المصالحة فشلت والمريض استفاق.. معاريف

الساعة 12:38 م|12 يناير 2018

بقلم

(المضمون: دمج حماس في م.ت.ف قد يكون استمرار لاثر ترامب على الفلسطينيين. كيف ساعد كاتبان مصريان جريئان السفارة الاسرائيلية في القاهرة دون ان يتحدثا معها ولو بكلمة).

في الاشهر الاخيرة اكثرت من الكتابة عما يجري في اتصالات المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس. رئيس السلطة، ابو مازن، يرفض التنازل لحماس وتلقي المسؤولية المدنية الكاملة عن القطاع. القطاع هو مقاطعة معدة للشغب، والرئيس يخاف من حرب توقع مصيبة على التسوية مع حماس. بل ويخاف ان يصفى زعيم القطاع، يحيى السنوار على ايدي الجيش الاسرائيلي، فتنهار وعوده بالولاء تجاه السلطة. كما أن ابو مازن ايضا لا يريد أن يشعر بانه إمعة. ان يضخ لهم الملايين وفي هذه الاثناء يواصلون بناء الانفاق والتسلح بالسلاح.

ولكن فشل المصالحة ليس بالضرورة فشل الاتصالات. ففي هذه المساعي وضع المعسكران اساسات وتفاهمات لليوم التالي لابو مازن. هذا الاسبوع اعلن الناطقون بلسان حماس بانهم مستعدون للرقابة الكاملة من السلطة على السلاح الذي في ايديهم. وكان لهم شرط:دمج حركة حماس في م.ت.ف. هذه الفكرة، التي تبدو بعيدة الاثر، تتعزز في الخطاب السياسي الفلسطيني، وجيدة فرصها للتحقق في المستقبل. اذا دخلت الى م.ت.ف، لن تتوقف حماس هناك، وقادتها سيسعون الى قيادة السلطة.

تصريح ترامب عن القدس وسع الشرخ في علاقات السلطة والقدس. في مكتب ابو مازن فهموا حتى قبل ذلك بان اسرائيل بقيادة نتنياهو لن تستأنف المحادثات، وبالتوازي شهدوا كيف يضعف الدور الامريكي في المنطقة. ووجدت السلطة نفسها وحيدة. كثيرون في صفوفها يعتقدون بان تعزيز الاتصال مع الاخوان في القطاع كفيل بان يشكل تعويضا مناسبا للجمهور، حتى وان كان الرئيس يتحفظ منه. وتوفر الحل الوسط: بعد غد سينعقد في رام الله المجلس المركزي للمنظمة والذي هو عمليا الحكومة في م.ت.ف . ولاول مرة منذ اقيمت حركة حماس قبل 30 سنة، يدعى ممثلوها للمشاركة. من السابق لاوانه اجمال محادثات المصالحة، ولكن يمكن القول منذ الان ان الجهد فشل ولكن المريض استفاق.

العصر ما بعد الطبيعي

اتخذ الكاتب المصري د. يوسف زيدان لنفسه عادة في السنوات الاخيرة. فهو يجلس في استديو التلفزيون، بكل هيبة ووقار، ويقلل بمنهاجية من الاهمية التاريخية للقدس للمسلمين. قبل نحو ثلاثة اسابيع، في مقابلة مع قناة تلفزيونية مصرية، اعلن الكاتب والفيلسوف من الاسكندرية بان المسجد المقدس في القدس ليس المسجد الاقصى المذكور في القرآن. وبعد ذلك اضاف بان القدس هي مدينة الاديان الثلاثة، واحد لا يمكنه أن يعزوها لنفسه.

بعد يومين من ذلك، رفع بوست في صفحة الفيسبوك لسفارة اسرائيل في القاهرة. هذه صفحة نشطة جدا، تتمتع بـ 190 الف متابع، وتدار باللغة العربية. "أسرنا أن نسمع أول أمس اقوال الكاتب والمؤرخ يوسف زيدان"، كتب هناك. ظاهرا هذا بوست بريء، غير ان اقوال زيدان في تلك المقابلة، تدحرجة لتصبح عاصفة سياسية كبرى. وافاد صحافيون مصريون بنبرة متهكمة بان اسرائيل شكرت زيدان على أقواله الباعثة على الخلاف. آخرون كرروا الاتهام لان تصريحاته هي جزء من حملة للفوز بجائزة نوبل. زيدان هو كاتب روايات ناجحة، احداها ترجمت الى العبرية "الجحيم" وحظيت بالنجاح. اما زيدان فليس فقط لم يذعر من رد فعل الجمهور، بل أسره نشر السفارة الاسرائيلية اقواله في صفحتها على الفيسبوك.

هذا الاسبوع تكرر الامر بصيغة اخرى. في هذه الايام تصدر في اسرائيل الترجمة الى العبرية لرواية "نادي السيارات المصري" للكاتب المصري علاء الاسواني. والاسواني هو كاتب الرواية ذائعة الصيت "عمارة يعقوبيان"، التي ترجمت جدا في العالم منذ صدرت في 2003. وفي "نادي السيارات المصرية" كرر الاسواني موضوعه المحبب. انشغال عميق في مفاسد المجتمع المصري. في بوست بالعربية نشرته سفارة اسرائيل في القاهرة يوم الاثنين من هذا الاسبوع، بشر المتصفحون باصدار الكتاب في اسرائيل ايضا. وعندها كتب: "الرواية تعنى بمسائل تتعلق بكل انسان، مثل الكرامة، الحرية والعدالة".

في الحالتين كانت البوستات تتناول مسائل شائعة في الخطاب المصري. الاولى هي مكانة القدس الدينية، والثانية هي الاسواني نفسه. اما اسرائيل الرسمية فجعلت نفسها لاعبا في الخلاف الذي ابطاله هما اثنان آخران. الاسواني هو منتقد حاد للحكم. وهو يكثر من انتقاده، والادعاء بانه يحرم المواطن المصري حريته وحقوقه. هو ليس رجل الاخوان المسلمين بل رجل اليسار وليس ممثلا لمصالح اجنبية. يهاجم، يصيغ نفسه بطلاقة، معروف جيدا بالعالم الواسع، وباسلوبه وبمزاياه يشكل معارضة من رجل واحد. وبالمقابل، يعبر زيدان بكتاباته، على نحو مبطن عن انتقاد شديد للاخوان المسلمين، ويبدي عطفا على اليهود. صحيح انه يغيظ العرب، ولكنه محبوب من النظام.

الى هذا المعمعان، مثلما في حالة زيدان، تدخل اسرائيل. وليس مجرد حكومة اسرائيل، بل ممثليتها الرسمية في القاهرة. وما كان لمسؤولي صفحة الفيسبوك في الصدارة ان يجتهدوا كثيرا. في حالة الخلاف حول القدس، منحوا زيدان عناقا واظهروا للجمهور بانه حبيبهم. في حالة الاسواني مجدوا القيم التي يروج لها في ابداعاته.

تصوروا صورة مرآة: مثقف اسرائيلي يدعي بان للمسلمين حقوقا أساس في جبل البيت، والسفير المصري في اسرائيل يمتدحه علنا. مثقف آخر ينشر رواية انتقادية عن المجتمع الاسرائيلي، والسفير المصري يعلن عن صدورها، ويوصي بقراءتها. وبالفعل، لا حاجة للذهاب بعيدا. في سلسلة خطابات القاها السفير المصري في اسرائيل، حازم خيرت، وكذا في مقابلة منحها للموقع أدناه في صوت الجيش في اطار مناسبة الاربعين سنة على زيارة السادات الى القدس، دعا الجمهور الاسرائيلي للضغط على حكومته للتقدم في مسيرة السلام. فما هو هذا إن لم يكن توجها للشارع الاسرائيلي من فوق رأس قيادته، غير المعنية حاليا باستئناف القناة الفلسطينية؟

هل يوجد في البوستين اللذين نشرتهما السفارة نوعا من الوقاحة الاسرائيلية؟ بقدر ما نعم. هل هي شرعية؟ احكموا بأنفسكم: القواعد قررها المصريون عندما تدخلوا في مسائل امنية وسياسية تقسم المجتمع الاسرائيلي. هل هذا تعبير عن التطبيع؟ بالتأكيد. اتصال مباشر بين وزارة الخارجية الاسرائيلية والمتصفحين المصريين. هل يوجد هنا تغيير؟ واضح. هذه مبادرة اسرائيلية تنال الزخم.

درجت القدس على أن تسير على البيض في اتصالاتها العملية مع مصر. وها هي امامنا قناة نشطة من الاتصال بينها وبين الجمهور المصري، من فوق رأس القيادة في القاهرة. هذه ثمرة التكنولوجيا، وهي نتيجة الشبكات الاجتماعية التي انتزعت من الرقابة على أنواعها الكثير من صلاحياتها. لا يسعني ان اقول اذا كنا نشهد ولادة تنظيم سري عبري جديد يسعى الى امتطاء التكنولوجيا الحديثة كي يخترق المقاطعة المصرية على التطبيع أم مجرد مبادرة بريئة من الموظفين. الساحة المصرية ليست معتادة على تدخل اسرائيلي في شؤونها، وبالتأكيد ليس في القطاعات التي تخضع لتحكم السلطات، مثل حرية التعبير. مشوق أن نتابع لنرى اذا كان سيكون هناك تواصل لهذا. ليس فقط للمبادرة الاسرائيلية بل وايضا للتسامح المصري. والى أن يحصل شيء ما سنتوجه لقراءة الجديد مما كتبه الاسواني.

كلمات دلالية