خبر الى أين اختفت الدول العربية -معاريف

الساعة 11:13 ص|14 ديسمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: د. غادي حيتمن

محاضر في دائرة الشرق الاوسط في جامعة اريئيل وخبير في الشؤون العربية

(المضمون: اردوغان يقرأ خريطة الشرق الاوسط جيدا ويعرف ان قادة الدول العربية لا يسارعون الى الوقوف الى جانب الفلسطينيين - المصدر).

في خطاب استمر نحو ستين دقيقة، ناشد ابو مازن قادة الدول العربية والاسلامية التجند للكفاح من أجل القدس ردا على تصريح ترامب. وبمناسبة استغلال المنصة التي وضعها تحت تصرفه الضيف، الرئيس التركي اردوغان، اغدق رئيس السلطة الفلسطينية على سامعيه (معظمهم لا يعرفون العربية على الاطلاق وشوهد بعضهم في البث الحي والمباشر وهم منشغلون باجهزتهم الخلوية) تنديدات ضد الولايات المتحدة. وأعلن بانه سيطلب من مجلس الامن في الامم المتحدة قرارا يلغي تصريح ترامب وهدد بانه بدون القدس كعاصمة فلسطين « لن يكون سلام في المنطقة ولن يكون سلام عالمي ».

هل بالفعل؟ لماذا كان أردوغان مطالبا باستضافة منظمة التعاون الاسلامي في اجتماع طاريء في أعقاب التصريح الرئاسي؟ ليس هذا فقط لانه رئيس المنظمة. فاردوغان يقرأ خريطة الشرق الاوسط جيدا ويرى بان قادة الدول العربية لا يسارعون الى الوقوف الى يمين الفلسطينيين بشكل تلقائي. صحيح أنهم نددوا بالتصريح واوضحوا بانه خطر وانهم لن يتنازلوا عن القدس، ولكن اردوغان، ويخيل أن ابو مازن ايضا، يعرفان جيدا بان هذه ضريبة لفظية.

 

ولماذا؟ لان استعراضا خاطفا يبين الريح الجديدة التي تهب في غير قليل من الدول العربية. فالشرخ السني – الشيعي، القائم في المنطقة بشكل تقليدي وتعاظم في عصر الربيع العربي، والى جانبه تهديدات الجهاد العالمي بالمس بكل من لا يؤمن بطريقه، غيرا سلم أولويات الدول الوطنية العربية. فهذه تسعى قبل كل شيء لتحقيق استقرارها السياسي الداخلي وبعد ذلك شق طريقها الكفاحي ضد الاعداء الخارجيين.

 

ليس صدفة أن اقترح رئيس الاركان آيزنكوت على السعودية التعاون الاستخباري في المقابلة مع موقع الانترنت السعودي قبل نحو شهر. وعلى أي حال، فهو يعرف بان له اذنا صاغية في الرياض. اردوغان وابو مازن يعرفان ايضا. واذا لم يكن هذا بكاف، فان وفدا من نحو 30 شخصا من البحرين يزور اسرائيل هذه الايام ويحمل معه رسالة سلام من الحاكم القائم في العاصمة المنامة.

 

هذه بالطبع مجرد مؤشرات على التغيير الذي يجد تعبيره في الاشهر الاخيرة في التفكيرات المتجددة عن طبيعة العلاقات مع اسرائيل في عواصم عربية اخرى ايضا. هذا تعبير علني عن المزاج في دوائر في النظام والنخبة في عدد غير قليل من الدول العربية، والذي يسعى الى تحقيق المصالح الوطنية ولا يرى في حل المشكلة الفلسطينية شرطا ضروريا للتطبيع بالمعنى الدارج في الغرب.

 

كل من يشرح لماذا لا تتجند الدول العربية التي تعانق الرئيس الفلسطيني على نحو متواصل، استضافة اجتماع طاريء تطلق فيه خطابات حماسية ضد الصهاينة. فما هو الحل المفضل؟ اردوغان يرتب الامور. وهكذا فان رئيس دولة ليست عربية يستضيف الاجتماع ورؤساء الدول العربية (باستثناء الملك عبدالله الاردني، الذي ألقى كلمة قصيرة) اكتفوا بارسال مستوى متدن نسبيا الى الاجتماع. كل هذا كي يقولوا دون أن يصرحوا « فقراء مدينتي أولى ».

 

اضافة الى ذلك، فان محاولات اثارة الخواطر على اساس ديني، في الوقت الذي يشدد فيه ابو مازن نفسه على أن هذا صراع على الارض، ليس فيها ما يكفي كي يمس بالمصالح المتحققة بقدر غير قليل بفضل العلاقات الهادئة مع القدس ايضا.

 

 (المضمون: صحيح أن رئيس الحكومة وحاشيته ما زالوا يحظون بافتراض البراءة ولكن هذا يضعهم في مكان المتهم وعليهم الاستقالة لأن هذا الوضع يؤثر على أداء الحكومة التي توجد في وضع الموت السريري - المصدر).

 

في ليلة التصويت الصاخبة كان نتنياهو في أفضل حالاته ومليء بالطاقة، وقد قال في كافتيريا الكنيست إن وضع الدولة ممتاز وقام بكسر يد عضوة الكنيست شيرن هسكل (الليكود) التي عارضت قانون الدكاكين، وكانت جوزة سهلة على الكسر.

 

مع ذلك، فان من نظر اليه كان يمكنه ملاحظة أن مظهره الهاديء يخفي خلفه ضائقة عميقة، مثل المريض الذي يجيب على السؤال عن حالته بـ « ممتاز جدا ». أو مثل المتهم بمخالفات جنائية الذي يقول بابتسامة ميكانيكية « لن يكون أي شيء لأنه لا يوجد أي شيء ». عند الفجر كانت اغلبية الاصوات في صالحه، لكنه ادرك أنه عمليا حصل تقريبا على لا شيء، نوع من القفزة البرلمانية، حيث أنه بعد بضعة ايام سيعاد القانون للتصويت عليه في الكنيست، ومعه مبادرات اخرى من الحكومة، ومن تصويت لآخر سيصعب عليه تجنيد الاغلبية المطلوبة. كل « لقيط » هو ملك، كل شخص يمكنه أن يبتزه، لقد ظهر وكأنه يدفع ثمن الوقت الآخذ في الضياع لاعادة احياء حكومته.

 

في هذه الليلة، قبل قانون القومية وقانون اسكات الشرطة وقانون المس بمحكمة العدل العليا، كانت اشارة البدء لنهاية طريق الحكومة. ثلاثة من وزراء الحكومة ورئيس الائتلاف يغرقون في تحقيقات جنائية حتى اعناقهم، ونتنياهو يعلق بقاء حكومته على كلمتين لم يتعود عليهما الجمهور هما « افتراض البراءة ». لقد وعد دافيد بيتان (وهذا رد الجميل له) بأن افتراض براءتهم ساري المفعول وقائم سواء في قضية الهدايا في الملف 1000 أو في تمويل « عرس الرشوة » (حسب الاتهام) الذي اقيم لابنة بيتان وتحول كما وصفه نتان رتوش في موضوع آخر الى « مظلة سوداء ». من يؤيدونهم يرددون مثل الببغاء « افتراض البراءة »، لكن الحكومة تترنح مع رئيس حكومة ورئيس ائتلاف متهمين بأنهما يخرقان القانون.

 

بالتأكيد هناك افتراض براءة وهو ساري المفعول. ولكن ما معنى ذلك؟ هناك انواع مختلفة من افتراض البراءة. عندما يتم اتهام موظف دولة كبير بمخالفة جنائية، فيجب عليه الاستقالة، وحتى الشاهد الملكي ميخال غنور والشاهد الملكي آري هارو ما زالا يتمتعان بافتراض البراءة. لأنه لم تتم

 

ادانتهما بعد، لكن عمليا كل شخص يعرف أنهما قاما بادانة أنفسهما. إن افتراض البراءة الخاص بهما هو افتراض رسمي ولا أهمية جوهرية له.

 

مع « براءة سوداء » مثل بيتان وتحقيقات من النوع الذي يصاحب نتنياهو وآريه درعي وحاييم كاتس، لا تستطيع الحكومة أن تعمل. على الاكثر يمكنها أن تتصرف على الورق بأثمان سياسية باهظة. ومن الآن هي مخطئة في نظر الجمهور لأنها تتصرف كحكومة مبذرة في فترة انتخابات، رغم أنه لم يتم الاعلان عن حل الكنيست ولم يتم الاعلان عن موعد لاجراء الانتخابات.

 

موشيه كحلون سرق الاضواء من نتنياهو ووزع على الجمهور هدية بمبلغ 800 مليون شيكل. اسرائيل كاتس أخذ المكان الثاني، 600 مليون. يتسرب الى القلب شك كبير، ولو أنه غير مسند وقائعيا: معقول الافتراض أن الحكومة تدير الجيش كما ينبغي في الرد على الاستفزازات في المنطقة الشمالية وقي قطاع غزة. ولكن ربما يكون من المريح لنتنياهو أن يذهب الى الانتخابات على خلفية توترات امنية تدفع الى الهامش اتهامه بمخالفات جنائية.

 

عندما أشار شمعون بيرس وعيزر وايزمن بصورة واضحة الى أن الاعتبارات الانتخابية هي التي وجهت مناحيم بيغن لقصف المفاعل العراقي في 1981، سخر الشعب منهما (أنتم تعرفونني منذ اربعين سنة، قال بيغن، هل كنت سأعرض حياة طيارينا لاهداف انتخابية؟ ايضا من المعراخ – حاييم هرتسوغ مثلا – أجابوا بـ « لا » مدوية). هل سيكون اجماع كهذا عندما يطرح السؤال بخصوص حجم نشاط نتنياهو العسكري في قطاع غزة وهضبة الجولان؟.

 

ربما أن الامر يتعلق بمخاوف عبثية في مجال الاقتصاد والامن القومي. ولكن هذه تظهر لأن الحكومة متهمة بالاساس. في الوضع الذي نشأ، ربما ستواصل الحكومة وجودها بمستوى أداء منخفض، لكن التصويت على قانون الدكاكين أثبت أنها في موت سريري.

 

كلمات دلالية