها انتخابات متعددة الاحزاب، والثاني سيكون شيء ما يشبه في احسن الحالات مصر وفي أسوأ الحالات سوريا؟.

إن سبب فشل كل محاولات اقامة الكونفيدراليات في العالم حتى الآن بسيط: الكونفيدرالية هي مأسسة حرب اهلية مستمرة، وهي فقط تزيد المشكلات ولا تحلها. يجب علينا أن نقول الحقيقة: هؤلاء الذين في اليمين والذين يظهرون التأييد لفكرة الكونفيدرالية، لا يقصدون حقا الكونفيدرالية التي سيكون لكل مكوناتها مكانة متساوية الى هذه الدرجة أو تلك. ما يفكرون فيه ليس كونفيدرالية حقيقية، بل شيء ما يكون في جانبه الفلسطيني يشبه البنتوستان ويشمل  استمرار سيطرة اسرائيل على المناطق الفلسطينية تحت اسم آخر. التفكير أن الفلسطينيين سيوافقون على اطار كهذا هو بالطبع وهم مطلق. ايضا في اليسار يجب أن يفهموا أنه مع كل النوايا الحسنة فان فكرة الكونفيدرالية هي فكرة عبثية. إن من يريد حل متفق عليه للنزاع لا يمكنه الهرب من الاستنتاج بأن هناك فقط طريق واحد، مهما كان طويلا ومتعرجا: دولتان لشعبين.

هذا الاستنتاج غير بسيط. وتفسيره هو أن على من يؤيدون الكونفيدرالية من اليمين التوقف عن تضليل الجمهور ومحاولة بيعه شيء يشبه الحل، الذي هو في الواقع هو تمويه للضم. من يؤيدون الفكرة في اليسار يجب القول لهم إنه يجب عليهم التوقف عن العيش في وهم أن لديهم حل سحري. فكرة الكونفيدرالية هي ذر للرماد في العيون وهرب من الواقع الصعب الذي يحتاج الى قرارات صعبة. الآن ليس هناك في حكومة اسرائيل الحالية استعداد لاتخاذ هذه القرارات الصعبة، وهناك شك كبير فيما اذا كان استعداد كهذا موجود في الجانب الفلسطيني. على كل الاحوال، الحل غير موجود في دواء المشعوذين، الذي هو ايضا خطير وعديم الفائدة.