خبر إعلان ترامب يشكل فرصة لعباس للقيام بتغييرات داخلية

الساعة 08:44 ص|08 ديسمبر 2017

فلسطين اليوم

الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لإسرائيل هو فرصة للقيادة الفلسطينية من أجل التحرر من طرق عملها وتفكيرها، التي تحجرت وحجرتها. هل هذه الفرصة سيتم استغلالها من أجل عملية ديمقراطية داخلية، قبل كل شيء من أجل تحسين العلاقات الداخلية الفلسطينية بين نخبة غير منتخبة مسيطرة منذ بضعة عقود والجمهور (ليس فقط في الضفة الغربية وغزة، بل أيضا في الشتات)؟ نأمل ذلك. والخوف هو أن هذه الفرصة لن يتم استغلالها. وعندما ستستيقظ من صدمة التغيير الرمزي في السياسة الأمريكية – رمزي مع إمكانية انفجار حقيقي – ستقول القيادة الفلسطينية إن هذه مشكلة إسلامية عامة، وعربية وأوروبية أيضا. وستكون على حق، كما هو معروف. كما أن القيادة الفلسطينية ستقول أيضا إن الفلسطينيين هم الحلقة الأضعف، وأنهم لا يستطيعون أن يواجهوا وحدهم مشعل الحرائق في البيت الأبيض.

يمكننا قول ذلك بشكل آخر: تغيير الموقف الأمريكي يمكن القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس من إجراء تغييرات تبين لشعبها أنها لم تتمسك حتى الآن بالمسار الدبلوماسي المشروط بالتنسيق الأمني والاقتصادي مع إسرائيل فقط من أجل تحقيق المصالح الشخصية والاقتصادية الآنية لها ولجهات محيطة بنخبة فتح وم.ت.ف. «الترويج شخصي» هو أحد التفسيرات المنتشرة حول حقيقة أن عباس يتملص من الانتخابات، حيث أنه في داخل فتح أيضا كانت الانتخابات مطبوخة ومملاة من الأعلى الى درجة أنهم يفضلون عدم الحديث عنها، وأنه يتملص أيضا من التغيير في تركيبة الحكومة من أجل أن تمثل هذه على الأقل كل التنظيمات السياسية وليس هو فقط.

بعد الاستيقاظ من الصدمة سيقول محمود عباس ورجاله، وبحق، إن التغيير الأمريكي لا يعني بالضرورة فشل المسار الدبلوماسي الفلسطيني، بل هو يبرهن على عدم الحيلة لجهات عقلانية في الحزب الجمهوري، حيث أن التحدي ليس موجه فقط ضد الفلسطينيين بل ضد المسلمين، ومن بينهم دول تعتبر حكوماتها حليفة للولايات المتحدة، وضد الفاتيكان وضد أوروبا. وهم يستطيعون القول أيضا وبحق، إن جرأة ترامب تحطم التفاهمات الدولية ليس في مجال واحد فقط. فهو واليمين الاقتصادي والافنجلستي (evangelist) الذي يخدمه ويمثله حقق انتصارين كبيرين آخرين: زيادة الهدايا للرأسمال الكبير على شكل تقليصات في ضرائب الشركات وإعلان المحكمة العليا الأمريكية أنه يمكن أن يسري فورا منع دخول مواطني الدول الإسلامية الست. لذلك سيقول عباس ورجاله إنه لا توجد علاقة بين الوضع الفلسطيني الداخلي والمواجهة الدُّولية مع سياسة ترامب.

المسار الدبلوماسي – الاعتراف الدُّولي الرمزي بدولة «فلسطين» – الذي تم شقه ببطء، حظي بعدة إنجازات مبهجة مثل الموافقة على قبول العضوية في عدد من المؤسسات الدولية والتوقيع على عدد من المواثيق الدولية، الذي تم ايقافه أمام البوابة الأمريكية. هذا المسار أغضب إسرائيل وبحق، لكنه استنفد نفسه ولم يغير الحقائق على الأرض: حكم ذاتي محدود من قبل السلطة الفلسطينية، المقسمة بين عدد من الجيوب المنفصلة، الذي يعفي إسرائيل من أية مسؤولية برغم كونها القوة المحتلة. الدول الغربية أعطت وتعطي المصادقة الشرعية للقيادة الفلسطينية غير المنتخبة وغير المحبوبة من قبل الجمهور، بسبب تعهدها بكبحه والحفاظ على الهدوء الأمني مع إسرائيل، واستعدادها للتظاهر بوجود «عملية» وأن هذه العملية ستؤدي الى إقامة الدولة. إن الخطر في خطوة ترامب سيعزز فقط مطالبة أوروبا بأن يواصل عباس وأجهزته الأمنية لجم الجمهور مقابل استمرار قبولهم كقيادة شرعية.

الولايات المتحدة تقوم بتقديم مساعدة سخية لوكالة غوث اللاجئين والأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتحصل على واقع الجيوب: هذا قبل ترامب بزمن طويل. هذه هي رسالة تمويلها لتحسين الشوارع بين القرى كبديل للشوارع السريعة والواسعة التي أغلقت إسرائيل معظم طرق الوصول اليها من المدن والقرى الفلسطينية في مصلحة المستوطنين. الدول الأوروبية غير معفاة من المسؤولية عن مساعدتها لواقع الجيوب، ومن خلال منح المساعدات تخفف قليلا الأزمة الاقتصادية المستعصية التي تتسبب بها القيود الإسرائيلية. ولكنها حاولت وتحاول المساعدة على الصمود الفلسطيني في المناطق ج، وقد اتخذت عدة خطوات لم تستكمل تجاه مقاطعة منتوجات المستوطنات، وتستمر في توضيح موقفها بأن المناطق ج هي جزء من الدولة الفلسطينية. وهي على الأقل تدرك دورها السلبي كدول تدعم الاحتلال.

الدول الأوروبية أيضا لن تتوقف بالتأكيد عن دعم الاحتلال الآن – على شكل المساعدة الإنسانية للفلسطينيين – حيث أن خطر الانفجار يزداد. هذا أيضا يعزز منطق الحفاظ على حكم عباس كما هو. إن دعوة فتح لثلاثة أيام غضب من أجل القدس، من دون تغيير في النظام الداخلي، هي مراهنة خطيرة: فهي تعرض للخطر حياة وسلامة آلاف الشباب وتكشفهم للاعتقال الجماعي، عبثا. ولكن في الأساس من شأنها أن تظهر أن الجمهور الفلسطيني لا يلتزم بدعوات حركة فتح والسلطة الفلسطينية لأنه لا يثق بهما. وهو سيعمل في الوقت والصورة المناسبة له. بدلا من ملاحقة كل من ينتقده في الفيس بوك وإسكات الانتقاد عن طريق قانون الإنترنت، فإن عباس والجهات التي تحيط به، يستطيعون الآن اتخاذ عدة خطوات أولية لتهوية الجهاز السياسي الذي قاموا بتشكيله في ظل عملية اوسلو. يصعب تخيل كيف ستبدو هذه التهوية بسبب التكلسات المتراكمة لمؤسسات م.ت.ف والسلطة الفلسطينية. ولكن في كل الاحوال، فإنها تقتضي تعاون في التفكير والعمل في أوساط واسعة جدا. شيء نسيت قيادة فتح و م.ت.ف منذ زمن كيفية القيام به.

كلمات دلالية