خبر بين الانسحاب والتطبيع.. بقلم:خالد صادق

الساعة 10:17 ص|30 نوفمبر 2017

فلسطين اليوم

قبل سبعين عاماً أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة  ما يسمى بقرار التقسيم رقم 181 الذي يقضي بإنهاء الانتداب البريطاني عن الأراضي الفلسطينية وتقسيمها إلى ثلاث كيانات 43,5% من مساحة فلسطين للدولة العربية و 56% من ارض فلسطين لليهود و 0,5% للقدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية, هذا القرار الجائر تم تمريرة بالأغلبية, مما اغضب مندوبي الدول العربية ودفعهم للانسحاب وأعلنوا في بيان جماعي رفضهم للقرار, على اعتبار ان فلسطين ارض عربية ولا يجوز التفريط في شبر واحد منها, اليوم تسيطر «إسرائيل» فعليا على 85% من الأراضي الفلسطينية بتأييد ومباركة دول عربية تسعى للتطبيع مع هذا الكيان المجرم, وإقامة علاقات مباشرة معه, فما الذي تغير ولماذا تحولت السياسة العربية هذا التحول الخطير؟!.

 صحيح ان السياسة «فن الممكن» وهى متحولة وتتماشى مع التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة, لكن التحول لا يحدث أبدا في القضايا الجوهرية, ربما يكون التحول مرتبطا بالأداة, وربما يكون تحولا تكتيكيا ليرمي لهدف ما, وربما يكون تحولا مرحليا في فترة ما, لكنه في كل الأحوال يبقى مستندا إلى الثوابت التي لا يجب بأي حال من الأحوال ان نتخلى عنها, حتى لا يتحول هذا إلى تفريط وتنازل, فمساحة المناورة المتاحة دائما تبقى محكومة بسقف معين لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوزه, لأن تجاوزه يدخلنا في حالة ضعف وهوان تؤدي إلى زيادة أطماع أعدائنا فينا, وتغولهم علينا, واستفرادهم بنا, وهذا ما حدث بالضبط في علاقة السلطة مع عدوها «إسرائيل» وعلاقة الدول العربية الرسمية بهذا الكيان المغتصب لأرضنا وحقوقنا.

 الوفود العربية انسحبت قبل سبعين عاما احتجاجا على قرار التقسيم, وهى اليوم تستجدي الاحتلال من خلال معاهدات السلام المزعومة, وما تسمى بالمبادرة العربية لأجل إقناع «إسرائيل» بالموافقة على ما هو اقل مما نص عليه القرار 181 في مقابل الانفتاح العربي والإسلامي على هذا الكيان وإقامة علاقات مباشرة معه, وتعزيز المشاريع الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية والتعايش المشترك بينهما, والغريب والعجيب ان إسرائيل هي التي ترفض وتصر على مواصلة مخططها لتحقيق أطماعها في الدول العربية والسيطرة على مقدرات الأمة, وقد خطت خطوات مهمة وكبيرة في هذا المجال تحت مسمى السلام والتعايش المشترك, واستطاعت ان تحدث اختراقاً وتصدعات كبيرة في الجدار العربي تنذر بما لا يحمد عقباه.

 «إسرائيل» أصبحت اليوم تتغنى بعلاقاتها المباشرة وغير المباشرة مع الدول العربية, وتقول إنها استطاعت قلب الأوضاع وجر الحكومات العربية للتعاطي مع الرؤية الإسرائيلية لقضايا الحل النهائي, وإيجاد أعداء جدد مشتركين في المنطقة مما يتطلب تكاتف الجهود العربية الإسرائيلية لمواجهة أخطارهم, وان عديد الدول العربية تلهث وراء «إسرائيل» لأجل تمتين أوضاعها الداخلية خوفا من غضبة الشعوب, وان أمريكا تستطيع ان تفرضت سياساتها المملاة عليها إسرائيليا على الدول العربية, ولكن أمام كل هذا العلو والإفساد والاستكبار والاستعلاء  الإسرائيلي, يدرك هذا الكيان المجرم انه لان يستطيع اختراق العقلية العربية وتغيير نظرة الكراهية الفطرية لدى الشعوب العربية لإسرائيل, فالشعوب منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي استفاقت على إراقة الدماء والدمار والقتل والخراب الذي تمارسه إسرائيل ضد العرب, وحتى اليوم عندما يقتل الجيش أو المستوطنون مواطنا فلسطينيا يهتف بالموت للعرب, ويرفع شعارات ضدهم, فكيف يمكن التعايش مع هكذا كيان, قائم أساسا على القتل والإرهاب والعنف والخراب والدمار لكل ما هو عربي ومسلم؟!  

 فلتدرك الحكومات العربية في الرياض وأبو ظبي والمنامة والكويت والخرطوم وتونس والمغرب, والذين خرج ادعياؤهم وسفاؤهم للترويج للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني, ان محاولاتهم ستبوء بالفشل, وان جهدهم سيذهب هباء منثورا, فالشعوب العربية غير قابلة للتطبيع مع هذا الكيان المجرم المسمى «إسرائيل», والوفود الرسمية العربية التي كانت تنسحب من أروقة الأمم المتحدة احتجاجا على قرارات جائرة بحق فلسطين, وأصبحت اليوم تتزاحم في أروقة الأمم المتحدة للتطبيع والالتقاء مع ممثل «إسرائيل» ستحاسبها شعوبها يوما على فعلتها, وساعتها لن تنفعها «إسرائيل» ولن تجد من يتعاطف معها أمام غضبة الشعوب, عليكم ان تستفيقوا سريعا وإلا فان مصيركم سيكون مثيلا بمصير شجرة الدر.

كلمات دلالية