بين الطيبة والقدس -يديعوت

الساعة 01:22 م|24 يناير 2018

فلسطين اليوم

مكانكم تحت البساط

بقلم: افيعاد كلاينبرغ

(المضمون: في غضون ثوان انقض رجال النظام المتشددين في الكنيست على المحتجين، مزقوا اليافطات وطردوهم بالقوة من القاعة. احد من النواب الاخرين لم يحتج على هذا الفعل الوحشي المتمثل بكم الافواه - المصدر).

 

يوم الاثنين كنت في الطيبة مع رجال الطاقم الاكاديمي والطلاب من مدرسة التاريخ في جامعة تل ابيب، والذين أترأسهم. وكانت الزيارة ضمن عصف أدمغة متواصل تقوم به المدرسة. العالم يتغير، والتحديات تتغير، وكتابة التاريخ لم تعد فقط توثيقا للماضي. فهي موقف وجودي وثقافي: كل شيء حصل ويحصل حولنا، حصل ويحصل في سياق. وبدون فهم السياقات، فان التحليل التاريي يكون هزيلا او مشوها. والسياق الذي نعمل في داخله ليس فقط لجان تحرير في صحف علمية خلف البحر: فهو هنا والان – دولة اسرائيل والمجتمع في اسرائيل.

 

المجتمع في اسرائيل لا ينتهي عند بوابات كلية العلوم الانسانية او الحدود البلدية لتل أبيب. وقد بدأنا عصف الادمغة من خارج منطقة الراحة لنا – في نتيفوت وواصلناه في الطيبة. ليست هذه جولة تعليمية. فنحن لا نعنى في البحث في بلدات المحيط الاسرائيلي. ولا يدور الحديث عن عمل ميداني انثروبولوجي. فنحن لسنا "العارفين" الذين نجلب لجمهورنا الداخلي معالم بعيدة. نحن جزء من جماعة اهلية. الجولة في شوارع المدينة، دوما مع مرشد محلي وبلا تدخل، اللقاء مع رؤساء المدن المضيفة، الاستماع لاقوالهم والحديث معهم – كل هذه تستهدف تغيير المنظور،

 

التفكير في السياق، استيعاب وجود شروط حياة اخرى، مواقف وجودية مختلفة، احتياجات واحلام مختلفة عنا. والنقاش الجاري بعد اللقاءات لا يتضمن تحليل المضيفين. فنحن ضيوف للحظة وليس لنا الادوات للتحليل استنادا الى تجربة قصيرة، مهما كانت قوية. نحن ننشغل بمشاكلنا، وليس بمشاكل الاخرين. ولكن السياق يؤثر، يغير الوعي. هذا هو الهدف.

 

أقوال رئيس بلدية الطيبة، شعاع مصاروة منصور، عنيت بالعقارات وبالتنمية المدينية؛ التعليم والتدين؛ التوتر بين منظومة القوة العشائرية المختبئة تحت الطاولة ومنظومة القوة الادارية – البلدية الموجودة فوقها؛ الاقصاء الداخلي والاغتراب بين الجماعات في داخل المدينة. ولكن فضلا عن هذه المشاكل، التي تشغل بال الكثير من رؤساء البلديات في البلاد، ثار احساس بانعدام الوسيلة للناس في بلدات المحيط مقارنة بالمركز، الذي ليس غارقا في نفسه فقط، مثلما هي مراكز القوة، بل ومعاد بقدر كبير. مركز لا ينجح في التخلص من رؤية العرب سكان اسرائيل كـ "مشكلة ديمغرافية".

 

مصاروة منصور لم يقل ذلك صراحة. فالسياسة القومية الاسرائيلية لم تطرح الا في الهوامش، ولكنها متواجدة في الف وواحد من التجسدات في الطريق الذي تتم فيها مصادرة الاراضي العربية بيد رشيقة، صد مبادرات محلية عربية، تتفتت فيها الوعود الكبرى الى توافه، وما هو مسلم به بالنسبة لليهود يكون متعذرا حين يصل الى العرب. وبالاجمال فان الامور معروفة، ولكن الالتصاق بالملموس، لم هو موجود تحت الشعارات والكلمات الكبرى، اعطى شكلا وصورة ملموسين لكلمات مثل "تمييز"، "اقصاء"، "تفرقة"، "ابقاء مقصود في الخلف".

 

ومثل عرض الغاية الرسمية لهذه الامور، جاءت الاحداث في الكنيست في ذات الساعات تماما. فقد وصل نائب الرئيس بينيس لزيارة البرلمان والقى كلمة فيه. وسعى النواب من القائمة المشتركة للاحتجاج: فقد رفعوا يافطات كتب عليها "القدس هي عاصمة فلسطين". تعالوا نتوقف للحظة ونتساءل: النواب سعوا للاعراب عن موقف معارض. مشروع؟ ظاهرا، نعم. من اجل هذا هم نواب. النص الذي من خلاله عبروا عن احتجاجهم لم يتجاوز أي خط أحمر. فهم لم ينادوا بتصفية دولة اسرائيل أو خرق قانون من قوانينها. الموقف في ان تكون القدس أو ينبغي لها ان تكون عاصمة فلسطين هو موقف مواطنين كثيرين، يهود وغير يهود.

 

حتى هنا معقول. والان اضيفوا للسجل حقيقة أن محتجين ينتمون الى القائمة العربية (لماذا ألم اقل؟). في غضون ثوان انقض رجال النظام المتشددين في الكنيست على المحتجين، مزقوا اليافطات وطردوهم بالقوة من القاعة. احد من النواب الاخرين لم يحتج على هذا الفعل الوحشي المتمثل بكم الافواه. احد لم يخرج من القاعة، واجاد بينيس في اجمال الموقف إذ قال: "اقف بتواضع وخشوع اليوم امام هذه الديمقراطية الفاعلة". لا شك، حتى ادارة ترامب لديها ما تتعلمه منا في مواضيع كم الافواه. اما استنتاجاتي كمؤرخ؟ احيانا لا تكون حاجة حتى لانتظار فتح الارشيفات. يكفي ان نفتح العيون.

كلمات دلالية