خبر الجائزة وعقابها.. معاريف

الساعة 10:13 ص|08 ديسمبر 2017

بقلم

(المضمون: الاعتراف الامريكي بعاصمة اسرائيل هو دليل على عدالة طريقنا ولكن الثمن الذي سيطالب به ترامب لقاء ذلك سيكون باهظا جدا. وقريبا سينتهي اتفاق الاستئجار للاراضي في العربا من الاردن الذي لا بد سيطالب باستعادة الاراضي تحت قيادة الملك عبدالله غير الصديق - المصدر).

أنباء طيبة وأنباء سيئة في موضوع.

لنبدأ بالطيبة: الرئيس ترامب يعترف بالقدس كعاصمة اسرائيل ويعتزم نقل السفارة الامريكية اليها. لماذا هذه أنباء طيبة؟ فبالنسبة لنا القدس هي عاصمتنا منذ 3000 سنة. الملك داود قرر فيها عاصمة مملكته وكتب فيها مزامير التهيليم. القدس هي لنا سواء اعترفت أمم العالم بذلك، مثل الرئيس ترامب أم لا تعترف بذلك، كرؤساء فرنسا، المانيا وبريطانيا. ومع ذلك، فان اعتراف الولايات المتحدة بحقيقة تعود الى 70 سنة هام جدا. مذهل فقط كيف أن المرض النفسي العميق لليهود يدفعهم لان يفزعوا ويخافوا حتى عندما تكون أنباء طيبة. كما يوجد في الاعتراف الامريكي برهان على أنه عندما يؤمن اليهود بعدالة طريقهم، ويكونوا مصممين على السير فيه ولا يفزعون من كراهية اسرائيل، من التنديدات، التجاهلات والمقاطعات – فنهايتهم ان ينتصروا. وهكذا سيكون ايضا بالنسبة ليهودا والسامرة. اذا ما آمنا بحقنا، وفرضنا سيادتنا، ولم نخف – فالعالم ايضا سيعترف بسيادتنا. بعد سنة او مئة سنة.

والان الى الانباء السيئة. الرئيس ترامب يعترف بالقدس كعاصمة اسرائيل ويعتزم نقل السفارة الامريكية اليها. ولماذا يمكن لهذه أن تكون أنباء سيئة ايضا؟ لان ترامب، كرجل اعمال لا يوزع الوجبات بالمجان. وشارة الثمن التي الصقت بهذه « الهدية » لم تنكشف بعد. ولكن مما نعرفه عن انماط تفكير « البزنسمان » الامريكي، ستكون اسرائيل مطالبة بان تدفع لقاء هذه البادرة الطيبة الهامة بعملة اقليمية في قلب وطننا: الاعتراف بدولة فلسطينية في يهودا، السامرة وفي غزة وتسليم اراضي وطننا الى « دولة » كهذه. هذه خطوة ضياع لدولة اسرائيل. وليس في اي ميزة في الاعتراف الامريكي بالقدس كعاصمة اسرائيل وزن يوازي الضرر الذي لا مرد له والذي سيلحق بنا اذا ما قامت دولة فلسطينية. وانطلاقا من المعرفة بضعف نتنياهو، وفي صعوبته في الوقوف بوجه الضغوط، ولا سيما الان ومكانته متهالكة – هناك تخوف من ان ينهار. قد يتسلى أيضا بأمل أن ينقذه هذا مثلما أنقذ شارون.

ولكن توجد مزايا اخرى للاعتراف الامريكي. وهي تجد تعبيرها مثلا في نوبة غضب اردوغان. فهو يهدد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل. لا يمكن بالطبع ملامته على ذلك. فهو كاره معروف وواضح لاسرائيل. مؤيد لحماس. يقاتل ضدنا في كل ساحة دولية. من الصعب ان نفهم لماذا استسلم نتنياهو له، أهان اسرائيل، اعتذر عن تصفية مخربي مرمرة ودفع تعويضات من أموال ضرائبنا. فاردوغان لم « يطبع » العلاقات الا كي يتمكن من ابقاءها كرهينة. واذا كان نتنياهو مستعدا لاهانات كهذه لقاء سلامة العلاقات، فيبدو أنها هامة له، ويمكن من خلالها ابتزاز اسرائيل. ولكن نذلا كهذا لا يفهم الا لغة القوة. وعليه، فيجب ابلاغه بانه اذا قطع العلاقات – فستعترف اسرائيل بقتل الشعب الارمني كجريمة حرب تركية.

ولكن ليس اردوغان وحده ثائر الاعصاب بالطبع، فالعرب ايضا غاضبون ايضا. فهم لن يعترفوا ابدا بالقدس الموحدة كعاصمة اسرائيل وكعاصمة اسرائيل فقط. نحن لا يمكننا ان نتخلى عن القدس، ولا العرب  ايضا. وبالتالي فانها هي المدينة التي ستنقذنا من استعداد بعض من زعمائنا للتنازل عن قلب بلاد اسرائيل والاعتراف بدولة فلسطينية.

وليس اردوغان والعرب وحدهم غاضبون – بل واليسار الاسرائيلي يضرب الرأس بالحائط غضبا. فلسنوات شرحوا لنا باننا فقط اذا ما وافقنا على تقسيم المدينة، « تذويل » أو « عاصمة مشتركة » (او اي هذيان آخر لا مواز له في العالم)، فسيعترف العالم بغربي المدينة كعاصمة اسرائيل. وحتى اليسار الاسرائيلي توصل هذا الاسبوع الى الاستنتاج الحزين بانه لا يمكن الاعتماد على الاغيار.

              *    *

وفي موضوع الاردن ايضا – أنباء طيبة وأنباء سيئة.

نبدأ بالطيبة: في 1994 وقع اتفاق سلام مع المملكة الاردنية. وبخلاف اتفاق السلام مع مصر، الذي كان ينطوي على تنازل عن كل شبه جزيرة سيناء واقتلاع البلدات اليهودية فيها – فان الاتفاق معه الاردن « كاد لا يؤلم ». فقد « اعادت » اسرائيل الى الاردن اراض في نهرايم وفي العربا. وبعض من الارض بقيت في ايدينا استئجارا. ولكن – يوجد سلام! المملكة تكافح الارهاب وتوجد ايضا فضائل استراتيجية « سرية ».

ومن هنا، الى الانباء السيئة: مجرد اعتراف اسرائيل بالمملكة الاردنية الهاشمية كان سيئا. وسواء آمنا بان هذا جزءا لا يتجزأ من بلاد اسرائيل التاريخية وحتى من « الوطن القومي » الذي وعد للشعب اليهودي في الانتداب البريطاني، أم كنا نؤمن بانه ينبغي الاعتراف بهذا كالدولة القومية الفلسطينية (وبالتالي لا بد أنه لا حاجة لواحدة اخرى، غربي الاردن). ولكن ما كنت لاتذكر هذه المساويء التي ليست هي مثابة « انباء » لو لم تكن الساعة تتكتك. والرزنامة تتقلب.

في العام 2006 نشر افرايم هليفي، الذي  كان رئيس الموساد كتابا بعنوان « رجل في الظل ». وهو يصف في الكتاب ضمن امور اخرى الخطوات التي أدت الى التوقيع على الاتفاق مع الاردن. نتجاوز بعد اذنكم الاتفاقات البائسة بين رابين وبيرس (بيرس اتهم الملك حسين بالخيانة لان الحسين كشف عن تفاصيل المفاوضات السرية التي أدارها لرئيس الوزراء اسحق رابين، خصمه السياسي).  وعن باقي الاعيب بيرس. ويكتب هليفي فيقول: « الاردن طلب العودة الى حدود 1967، وسطحيا كان الامر يعني ان تعيد اسرائيل الى الاردن اراض من جنوب البحر الميت – اكثر من 380 كيلو متر مربع – اكبر من مساحة قطاع غزة كلها... بعد اللقاء التاريخي بين رئيس الوزراء رابين وزعيم م.ت.ف ياسر عرفات في الساحة الخلفية في البيت الابيض في ايلول 1993، رأى الملك حسين في هذه الخطوة شبه خيانة سياسية من جانب اصدقائه الاسرائيليين القدامى من حزب العمل... اللقاء مع رابين انتهى بالجمود... كانت حاجة الى تسوية مشكلة المناطق التي طالب بها الاردن باستعادتها الى سيادته... ولكن ماذا سيكون مصير مستوطنات العربا جنوب البحر الميت وعلى طول الحدود؟ مستوطنة تسوفر، مثلا، تفلح اراض واسعة تبدو من الجو كقبضة مغروسة عميقا في اراضي الاردن. فضلا عن ذلك، فان فلاحة الحقول اتيحت فقط من خلال استخدام المياه التي نهلت من آبار جديدة حفرت في الاراضي الاردنية... الاستئجار ما كان يمكن له أن يكون حلا دائما لهذه الاراضي... تعليمات رابين كانت انه لا يهم ما يقال في الاحرف الصغيرة، يجب أن يضمن للمستوطنات في الجنوب ان تتمكن من مواصلة فلاحة اراضيها مثلما في الماضي. ولكن كم من الوقت ستكون هذه الشروط سارية المفعول؟ متى سيأتي الوقت لاستئنافها أو لاعادة النظر فيها من جديد؟ ».

هليفي يروي بان الحسين بدأ بالاقتراح للتأجير لخمس سنوات – وقبل بعد مساومة بـ 25 سنة تأجير، واستخدام الابار مقابل 50 مليون كوب من مياه بحيرة طبريا الآخذة بالجفاف.

السنوات تمر. بعد اقل من سنتين سيكون بوسع الاردنيين أن يطالبوا بانسحاب اسرائيلي في العربا. الحسين، الذي كان صديقا حقيقا لزعماء اسرائيليين كثيرين – مات. ابنه عبدالله ليس صديقا. وهو يعمل ضدنا علنا ويلحق بنا ضررا جسيما بقدر ما يستطيع. ولعل « التفاهمات الاستراتيجية السرية » لم تتضرر. ولكن اسرائيل تدفع لقاءها بالموافقة على التدخل الاردني الفظ في شؤون القدس. يوجد للاردن « فيتو » في مواضيع الحرم، وهذه ضربة قاضية للسيادة الاسرائيلية في القدس. ومن الصعب أن نرى عبدالله يبدد بشكل تلقائي مفعول اتفاق الاستئجار في العربا، اذا لم يمارس عليه ضغط دبلوماسي كبير واذا لم يكن له الكثير مما يخسره.

لقد غفا وزير الخارجية (نتنياهو) ووزارته في الحراسة. أحد لا يعنى بما ينتظرنا قريبا. اذا لم نستيقظ فورا – فسندفع الثمن مرة اخر بـ « الارض مقابل السلام ».

كلمات دلالية