حملة بنس الصليبية -بقلم: خالد صادق

الساعة 10:30 ص|25 يناير 2018

فلسطين اليوم

لم يخطئ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور صائب عريقات, عندما وصف خطاب نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس «بالحملة الصليبية» فقد افتقد الخطاب للدبلوماسية, وكان مليئا بالعبارات التعبوية الدينية التي تتحدث عن أساطير وخزعبلات تاريخية لصالح ما تسمى «بإسرائيل», الخطاب كان حماسيا من جانب بنس, بحيث كان يقاطعه أعضاء الكنيست بالتصفيق الحار وقوفا في كل دقيقة تقريبا, وهذه حالة جديدة على الكنيست الصهيوني الذي لا يصفق كثيرا للمتحدثين, ولكن يبدو ان الإسرائيليين يريدون ان يعربوا عن امتنانهم وتقديرهم للمواقف الأمريكية المتلاحقة والهدايا الثمينة التي تقدمها الإدارة الأمريكية ورئيسها دونالد ترامب «لإسرائيل» والتي تفوق توقعات الإسرائيليين وتصيبهم بحالة من الذهول .

 

لكن خطاب «الإنجيلي» بينس ليس كله مكاسب للإسرائيليين, لأن له تبعات على مستويات شعبية ورسمية وليس على المستوى الفلسطيني فقط, بل عربيا وإسلاميا ودوليا أيضا, لأنه يتناقض تماما مع الرؤية الدولية للحل النهائي للقضية الفلسطينية, ويضع الإدارة الأمريكية في مواجهة مع المجتمع الدولي, ويحرج الساسة العرب والمسلمين لأنه يتنكر لكل الحقوق الفلسطينية, ويعزز من لغة الخطاب الديني المتطرف, والتي ينكرها العالم على المسلمين فقط دون غيرهم, وهذا يشكل توجها جديدا للإدارة الأمريكية في خطابها السياسي الفاقد لأبسط مقومات الدبلوماسية, وهذا يتطلب قيام أمريكا و «إسرائيل» بحملة دبلوماسية في العالم, الغرض منها الحشد لصالح قرار ترامب حول القدس, وإعادة الثقة المفقودة مرة أخرى في الإدارة الأمريكية, وتحسين صورة أمريكا وإسرائيل أمام العالم, وتقبل الخطاب السياسي الأمريكي المتطور تجاه إسرائيل خاصة في منطقة الشرق الأوسط, وفرض رؤية جديدة للحل النهائي تخدم التصور الصهيوني لهذا الحل, وتفرض الرؤية الإسرائيلية الأمريكية لمسيرة التسوية بمفهوم جديد وبمنطق السلام بالقوة العسكرية الجبرية.

تبعات هذا الخطاب لنائب الرئيس الأمريكي جاءت سريعة, فالفلسطينيون أعلنوا إضرابا شاملا في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة احتجاجا على زيارة بنس, وخطابه في الكنيست, وإعلانه للبدء بإجراءات نقل السفارة الأمريكية للقدس, وزيارته لحائط البراق, وانتفض الشارع الفلسطيني وارتفعت وتيرة الانتفاضة, واحتج أعضاء الكنيست العرب على الخطاب الأمريكي العنصري بغضب وأسلوب جديد, ودعا الشارع العربي والإسلامي لتظاهرات حاشدة «الجمعة» لمواجهة السياسية الأمريكية المنحرفة والمليئة بالانحياز والتطرف والقهر, والخطاب الديني المتدني لمارك بنس, وبدأت بعض الدول العربية التي ترغب بإقامة علاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني تتراجع خطوات إلى الوراء خوفا من ردة الفعل الشعبية, كما توارى المطبعون العرب عن المشهد, وامتنعوا عن الظهور عبر وسائل الإعلام المختلفة, خوفا من حالة الغضب التي يشهدها العالم العربي والإسلامي, احتجاجا على السياسية الصهيوامريكية المتعجرفة بحق الفلسطينيين.

 

الأمور لم تنته بعد والإدارة الأمريكية المتحمسة لإسرائيل ستواصل مساعيها لتحقيق المزيد من المكاسب لصالح الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية, ويبدو ان «إسرائيل» ضمنت تماما صمتا رسميا عربيا وإسلاميا تجاه القضية الفلسطينية, ولم تعد تخشى أي خطر عربي على المستوى الرسمي, لكنها في المقابل تدرك تماما أنها ستفشل في تسويق نفسها في المنطقة العربية شعبيا, ولن يخدمها كثيرا الانحياز الأمريكي السافر لمخططاتها العدوانية, وأنها ستبقى تعاني من تصاعد المقاومة الفلسطينية لإحباط مخططاتها, وستعاني كثيرا من اختراق الشارع العربي والإسلامي الذي ينظر لإسرائيل على أنها العدو المركزي للأمة, ولن يقبل بأي حال من الأحوال ان يتعايش معها, فتجربة «كامب ديفيد» التي بدأها الرئيس المصري الراحل أنور السادات قبل نحو أربعين عاما, فشلت في تدجين الشعب المصري وتقبله لهذا الكيان المسمى «إسرائيل», بل ازدادات عزلة «إسرائيل» في المنطقة, واضطرت مرارا وتكرارا لسحب سفرائها من القاهرة وعمان نتيجة حالة التوتر الدائم والإجراءات الأمنية المشددة لحمايتهم, وشعورهم بالعزلة والكره الشديد لهم من الشعوب.

نحن على يقين ان خطاب بنس ورئيسه ترامب لن يستطيع ان يمنح «إسرائيل» القدس والضفة, ولن يوفر لها الأمن والأمان, ولن ينهي عزلتها في المنطقة, ولن يجعلها مقبولة عربيا وإسلاميا, ولن يضمن لها التعايش السلمي مع العرب والمسلمين, فهذا كله مرهون بجلاء الاحتلال الصهيوني عن كامل أرضنا الفلسطينية المغتصبة, الأيام دول وقد يأتي الوقت الذي يحاسب فيه الشعب الأمريكي رئيسه ونائبه ومساعديه على سياسته المنحازة كليا للكيان الصهيوني, وربما لا يكون ذلك بعيداً.

كلمات دلالية