معلومات أبوديس.. اسرائيل اليوم

الساعة 11:05 ص|16 فبراير 2018

فلسطين اليوم

بقلم: نداف شرغاي

(المضمون: فكرة أبوديس عندما طرحت في البداية كانت مختلفة تماما عن الفكرة المطروحة الآن، ويستخدمها أبو مازن في الوقت الحالي كأداة لمناكفة ترامب والتدليل على أن الفلسطينيين رفضوا اقتراحات أفضل بعدة اضعاف قدمها لهم باراك واولمرت).

مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني المتروك في ابوديس يقع على بعد 2.8 كم عن الحرم، بالضبط مثل المسافة التي تبعد فيها الكنيست الاسرائيلية عن الحرم. عندما كان أبو مازن نائبا لياسر لعرفات، كانت أبوديس مخصصة لتكون "القدس الثانية" كبديل مؤقت للتقسيم الكامل للمدينة، المقدمة للشيء الحقيقي.

أبو مازن كان مستعدا في حينه لبلع هذا الضفدع، وحتى لـ "تزيين" أبوديس بمؤسسات سلطة عديدة. ولكن الآن حيث تحاول ادارة ترامب اعادة أبوديس الى الطاولة في اطار "صفقة القرن"، فان أبو مازن يسميها باستخفاف "صفعة القرن". لقد أدرك أبو مازن ذلك في لقائه مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في كانون الاول الماضي. هناك سمع للمرة الاولى أن الرئيس الامريكي يقترح على الفلسطينيين أبوديس كعاصمة بدل القدس. هناك ايضا ولد الطلاق الذي أعطاه رئيس السلطة الفلسطينية بعد شهر من ذلك للادارة الامريكية في البيت الابيض.

حسب رأي محمود عباس الامر يتعلق باقتراح محرج، إن لم يكن مهين، بعد أن وضع رئيسا حكومة في اسرائيل، اهود باراك واهود اولمرت، على الطاولة اقتراحات لتقسيم القدس – باراك في كامب ديفيد 2000 واولمرت في 2008 – فكرة ابوديس تشبه في نظر الفلسطينيين محاولة تخليص حمل من بين أنياب ذئب. القدس كانت هناك تقريبا في أيديهم، وهناك من يريد أن يعيد العجلة الى الوراء.

حتى الآن ليس واضحا من "غرس لدى الامريكيين فكرة العودة الى خيار ابوديس". الواضح هو أن الماضي غير البعيد لابوديس كخيار بديل لعاصمة فلسطينية في القدس، وخاصة موقع ابو مازن في هذا الخيار اعطى للامريكيين على الاقل الاساس الاول للافتراض أنه تجدر محاولة العودة الى هناك.

درجة اخرى في السلم

قبل حوالي عشرين سنة كان أبو مازن شريك مع الوزير السابق يوسي بيلين في صياغة وثيقة التفاهمات المشهورة لهما. لم يكن ذلك اتفاق، فقط وثيقة غير رسمية حول المعايير للاتفاق الدائم الذي بلوراه. في قضية القدس اقترحوا زيادة مساحة المدينة، واقامة بلدية عليا وادارتها بواسطة بلديتين ثانويتين: بلدية القدس الفلسطينية وبلدية اورشليم اليهودية.

لقد خصص لابوديس مكان مركزي في اطار هذه التفاهمات. الاسرائيليون سموها "اورشليم الثانية" والفلسطينيون اعتبروها درجة اخرى في السلم، لكن عمليا بدأوا يتعاملون معها كمركز بديل للحكم، مؤقت. اقاموا فيها عدد من مؤسسات السلطة والحكم: قيادة اجهزة الامن الفلسطينية، مكاتب للحكم المحلي ومكتب محافظ القدس. ودرة التاج: مبنى المجلس التشريعي الذي يتكون من خمسة طوابق والذي يحوي قاعة كبيرة فيها 132 مقعدا (عدد اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني) ومكاتب فاخرة، لم يتم اشغالها في أي يوم، لرئيس السلطة الفلسطينية ورئيس المجلس التشريعي. لسخرية القدس، مبنى البرلمان الفلسطيني أقيم على اراضي الكيرن كييمت. ثلث مساحته كانت ضمن حدود بلدية القدس، لكن اسرائيل غضت النظر. اراضي الكيرن كييمت و450 دونم تقريبا اراضي ليهود تم شراءها من قبل سكان مئة شعاريم قبل نحو تسعين سنة، وكلها بقيت خلف جدار الفصل. الجدار قسم ابوديس الى قسمين غير متساويين وفقا لمسار الخط البلدي الذي حدد في 1967: 90 في المئة من اراضي القرية نقلت الى السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية بمكانة مناطق ب. و10 في المئة فقط بقيت في حدود اسرائيل والقدس.

ورثة الاراضي المحتملين حاولوا النضال على حقوقهم، لكنهم يئسوا سريعا. الفلسطينيون وضعوا اليد على معظم اراضي اليهود في ابوديس واقاموا عليها الكلية الاسلامية.

في الجانب الاسرائيلي من ابوديس بقي 60 دونم من تلك الصفقة. رجل الاعمال اليهودي ارفين موسكوفيتش اشترى جزء من الاراضي واسكن فيها 8 عائلات يهودية. لقد مضى اكثر من 15 سنة على عيشها في الجانب اليهودي، في منطقة غير مكتظة نسبيا بالسكان العرب. منذ سنوات وهي تنتظر عبثا الحصول على مصادقة على مخطط "كدمات تسيون" لبناء 300 وحدة سكنية على اراضي اليهود في ابوديس. المخطط موجود في اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء لمنطقة القدس، بتوجيه من المستوى السياسي وبضغط من الولايات المتحدة.

السبب الرئيسي لتجميد خطة البناء هذه هو خيار ابوديس الذي طرحته ادارة ترامب الآن من جديد. حتى قبل تفاهمات بيلين – أبو مازن، كانت ابوديس جزء من "خطة الكوريدور" التي فحصتها جهات دولية وحكومات اسرائيلية مختلفة بجدية. "الكوريدور" هدف الى خلق "ممر آمن" بسيادة فلسطينية، مثل شارع ونفق وربما حتى جسر يربط بين منطقة اريحا والحرم. ابوديس خطط لها أن تكون البوابة الشرقية ومخرج للممر الآمن الفلسطيني الى المسجد الأقصى (في احدى الصيغ المبكرة للمخطط طرحت امكانية أن السيادة على الكوريدور تكون سعودية أو اردنية).

عندما تولى اهود باراك رئاسة الحكومة 1999 طلب اعطاء الفلسطينيين ابوديس وتحويلها الى مناطق أ بسيادة فلسطينية كاملة. الحاخام عوفاديا يوسف واريئيل شارون عملا بصورة مشتركة ونجحا في احباط هذه الخطة. الاحداث لعبت لصالحهما: قبل يوم من نقل المنطقة الى الفلسطينيين تفجرت موجة عنف بشرت بحدوث الانتفاضة الثانية. ايلي يشاي اقترح على باراك تأجيل نقل المنطقة للفلسطينيين لعدة ايام، وهذا الامر المؤقت تحول الى دائم وبقيت أبوديس منطقة ب.

بعد 19 سنة، فان الاهانة الفلسطينية البارزة من محاولة اعادة طرح فكرة ابوديس، تبرز أمرين. أولا، احتمال تطبيق الفكرة في عهد أبو مازن كما يبدو معدوم. ثانيا، الفجوة بين خطة ابو مازن وبين التنازلات الكبيرة التي كان باراك واولمرت مستعدان لتقديمها في القدس، هي فجوة كبيرة. الفلسطينيون لم يستوعبوا بعد أنه في عهد ترامب ونتنياهو الصيغ تغيرت.

في العام 2000 وافقت مبدئيا حكومة باراك على خطة الرئيس كلينتون الذي اقترح نقل الاحياء العربية في القدس للفلسطينيين وابقاء السيطرة والسيادة الاسرائيلية على الاحياء اليهودية في العاصمة (ايضا على الاحياء التي اقيمت بعد حرب الايام الستة). بعد 8 سنوات من ذلك، وقبل خمسة ايام فقط من استقالة رئيس الحكومة من منصبه، عرض اهود اولمرت على رئيس السلطة أبو مازن خارطته لتقسيم القدس، ايضا هذه الخارطة مثلها مثل خطة كلينتون، تضمنت تقسيم بين الاحياء اليهودية والعربية، وادارة بأمانة للحوض المقدس وفي ضمنه البلدة القديمة بواسطة خمس دول – اسرائيل والولايات المتحدة والاردن والسعودية والدولة الفلسطينية.

اولمرت أمل أن يوافق أبو مازن على المخطط. لقد خطط لتقديمه فورا للمصادقة عليه من قبل الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ومجلس الكونغرس ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، وعندها سيتم التوقيع عليه بالاحراف الاولى في البيت الابيض.

ولكن أبو مازن رفض الخطة الاكثر سخاء التي قدمها أي رئيس اسرائيلي. الآن عندما تطرح فكرة أبوديس من جديد فان أبو مازن يستخدمها لهدفين: أداة للتصادم مع الولايات المتحدة في اطار المواجهة مع ترامب بعد اعلان القدس، وكنوع من مسطرة الوقت هدف الى التدليل على كم هم الفلسطينيون بعيدون اليوم عن هذه الفكرة، بعد رفضهم اقتراحات اكثر بعدة مرات قدمها باراك واولمرت.

كلمات دلالية