خبر ما العمل بعد قرار ترامب‎؟ بقلم/ هاني المصري

الساعة 10:18 ص|20 ديسمبر 2017

فلسطين اليوم

مضى أسبوعان اثنان على الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، والحوار الفلسطيني الفلسطيني يدور حول ما هي السياسات والخطوات المفترض اتخاذها ردًا على ذلك؟

هناك من يطالب بإلغاء اتفاق أوسلو، وحل السلطة، والتخلي عن خيار ما يسمى « حل الدولتين »، وتبني خيار تحرير فلسطين أو الدولة الواحدة، وتفجير مقاومة بجميع أشكال النضال وانتفاضة مفتوحة ضد الاحتلال لا تتوقف إلا بتحقيق الأهداف الوطنية.

ومن أصحاب هذا الاتجاه من يطالب بالانضمام إلى « محور المقاومة والممانعة » الذي يضم إيران وسوريا والعراق وحزب الله، وقطع العلاقات والاتصالات مع الولايات المتحدة، ومقاطعة بضائعها وشركاتها، ومنهم من يعتبر هذا المحور بأنّه لا يقل خطرًا عن إسرائيل، ويطالب بالرهان على الشعوب العربية، وباعتماد سياسة النأي عن المحاور في أضعف الإيمان.

وهناك من يطالب بألا يعود الرئيس من الخارج إلا بعد تراجع الإدارة الأميركية عن قرارها، وأن يذهب إلى غزة، ويقيم فيها، ويعقد الاجتماعات الفلسطينية فيها، بدءًا من اجتماع الإطار المؤقت للمنظمة، وانتهاء بعقد المجلس الوطني التوحيدي.

في المقابل، هناك من يرى أن ما جرى من هبة شعبية ورسمية فلسطينية وعربية وإقليمية وإسلامية ودولية أعاد القضية الفلسطينية إلى الصدارة، وعزل الإدارة الأميركية، ويمكن أن يؤدي إلى كسر القرار الترامبي، وإفشال « صفقة القرن » قبل أن ترى النور.

ويعتبر أنصار هذا الرأي أن القضية الفلسطينية قضية جامعة ومقتلها الانحياز إلى محور، خصوصًا إلى المحور الإيراني، وإذا كان لا بد من الانحياز فليكن إلى المحور المعتدل، لأنه القوي بسبب دعم معظم القوى المؤثرة على القرار الدولي له.

ويرى هؤلاء أن ما حدث من غضبة عالمية ضد القرار الأميركي يدبّ الحياة في « خيار الدولتين » لا العكس، ويوضح استحالة تجاوز الشعب الفلسطيني في أي خارطة جديدة ترسم في المنطقة، وإذا لم يستطع أن يفرض قيام دولة فلسطينية فيستطيع منع مرور المخططات الأميركية الإسرائيلية لإقامة « إسرائيل الكبرى » وبلورة حلف عربي إسرائيلي أميركي ضد إيران ومحورها. ومع أن بعض أبرز أنصاره هددوا بالتخلي عن حل الدولتين وتبني حل الدولة الواحدة، لكنها ليست أكثر من محاولة لتخويف إسرائيل من خطر انفجار القنبلة الديمغرافية في وجهها إذا ما استمرت برفض إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وتخويف دول المنطقة والعالم من تداعيات ما يجري على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

وعندما يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الإدارة الأميركية أخرجت نفسها من « عملية السلام »، وأنها لم تعد وسيطًا ولا نزيهًا والمفترض البحث عن راعٍ أو رعاة جدد لها، فإنما يفعلون ذلك كردة فعل تكتيكية على القرار الأميركي على أمل التراجع عنه أو توضيحه، بما يتسع مجددًا لخيار الدولتين أو لصيغة جديدة منه. فهم يدركون عدم وجود راعٍ بديل عن الراعي الأميركي، لأن أوروبا رغم انتقادها القوي للاعتراف الأميركي لم تصل إلى تقديم نفسها بديلًا، وعارضت المطالبة بالتخلي عن الرعاية الأميركية. أما روسيا فلا تريد ذلك ولا تقدر عليه. وأما الصين فأقصى ما تطمح إليه في هذه المرحلة المشاركة في الرعاية وليس الحلول محل أميركا. فالمطلوب عملية سياسية جديدة مختلفة جوهريًا عمّا كان، وهذا بحاجة إلى تغيير الواقع الراهن وليس مجرد المطالبة فقط.

يعزز ما سبق أن الوسيط والراعي يجب أن يقبل به الطرفان، وليس طرفًا واحدًا فقط. وإسرائيل لا ترضى بديلًا ولا شريكًا لأميركا لرعاية « عملية السلام »، وحتى الدور الأميركي تضع إسرائيل قيودًا شديدة عليه حتى لا يؤثر على حرية عملها في تنفيذ مخططاتها العدوانية والاستعمارية الاستيطانية والعنصرية.

ما سبق يدل أن إطلاق رصاصة الرحمة على ما تسمى « عملية السلام »، التي دخلت غرفة العناية المركزة منذ فترة طويلة ولا تؤدي، ولا يمكن أن تؤدي، إلى تحقيق السلام؛ لا يفتح الطريق على الأقل، في المدى المباشر، لعملية سياسية جديدة، وإنما لصراع مفتوح سيحاول كل طرف فيه كسر إرادة الطرف الآخر ودفعه للانصياع لما يريد.

وهناك رأي ثالث لا يطرح نفسه علنًا، ولكنه موجود وله تأثير، يرى عدم وجود طريق غير مواصلة التمسك بالعملية السياسية الجارية، ويرفض قرار وقف الاتصالات مع أميركا، ورفض مقابلة نائب الرئيس الأميركي، ولن يقدم بديلًا.

تناول كل القضايا المثارة لدى أصحاب وجهات النظر السابقة بالنقد والتحليل بحاجة إلى صفحات كثيرة لا يتسع لها هذا المقال، ولكني سأكتفي ببعض الإشارات مع الوعد بتناول أوسع في المستقبل.

من دون الاتفاق على برنامج وطني يجسد القواسم المشتركة وعلى أسس الشراكة لا يمكن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، التي من دونها لا يمكن التقدم إلى الأمام، لا سلمًا عبر المفاوضات والعمل السياسي والديبلوماسي، ولا حربًا عبر المقاومة والمقاطعة والانتفاضة.قارا

لم تصل الموجة الانتفاضية التي تفجرت في فلسطين، وانتقلت ارتداداتها إلى العالم كله، إلى انتفاضة، ولن تصل بسرعة إليها، مع وصفها بذلك من قبل البعض منذ اندلاعها، وذلك لأسباب عدة تتضمن عدم وجود اتفاق على هدف مركزي جامع وأشكال نضال متفق عليها، وغياب أمل كافٍ بإمكانية تحقيقه، ووجود الانقسام الفلسطيني الذي يستنزف الطاقات الفلسطينية في صراع داخلي، ولعدم إيمان القيادة بنمط الانتفاضة ونظرتها للتحرك الشعبي كأداة تكتيكية لا أكثر، بحيث يجب أن يبقى في حدود يمكن السيطرة عليه، لأن خروجه عن السيطرة سيقود إلى ما لا تحمد عقباه. والخشية من تحول الانتفاضة إلى فوضى وفلتان أمني وتعددية في السلطات واتخاذ القرار مشروعةٌ، لكنها لا تبرر عدم العمل من أجل توفير متطلبات اندلاع الانتفاضة، وتستوجب البحث في كيفية تجاوز تحولها إلى فوضى.

كما أن المصالح التي نمت على شجرة السلطة هنا وهناك، والحرص عليها وتنميتها يحول دون اندلاع انتفاضة شاملة فورًا، خصوصًا أن القوى التي دعت إلى الانتفاضة إما لا تملك القوة والإرادة الكافيتين، أو لا تريد أن تمضي في تنفيذ دعوتها ولا أن تقدم نفسها بصورة تقطع الطريق على إمكانية الاعتراف بها واعتمادها كشريك راهن أو بديل في وقت لاحق.

إذا كانت الموجة الانتفاضية غير مرشحة بالضرورة للتحول إلى انتفاضة شاملة شعبية أو مسلحة أو كليهما أو عصيان مدني شامل قبل إنجاز الوحدة الحقيقية، وبلورة رؤية جديدة وإرادة مستعدة لدفع الثمن، وخطة واقعية قابلة للتحقيق، فلا يعني هذا أنها ضارة، أو لا تحقق أهدافًا ملموسة على طريق طويل. فهي يمكن أن تكسر قرار ترامب وتفشل « صفقة القرن » قبل أن تولد، والأهم تَحْول دون تصفية القضية، بل تبقيها حية، وتقليل الأرباح والخسائر، ودعم صمود الشعب وتواجده على أرض وطنه وإحباط مخططات الاحتلال، ومنع انحراف فلسطيني للتساوق مع الحلول التصفوية، وهذه كلها إنجازات كبرى تمهد للانتصارات القادمة ولو بعد حين.

إنّ التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية أو الانحياز لمحور عربي وإقليمي على حساب المحور الآخر وصفةٌ للقضاءعلى القضية، ولإلحاق الضرر بالتجمعات الفلسطينية المقيمة والعاملة في بلدان المحور الآخر، ولعل أكبر شاهد على ذلك ما جرى في تجارب فلسطينية سابقة مؤلمة في ظروف كانت أفضل من الظروف الحالية، مثل ما حدث في الأردن ولبنان وبعد احتلال العراق للكويت، واندلاع الربيع العربي، خصوصًا في مصر وسوريا، ما جعل الفلسطينيين يدفعون ثمنًا غاليًا.

كما أنّ حل السلطة ليس حلًا، وإنما هدية للاحتلال الذي يمكنه ملء الفراغ بقيادات أمنية وعائلية محلية، وتمكنه من تنفيذ خططه، مثل « خطة الإمارات السبع » التي تعتبر دليلًا حيًّا على ذلك. فالمطلوب تجسيد الدولة، والتحرر من أوسلو، وتغيير السلطة وليس حلها، وجعلها أداة في يد المنظمة الموحدة. كما أن الوضع الراهن لا يتيح إقامة دولة واحدة ولا دولتين حتى نتقاتل على أي الخيارين أفضل، أو ممكن، ما يتطلب التركيز على تجميع عناصر وأوراق القوة والضغط بهدف تغيير موازين القوى حتى تسمح بتحقيق الحقوق الفلسطينية.

إن مسألة إقامة الرئيس محمود عباس في غزة المحتلة أيضًا يمكن جدًا أن تسهّل عملية ابتلاع الضفة الجارية على قدم وساق، وتروّج لحل الدولة الفلسطينية الوهمية في غزة التي ترتبط أو لا ترتبط بمعازل الضفة، والتي قد تُمنح أراضي من سيناء أو لا تمنح وفق مخططات إسرائيلية معلنة تستهدف تصفية القضية لإيجاد حل لها.

إن القضية الفلسطينية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا، وتمر في مرحلة تحرر وطني، ما يجعلها جامعة تجذب تأييد ودعم مختلف الأطراف والمحاور رغم الخلافات فيما بينها، كما ظهر في اجتماع مجلس الأمن، واجتماع وزراء الخارجية العرب، والقمة الإسلامية، والتحركات الشعبية المنتشرة تقريبًا على امتداد الكرة الأرضيّة، ولكن على أساس الالتزام بمبادئ، أبرزها عدم تدخل الآخرين في الشؤون الفلسطينية الداخلية، والإيمان بأن الفلسطينيين كشعب مستعمر ومظلوم يتوق إلى الحرية والعدالة والاستقلال والسلام، ويقيم علاقاته مع أي دولة أو قوة بقدر دعمها لفلسطين، وأن مصلحة فلسطين لا بد أن تكون دومًا مع حرية وتقدم الشعوب وسيرها نحو العدالة والاستقلال والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرياته.

كلمات دلالية