مفهوم الامن -يديعوت

الساعة 01:26 م|14 فبراير 2018

فلسطين اليوم

لا يوجد أمن 100 في المئة

بقلم: افيعاد كلاينبرغ

 

(المضمون: لسنوات طويلة من الحرب ضد الفلسطينيين، الخصم الذي يكاد يكون بلا قوة تقريبا، جعلت مواطني اسرائيل يعتادون على أن وضع الامور الطبيعي في الصدامات العسكرية وان كل قواتنا تعود لقواعدها بسلام - المصدر).

 

الحرب الاهلية الطويلة تركت سوريا ضعيفة جدا. التهديد الاخر – داعش – تحطم من قبل الاخرين، دون أن تكون حاجة لاسرائيل أن تتدخل. كما أن الدخول الروسي الى المنطقة لم يضر اسرائيل. روسيا هي دولة ودية جدا لها قدرة على فرض النظام. خير أن لا حاجة لاسرائيل ان تتصدى للفوضى خلف الحدود. يوجد رب بيت ويوجد مع من يمكن الحديث. كل هذا جيد الى هذا الحد أو ذاك. النواقص هي الاخرى واضحة – الولايات المتحدة خلفت وراءها ارضا محروقة. والى داخل الفراغ اجتذبت روسيا (خير نسبيا) وايران وحزب الله (شر). نهاية العالم؟ تماما لا. حزب الله، كما يجدر بالذكر، هو منظمة عسكرية غير كبيرة ليس لها سلاح جو ولا مدرعات. ايران وان كانت قوة عظمى عسكرية اقليمية، ولكنها ليست معفية من المشاكل الداخلية، ليست متحمسة لان تسفك دمها، وبالاساس ليس لها أي رغبة في النزاع مع الروس. يمكن للحال أن يكون أكثر شرا بكثير.

 

لم يكن في نيتي الدخول هنا الى تحليل مفصل للجبهة الشمالية. فالتحليلات سمعناها في الايام الاخيرة حتى التعب. كل نيتي في السطور الاولية كانت الاشارة الى المبدأ العتيق في أنه لا يوجد خير بدون شر. والبطانية دوما اقصر مما ينبغي، وعندما نشد من اليمين نبقى بلا غطاء من اليسار. وعندما نغطي الرأس تنكشف القدمين. ولماذا كبدت نفسي عناء تكرار هذه الحقيقة، التي ليس هناك من لا يعرفها مبدئيا؟ ليس بسبب جبهة الشمال، حيث الوضع جدي ولكنه ليس مقلقا، بل بسبب مفهوم الامن – ليس الرسمي الذي يصيغه رؤساء جهاز الامن بل غير الرسمي الذي يعبر عنه في الخطاب الجماهيري.

 

ان مفهوم الامن غير المكتوب هذا وجد تعبيره في رد الفعل على الاحداث الاخيرة في الشمال – الهجمات الاسرائيلية خلف الحدود واسقاط طائرة الـ اف 16 الاسرائيلية. في الخطاب الاعلامي الذي ثار بزبد زائد فور اسقاط الطائرة، طرح أمران: الاول، الفرضية الكامنة في أن الحرية المطلقة التي اخذتها اسرائيل لنفسها في سماء الشمال هي حق آبائها واجدادها وحق أساس لها. لدولة اسرائيل الحق في اجتياز خطوط الحدود والعمل في مناطق جيرانها في الشمال وكأنها لها. كل محاولة للمس بهذا الحق الاساس (مثلا باسم السيادة السورية أو اللبنانية) هو ليس فقط مشكلة تكتيكية بل ظلم أخلاقي. لا أتناول في هذه اللحظة مسألة لماذا نحن نتجاوز خطوط الحدود، بل فقط مجرد الفرضية في أن هذه الخطوة هي أمر مسلم به. الموضوع الثاني هو رد الفعل الهستيري على اسقاط طائرتنا. فالفرضية الاسرائيلية هي أن المصابين يقعون دوما فقط في الطرف الاخر. لسنوات طويلة من الحرب ضد الفلسطينيين، الخصم الذي يكاد يكون بلا قوة تقريبا، جعلت مواطني اسرائيل يعتادون على أن وضع الامور الطبيعي في الصدامات العسكرية وان كل قواتنا تعود لقواعدها بسلام. اما في الواقع فيوجد احيانا مصابون في طرفنا ايضا، ولكن هذه الحقيقة – جزء لا يتجزأ من كل مواجهة عسكرية – هي عندنا مثابة تغيير لانظمة العالم الذي يفترض تشكيل لجنة تحقيق واعلان عن انهيار الامن القومي لاسرائيل.

 

اسمحوا لي أن أتناول باختصار هاتين الفرضيتين. 1. الوضع الذي لا تكون فيه للطرف الاخر قدرة على الرد (100 في المئة أمن) هو شاذ. في الوضع "الطبيعي" تكون للخصوم قدرة للمسك بك، بل وحتى مسا شديدا. لكل دول المنطقة توجد قدرة على مس شديد بمواطني اسرائيل وجنودها. للاتحاد السوفياتي كانت قدرة لان توقع الخراب على كل مدينة في الولايات المتحدة. هذا الوضع ليس رؤيا الآخرة، بل الوضع العادي بين الامم واحيانا بين الامم ومنظمات عسكرية. خطوات عسكرية – سياسية لا تتم في فراغ، فهي نتاج حسابات الربح والخسارة. والمطالبة الروسية الاعتراف بالسيادة السورية ليست خرقا لقواعد اللعب – بل اعادة لتثبيتها. ماذا نعمل في هذا الشأن؟ مسألة مركبة. أولا، نمزح. 2. لا يوجد أمن 100 في المئة، مثلما لا يوجد أمن ضد الاخفاقات. في ذروة قوة الامبراطورية البريطانية صفى مقاتلو زولو مسلحين بالرماح قوة بريطانية تعد نحو 1.500 جندي، مسلحين بافضل السلاح الناري في تلك الفترة (معركة ايسندل فانا، 1879). الخلل يقع. في الحروب يقتل الناس. بريطانيا، كما هو معروف، لم يهزمها الزولو. ما ينبغي

 

أن يقلقنا ليس سقوط طائرة – فالطائرات تسقط احيانا – بل فقدان الصواب وغياب خطة استراتيجية.