أبونا ملكنا.. يديعوت

الساعة 12:36 م|12 يناير 2018

بقلم

(المضمون: قضية السائق والمرافق والسيارة الخاصة لابن نتنياهو هي مجرد فتات صغيرة على كعكة الفساد الكبيرة التي تتشكل في حكومة وائتلاف نتنياهو -المصدر).

في منتصف آذار 2003 وصلت الى لندن والتوقيت كان دراماتيكيا: حكومة بريطانيا قررت الانضمام الى الاجتياح العسكري الامريكي الى عراق صدام حسين. مئات الالاف تظاهروا في شوارع لندن ضد الحرب. رئيس الوزراء طوني بلير استند الى الحلف الذي عقده مع الرئيس جورج بوش. ولمساعدة بلير سياسيا، تعهد بوش بان ينطلق، بالتوازي مع غزو العراق، لمبادرة سلام جديدة بين اسرائيل والفلسطينيين. وعلى هذه الخلفية دعتني الحكومة البريطانية الى سلسلة من اللقاءات في داوننغ 10 وفي وزارة الخارجية. كنت ضيفا رسميا.

بريطانيا هي دولة مرتبة. والضيوف الرسميون ملزمون بالبروتوكول، ولهذا فقد عين لي مرافق، ضابط متقاعد في الجيش الاستعماري البريطاني، عجوز قروي حبوب، رافقني الى كل مكان. في احدى الامسيات ذهبنا الى المسرح، لمشاهدة "الملك لير". وكان المسرح جزءا من البروتوكول. وبعد معركة واحدة قلت لمرافقي، اطلب العذر، مع كل اعجابي بشكسبير، انا ملزم بان اكتب هذه الليلة 2.000 كلمة عن خطة الحرب. الدفتر ينتظرني. وكذا الصحيفة. وأنا ملزم بالذهاب. فقال المرافق: "يا للخسارة اردت جدا ان ارى المسرحية حتى النهاية". ما المشكلة، عجبت. ابقى في المسرح. أنا سأعود الى الفندق وحدي. وانا أعرف الطريق.

فقال: "هذا متعذر. انا ملزم بمرافقتك حتى مدخل الفندق".

لماذا حتى مدخل الفندق، سألت.

فنكس عينيه وقال: "انظر، عندي الكثير من الضيوف من المستعمرات السابقة. ما يريدونه هو فتيات الهوى. عندما يطرحون الامر نبعث بهم الى دوربن. هو يرتب الامر ونحن لا نتدخل في ذلك. ولهذا فنحن نودعهم في مدخل الفندق.

يا لهم من اذكياء هؤلاء الانجليز. تذكرت ذاك الحديث حين سمعت الشريط الذي جلبه غي بيلغ من ليلة الترفيه ليئير نتنياهو ورفاقه. نتنياهو هو رجل ابن 26 ونصف ولا يعمل. وهو ليس مثيرا للاهتمام على نحو خاص، لا في ارائه، لا في عادات شربه، لا في سلوكه، لا في الاماكن التي يختار التنفيس فيها. شباب مثله ومثل رفاقه يصبحون خبرا ليس بفضل أنفسهم بل بفضل ابائهم. مكانه في صفحات الثرثرة. سبب واحد فقط يجعل الشريط قصة صحفية جديرة بل وهامة: دور الدولة.

لا تكمن المشكلة في الابن أو في الاب. فهي أوسع بكثير- هي تتعلق بسلسلة من المؤسسات، الوزراء، الشخصيات العامة والموظفين الذين سمحوا لمثل هذه الظواهر بان تحصل ويتركونها تحصل اليوم ايضا. مشكلة الفساد في اسرائيل لا تبدأ في عائلة نتنياهو: فهي تبدأ في الحفرة. هناك، في الحفرة السوداء التي تنشأ في قلب الديمقراطية الاسرائيلية، يبدأ التحلل.

مسألة الحراسة، مثلا. حراسة الشخصيات هي موضوع مشحون. الجانب الامني هو عنصر واحد فيها: ليس اقل اهمية هي المكانة الاجتماعية التي يمنحها الحارس وغلاف الدلال الذي يأتي معه. فالحارس لا يبحث عن موقف للسيارة، لا يقف في الطابور في رقابة الحدود او في قاعة العروض، لا يجر حقيبة، لا يفتح باب سيارة، كل شيء يتم بكلمته. عندما كانت النائب غولدا مائير توشك على ان تنتخب رئيسة للوزراء في 1969، بعثت المخابرات لها بحراس الى بيتها. الجيران في المنزل الذي تسكنه عائلتان في رمات أفيف فوجئوا في ضوء الصورة التالية: رئيسة الوزراء المرشحة، امرأة ابنة 71، تحمل كيس القمامة الى الخارج، بينما حارسان شابان يحرصان على حراستها في الطريق الى الحاوية. تعاظمنا منذئذ.

رؤساء المخابرات يعيشون كل الوقت ضغوطا من شخصيات عطاشى للحراسة. ولتحريرهم من الضغط، نقل الحسم الى اللجنة الوزراية لشؤون الاستخبارات والى لجنة عامة معينة. المخابرات توصي، واللجنة تقرر. وموضوع ابناء عائلة نتنياهو طرح على البحث في اثناء ولاية حكومة نتنياهو الثانية، الابن يئير كان يوشك على التجند للجيش وبعد ذلك وضع في الوحدة العسكرية التي تطلع اليها – وحدة الناطق بلسان الجيش، قيادة المنطقة الوسطى. واعتقد رئيس المخابرات يورام كوهين بان لا حاجة لارفاق حراسة له. الاب والام القلقان اعتقدا خلاف ذلك. اللجنة الوزارية، برئاسة وزير شؤون الاستخبارات دان مريدور، حولت الحسم الى لجنة عامة برئاسة المحامي يوسي تشخنوفر.

تشخنوفر، هو رجل طيب، ايجابي، فعل على مدى السنين امورا هامة جدا، علنية وسرية، في خدمة دولة اسرائيل. خدم بتفان رؤساء وزراء، ووزراء دفاع من اليمين ومن اليسار. له نقيصة واحدة فقط. لا يعرف ان يقول لا. ليس بسيطا قول لا لرئيس الوزراء. سمعت هذه الجملة على لسان كثيرين وطيبين، خدموا تحت عدد من رؤساء الوزراء. حاولت أن افهم لماذا يتخذ اناس راشدون، واثقون بانفسهم، مستقلون بارائهم، قرارات تتعارض وارادتهم، قيمهم وعقلهم السليم. افهم، كان الجواب، على اكتاف رئيس الوزراء جبل من القرارات، بينها قرارات حياة وموت. كل الدولة تجلس له على الرأس. وفجأة تبشر انه يحتاجك. تشعر انه اعطيت لك فرصة للتخفيف عنه، بالسماح له بالتركيز على الشؤون الهامة حقا. ما الذي يطلبه بالاجمال، تقوله لنفسك: ان يهديء روع زوجته غير الهادئة على نحو ظاهر؟ ان يطفىء مشاعر الذنب لديه تجاه ابنائه؟ هل هذا فظيع جدا؟ بين كل البنود الزائدة في ميزانية الدولة فهذا بند واحد صغير، وحتى بالمستقبل تفكر. اذا استجبت له اليوم، فلعله يستمع لك في يوم الامر. قرار اليوم هو ضريبة مبررة تدفعها من أجل الوطن.

تشخنوفر قال نعم.

سيارة لكل نفر

مسالة حراسة نتنياهو الابن التقيتها لاول مرة في الخليل. على طول حائط مغارة الماكفيلا سارت حظيرة جنود. لم يكن يحملون السلاح، ولكن خلفهم سار مواطن مسلح. الجنود كانوا أنفار من البنين والبنات من الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي. اما المواطن فكان الحارس الشخصي للنفر يئير نتنياهو. رأيت في الخليل جملة من الصور الغريبة على مدى 50 سنة وجودنا هناك. وانضمت هذه الى القائمة.

توفر الدولة ليئير نتنياهو سيارة مرافقة، سائق مرافق وحارس مرافق، كله بالاذن وبالصلاحية. ليس لوزراء الحكومة اليوم حارس شخصي، لايهود باراك ولايهود اولمرت لا يوجد حراس. للابنة البكر لرئيس الوزراء لم يكن ولا يوجد اي حارس، اما ليئير نتنياهو فيوجد. لنفترض للحظة، فقط لغرض المحاججة، انه مهدد أكثر من رئيسي وزراء سابقين ومن معظم وزراء الحكومة. لنفترض أنه يعرف اسرار دولة أكثر منه. فلماذا سيارة؟ لماذا فجأة سائق؟ لماذا يتعين على الدولة ان تسفره وتسفر رفاقه من نادي تعر الى نادي تعر آخر؟ فليأخذوا سيارة عمومية أو يسيروا على الاقدام أو يكتفوا بوفرة الكحول التي تصل الى البيت.

فكروا في الدولة، التي تقاتل حتى الابادة ضد الاعمال في القطار في السبت، اعمال تسمح لمئات الاف الاسرائيليين بالوصول في الوقت المناسب الى عملهم يوم الاحد، ولكنها تمول عمل سائق (مئات في المئة علاوة على ساعات اضافية في السبت) ينقل ثلاثة سكارى من متعرية الى متعرية. أهذا منطقي؟ اين المراقب، المستشار القانوني، كبير المخابرات، الشخصية العامة الذي يقول لرئيس الوزراء حتى هنا. ابنك يمكنه أن يفعل ما يريد مع من يريد. ولكن الدولة ليست في هذا.

المسلسل التلفزيوني "التاج" الذي يبث في نتفلكس، يروي قصة حيات اليزابيت الثانية، ملكة بريطانيا. الابطال الفرعيون هم موظفو القصر. يأتون الى الملكة باحترام ويشرحون لها بلباقة وبأدب بارد لماذا لا يمكنها ان تفعل ما تفعله، لا هي ولا ابناء عائلتها. هذا هو طريقهم لتعليمها قيود القوة. الملكة تتعذب قليلا، واخيرا تقبل القضاء. يا لهم من اذكياء هؤلاء الانجليز.

الصندوق سيأتي اليوم

ارون ميلتشن، جيمس باكر وآخرون مثلهم يجدون أنفسهم في الشرك نفسه. من الصعب قول لا لرئيس الوزراء. من الصعب قول له لا حتى عندما يصبح تلقي الهدايا عادة، ادمان، قائمة مطالب لا تنتهي. في البداية يكون هذا لطيفا، بعد ذلك يكون أقل لطفا. انت تقول لا، وعندها يهاتف رئيس الوزراء هو شخصيا. في البداية يتحدث عن عمله، عن حملة عسكرية غامضة شغلته في الليل، هذا فقط بيننا، لا تروي حتى للاصدقاء، وعن الوزراء الاغبياء الذين يخربون كل الوقت – قصة حميمة، مع غمزة في الوسط ونهفة مضحكة في النهاية، وعندها يسأل بصوت حار، وكأن هذه تأتي بالمصادفة، ما رووه لي، في أنه كان سوء فهم ما، هناك شيء ليس على ما يرام؟ وانت تضطر للقول، ما الدعوة، كل شيء بهيج، ممتع، والصندوق سيأتي اليوم. وعندها يبدو قد تعب وقصير الروح لانهاء المكالمة، فتنهيها وتشتم نفسك.

المعركة على ملفات التحقيق المتعلقة بنتنياهو تجري في هذه اللحظة ليس بين نتنياهو ومحققيه بل بين الشرطة والنيابة العامة. ظاهرا، هذا اجراء متوقع، مفهوم، جزء من الطريقة السائدة، المتبعة. دور الشرطة هي بناء الملف، دور النيابة العامة اعادة مراجعته، طرح الاسئلة، ارسال الشرطة الى استكمال التحقيق. الشرطة تريد نشر توصياتها وتنتقل الى امور اخرى، اما النيابة العامة فتريد ملفا كاملا، واثقا، يتفجر أدلة. محظور عليها أن تفشل في مثل هذا الملف. اما الجدول الزمني للشرطة فقصير، فيما أن الجدول الزمني للنيابة العامة فطويل. ولكن يحتمل هذه المرة أن يكون الامر مختلفا. فالتحقيق ادارته، عمليا، ليئات بن آري، النائبة العامة للواء تل ابيب. المستشار القانوني للحكومة والنائب العام للدولة رافقا كل مرحلة عن كثب. الاسئلة سئلت والاستكمالات تمت. ولا غرو أنه في الشرطة شكوا في أن احدا ما في النيابة العامة ارتعدت فرائصه. والاسوأ من ذلك، ان لرئيس الوزراء يوجد من يتوسط له في النيابة العامة، يخرب على التحقيق ويتدخل في تفاصيله.

نظريات مؤامرة مشبوهة في نظري. مكانها في قصص الخيال وليس في الحياة الحقيقية.

عودة الى التحقيق الحالي. فهو يجري في اجواء صعبة. نحن نعرف تفاصيل كثيرة عن التحقيق في ملف 1000. ولكن لا نعرف الكثير عن الملفات الاخرى. يكثر الحديث عن ان المستشار القانوني للحكومة منع محققي قضية بيزك من استدعاء نتنياهو، وزير الاتصالات في تلك الفترة للشهادة. شهادات نتنياهو في كل الملفات معدة للبروتوكول. المحققون لا يستفيدون منها في شيء. ولكن رغم ذلك لا يمكن لملف بيزك أن يكون بدون نتنياهو. وليس عندما يكون مالك الشركة هو صديقه الشخصي، ومديره العام هو مقربه، والامتيازات الكبيرة اعطيت ولا توجد معلومات عن مال انتقل من الشركة الى المدير العام.

يجري التحقيق في فترة اختبار للقيم والتقاليد الديمقراطية. فالائتلاف الحالي مليء بالتطلعات القومية، الدينية، المناهضة للديمقراطية والليبرالية. وزيرة العدل هي مقاولة تنفيذ، تتصدر القطيع. اما حماة الحمى فيبعدون عن الصورة لانهم افضل النخبة. المستوطنون، المتدينون والاصوليون هم الاقليات الحاكمة.

لم يكن شيء كهذا في الحكومات السابقة، حتى في تلك التي ترأسها نتنياهو. اثنان من مشاريع القوانين التي عمل عليها رئيس الائتلاف السابق، عشية التحقيق في الفساد في قضيته كانا لعرقلة التحقيق. وقد اوقفا بضغط من الرأي العام. ولكن لا يقل اقلاقا من هذا تأثير تحقيقات نتنياهو على مشاريع القوانين الاخرى التي يطرحها الائتلاف. والمقصود هو تسويغ الفساد. كل شيء مسوغ: التعيينات السياسية، الاموال الائتلافية، الانتخابات الحزبية الداخلية على حساب الدولة، جمعيات سياسية على حساب الدولة، قنوات اعلامية مؤيدة للحكم، اصحاب رؤوس اموال، طفيليات.

ئير نتنياهو هو فتات صغيرة على الكعكة.

كلمات دلالية