اسرائيل وايران دخلتا للمرة الاولى في مواجهة مباشرة -هآرتس

الساعة 01:05 م|11 فبراير 2018

فلسطين اليوم

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: من غير المستبعد أن الكمين الذي وجدت اسرائيل نفسها فيه هو كمين ايراني. والرد الروسي يدل على الدعم الذي تمنحه لطهران ودمشق- المصدر).

 

اسرائيل وايران توجدان الآن للمرة الاولى في مواجهة مباشرة على الاراضي السورية. هذا هو المعنى الاساسي ليوم القتال أمس في الشمال. ايضا اذا انتهت الجولة الحالية قريبا بتهدئة، فعلى المدى الأبعد سيتشكل هنا واقع استراتيجي جديد، سيكون على اسرائيل مواجهة مجموعة اشكالية من التطورات: استعداد ايراني للعمل ضدها، ثقة ذاتية متزايدة لدى نظام الاسد، وما يقلق أكثر، دعم روسي للخط المتشدد لباقي اعضاء المحور.

 

لقد سمحت سبع سنوات من الحرب الاهلية السورية لاسرائيل العمل بحرية كبيرة في سماء الشمال. عندما كان يتم تشخيص تهديد للمصالح الامنية الاسرائيلية كان سلاح الجو يعمل تقريبا دون اعاقة. حكومات نتنياهو المتعاقبة عملت على الحفاظ على الخطوط الحمراء التي حددتها (على رأسها منع تهريب سلاح متقدم لحزب الله)، ومارست في سوريا سياسة مسؤولة وعقلانية، منعت انزلاق اسرائيل بشكل مبالغ فيه الى داخل الحرب.

 

الظروف تغيرت في السنة الاخيرة. ازاء الانتصار التدريجي للنظام في القتال – الذي يتركز الآن في العمليات البرية التي يقوم بها الاسد ضد الجيوب المحدودة للمتمردين – جددت سوريا محاولاتها لاسقاط طائرات اسرائيلية اثناء الهجمات. في نفس الوقت بدأت ايران في تحقيق مصالحها الخاصة: نشر مليشيات شيعية في جنوب سوريا وممارسة الضغط على النظام لتمكينه من اقامة قاعدة جوية وبحرية. ولكن اسرائيل واصلت العمل في الشمال ضمن النمط الهجومي السابق، الى حين الوصول الى الشرك الاستراتيجي الذي وجدت نفسها فيه أمس، والذي من غير المستبعد أن يكون نتيجة لكمين متعمد نصب لها.

 

ملخص الاحداث: ايران أطلقت طائرة بدون طيار الى الاراضي الاسرائيلية، والتي اسقطت من قبل مروحية لسلاح الجو. اسرائيل هاجمت ودمرت ردا على ذلك قاعدة القيادة التي وجهت منها الطائرة بدون طيار، في القاعدة السورية قرب مدينة تدمر في جنوب الدولة. يحتمل أنه في هذا الهجوم قتل، للمرة الاولى، مقاتلون ومستشارون ايرانيون. الجيش السوري رد باطلاق اكثر من عشرين صاروخ مضاد للطائرات، أحدها كما يبدو اصاب طائرة اف 16 آي (عاصفة) اسرائيلية وأجبر طاقمها على القفز منها في سماء الجليل. اسرائيل ردا على ذلك هاجمت 12 هدف سوري وايراني في سوريا، في الهجوم الذي وصف بأنه الاكثر اتساعا منذ 1982 (لم يتم اسقاط أي طائرة بنيران المضادات منذ تلك الحرب).

 

موضوعيا، سلاح الجو وجهاز الاستخبارات سجلا عدد من النجاحات العملياتية: الطائرة بدون طيار الايرانية تم اعتراضها، رغم أنها كانت ذات اجهزة تحكم غير متطورة وتم اسقاطها في

 

مكان مناسب، مكن من السيطرة على اجزائها. وبعد ذلك سيوفر دليل على مسؤولية ايران. الموقع دمر بهجوم مركب.

 

ولكن في زمن الحروب الاعلامية الحالية، سيلقي تدمير الطائرة واصابة طاقمها بظلاله عليها، والتي سوقت في الجانب العربي كانتصار كبير وسببت الاحراج لاسرائيل. سلاح الجو سيكون عليه التحقيق معمقا في كيفية اختراق صاروخ قديم نسبيا لغلاف الدفاع الاسرائيلي، وسيتم بالتأكيد فحص اعتبارات الطاقم: هل الطائرة لم تبق في مكان مرتفع جدا ومكشوفة، من اجل متابعة اصابة الصاروخ للهدف في سوريا، في الوقت الذي تمكنت فيه الطائرات الاخرى من التشكيلة من التملص؟.

 

ايران استغلت الحادثة للاعلان بأنه منذ الآن لن تستطيع اسرائيل العمل في سوريا. الاعلان المقلق اكثر قدمته روسيا، التي استضافت في نهاية كانون الثاني رئيس الحكومة نتنياهو، عندما اعلنت أن على اسرائيل احترام السيادة السورية – وتجاهلت تماما اطلاق الطائرة الايرانية بدون طيار نحو اراضيها.

 

إن تبادل اللكمات هذا من شأنه أن يستمر الآن، ايضا لاعتبارات الكرامة الوطنية والحرج الجماهيري. في ظروف مشابهة تماما، في كانون الثاني 2015، عرف نتنياهو كيف ينهي الامر. اسرائيل اتهمت في حينه بالتعرض لحياة جنرال ايراني ونشيط في حزب الله، جهاد مغنية، إبن رئيس اركان المنظمة الذي تمت تصفيته، في هضبة الجولان. حزب الله رد بعد عشرة ايام بكمين صاروخي مضاد للدبابات قتل فيه ضابط وجندي من الجيش الاسرائيلي في هار دوف. ولكن اسرائيل قررت أن هذا يكفي وامتنعت عن رد انتقامي آخر – ومر خطر الحرب. الآن ايضا يبدو أن هناك ما يمكن القيام به في القناة السياسية – مثلا من خلال نقل تهديدات بواسطة الولايات المتحدة وروسيا، قبل مواصلة الانزلاق الخطير نحو مواجهة عسكرية.

 

شأن ايراني في الاحتكاك

 

على خلفية النقاش في اسرائيل يبرز كالعادة سؤال ما هي العلاقة بين التصعيد الامني والتحقيقات مع رئيس الحكومة. في الاسبوع القادم يتوقع طرح توصيات الشرطة بشأن تقديم نتنياهو للمحاكمة، والشبكات الاجتماعية امتلأت أمس بتوقعات المغردين، المراسلين والنشطاء السياسيين الذين قالوا إن كل هذه التوترات هي مؤامرة من انتاج مقر رئيس الحكومة، هدفت الى حرف انظار الرأي العام عن الشؤون الهامة. وكل من لا يتفق مع هذه التفسيرات يتم تصنيفه حالا

كمتعاون مع نتنياهو وعائلته، رغم أنه لم يفهم حقا من تلك التحليلات اذا كانت ايران مشاركة في المؤامرة بقرار اطلاق الطائرة بدون طيار.

 

ليس بالامكان تجاهل دور الاعتبارات السياسية والشخصية في القرارات السياسية والامنية. هذه الاعتبارات تدخلت في قرارات بيغن الحاسمة بشأن قصف المفاعل العراقي، وقرارات شارون بشأن الانفصال عن غزة، وقرارات اولمرت بشأن شن العملية البرية الفاشلة في بداية حرب لبنان الثانية، وقرارات نتنياهو نفسه عندما انجر الى العمليات الاخيرة في غزة، عمود السحاب والجرف الصامد، في ظل انتقادات داخلية.

 

ولكن مثلما سبق وطرح هنا الاتهام بأن نتنياهو، الذي في الغالب كان حذرا من الحروب مثلما يحذر النار، يقوم بتسخين الحدود بصورة متعمدة، فان هذا الاتهام يحتاج الى اثبات أكثر من الحدس. التقدير أن رئيس الاركان غادي آيزنكوت الذي هو من العقلانيين والحذرين من بين موظفي الدولة في اسرائيل، سيكون شريكا في مناورة سياسية فاسدة كهذه، يبدو مدحوض لكل من يعرفه. بالمناسبة، في النقاشات في صباح يوم السبت اتخذ الجيش خط صقوري.

 

الجيش الاسرائيلي لا يوضح في هذه المرحلة ماذا كانت الطائرة الايرانية بدون طيار تنوي أن تعمل في سماء اسرائيل. يبدو أن النية كانت انهاء مهمة والعودة، دون أن يتم كشفها. العملية الايرانية تبين أن طهران لا تكتفي بتقديم المساعدة للاسد أو ضمان ميناء على شاطيء البحر المتوسط. هي ترى في انتصار النظام فرصة لايجاد مواجهة فعلية على طول الحدود مع اسرائيل. الجيش الاسرائيلي لم يظهر في هجماته أمس حتى ولو شيء بسيط من قدراته الاستخبارية والجوية، وحتى الآن من الافضل أن لا يكون مضطرا لذلك.

 

ما يقلق بشكل خاص هو حقيقة أنه في هذه الاثناء لا تلوح في الافق شخصية "البالغ المسؤول" في المجتمع الدولي بحيث يتدخل من اجل كبح الاطراف. روسيا التي تستقبل نتنياهو في سوتشي وموسكو مرة كل بضعة اشهر، يبدو أنها تتوافق تماما مع ايران وسوريا، ايضا في عملياتهما ضد اسرائيل. في حين أن الادارة الامريكية برئاسة ترامب من شأنها أن ترى في التصعيد في الشمال فرصة كي تجبي ثمن من ايران، وبالتحديد حث اسرائيل على مواصلة تشددها. ربما أننا نوجد الآن في بداية ازمة عميقة، حتى لو لم تترجم بالضرورة الى مواجهة عسكرية في الوقت القريب.