خبر اختراقات إسرائيلية للمقاومة العربية ..د. محمد السيد سليم

الساعة 11:12 ص|22 ديسمبر 2008

ـ إسلام أون لاين ـ 21/12/2008

النشوة العربية بما فعله الصحفي العراقي منتظر الزيدي يجب ألا تنسينا أن القضية الفلسطينية قد واجهت خلال الشهرين الأخيرين عدة اختراقات أمريكيةـ إسرائيلية خطيرة من شأنها تحويل مسار القضية في اتجاهات تؤدي إلى تكريس الوضع الراهن، بل وجعله وضعًا عاديًّا ومقبولاً للعرب والمجتمع الدولي.

تدور هذه الاختراقات حول تحقيق هدفين أساسيين أولهما أن يكون التطبيع العربي مع إسرائيل سابقًا لأي انسحاب إسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، وثانيهما إلغاء مرجعية قرار الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية، وأن يحل محلها مرجعية الإرادة الإسرائيلية، فلا يكون الحل إلا ما تريده إسرائيل وحدها.

علينا أن نعترف أن الاختراقات الإسرائيلية الأمريكية هي اختراقات حقيقية، وأنها تلحق أبلغ الضرر بالقضية الفلسطينية؛ لأنها تغير مسار القضية في اتجاه تحقيق المصالح الإسرائيلية، وانهيار آخر قلاع المقاومة العربية دون ثمن يحصل عليه العرب، والكارثة أن بعض تلك الاختراقات أتى على يد بعض العرب الذين كان يجب أن يكونوا في طليعة مقاومة تلك الاختراقات، فإذا بهم وقد أصبحوا آليات لتمريرها تحت دعاوى الإسلام، ومن ثم فإن علينا أن نرصد بدقة هذه الاختراقات، ثم نفكر جميعًا في كيفية وقفها خلال عمل سياسي شعبي منظم.

حوار الأديان.. ستار للتطبيع

لعل أول الاختراقات هو إعادة إحياء فكرة حوار الأديان لاستخدامها ستارًا للتطبيع مع إسرائيل، كما حدث في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في نيويورك الشهر الماضي.

كانت فكرة حوار الأديان قد انتهت على الأقل من جانب المسلمين؛ لأنهم اكتشفوا أن المتحاورين من ممثلي اليهودية المسيحية لا يعترفون بالإسلام كديانة سماوية، وأنهم يستخدمون الحوار كأداة للتبشير الديني، ولكن السعودية أعادت اكتشاف حوار الأديان، وقدمت مبادرة لعقد الحوار في نيويورك في نوفمبر الماضي تحت مسمى "ثقافة السلام" بحضور ممثلين سياسيين رسميين للدخول، وليس ممثلين للأديان.

فهل يمكن القول إن الملك عبد الله، أو الرئيس الباكستاني عاصف زرداري،، أو الرئيس بوش، أو الرئيس الإسرائيلي بيريز يمثلون الديانات السماوية؟ كيف يمكن تصور أن يكون زعيم العلمانية اليهودية بيريز هو من يمثل اليهودية في الحوار؟ وما العلاقة بين حوار الأديان وثقافة السلام؟ المسألة لم تكن سوى افتعال مناسبة للتطبيع العلني مع إسرائيل، وقد تحقق ذلك بامتياز في الإنجاز الأكبر للمؤتمر وهو المصافحة العلنية والحميمة بين شيخ الأزهر وبيريز، والسؤال هو لماذا شارك الشيخ في هذا المؤتمر؟.

إذا كان كل المشاركين فيه من السياسيين؟ الشيخ كان يؤدي دورًا مرسومًا، فقد تفادت السعودية توريط شيوخها في تلك المصافحة، وقدمت بدلاً منهم شيخ الأزهر؛ لأنه أكثر شهرة وقدرة على تحقيق الهدف، وأؤكد أن صورة المصافحة لم تكن ولن تكون مجرد صدفة عابرة؛ لأن الصورة سيتم توزيعها ونشرها بين مسلمي جنوبي وجنوب شرقي آسيا، وهم في مقدمة الرافضين لإسرائيل، كما أنهم في الوقت ذاته يعتبرون شيخ الأزهر هو الإسلام ذاته، وستقول لهم الدعاية الصهيونية ها هو شيخكم الأكبر يصافح رئيسنا بشكل ودي ظاهر، فلماذا لا تفعلون مثله، وستستخدم إسرائيل هذا المنطق لحث مسلمي وحكومات الدول الإسلامية في جنوبي، وجنوب شرقي آسيا لتقبل فكرة التطبيع مع إسرائيل في الوقت الذي تواصل فيه استعمار أرض العرب.

الجامعة العربية في الاتحاد المتوسطي

أما الاختراق الثاني فقد قامت به جامعة الدول العربية حين رسمت بالتعاون مع عدد من الدول العربية سيناريو تمرير مشاركتها في "الاتحاد من أجل المتوسط" وقد بدأت السيناريو باجتماع لممثلي بعض وزارات الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية في نوفمبر الماضي، قاموا بعده بالجهر بأن إسرائيل ترفض مشاركة الجامعة العربية في الاتحاد، ولكنهم يصرون على مشاركتها في الاتحاد، بل إن الأمين العام غير رأيه فجأة في تلك المشاركة، فبعد أن رفضها في يوليو الماضي عاد ليطالب بها في نوفمبر دون إيضاح ما الجديد الذي يبرر هذا التحول، بل إنه هدد بأنه إذا لم تشارك الجامعة، فإن منظماتها المتخصصة لن تمول أي مشروعات للاتحاد المتوسطي.

سرعان ما تبين أن المسألة كلها كانت سيناريو متقنًا الهدف منه تمرير مشاركة الجامعة العربية لأول مرة في تاريخها في إطار إقليمي مؤسسي تشارك فيه إسرائيل، كما صرح الأمين العام، وبذلك تخرج تلك المنظمات عن هدفها في تمويل المشروعات التكاملية العربية، لكي تمول المشروعات التكاملية العربية ـ الإسرائيلية.

فعلت الجامعة ذلك دون قرار من مجلس الجامعة، وقال الأمين العام تبريرًا لهذا الاختراق الإسرائيلي ما نصه "الاتحاد لن يختلف عن عملية برشلونة، ففيه نفس الأعضاء، ولم يحصل تغيير حتى يقال إن هنا تطبيعًا أو هناك خطوة جديدة أو شيئًا جديدًا"، وأضاف أن "الغرض ليس التطبيع؛ لأنه لا يوجد مشروعات مشتركة تتم إلا بموافقة جميع الأطراف".

والواقع أن الاتحاد مختلف كلية عن عملية برشلونة؛ لأنه استبعد المسار السياسي الذي كان موجودًا في عملية برشلونة، كما أنه لا يعقل أن تدخل الجامعة في إطار مؤسسي تشارك فيه إسرائيل، دون أن تدخل معها في مشروعات مشتركة على الإطلاق.

فهذا ما لن تسمح به أوروبا، وعلى أي حال ما الذي تجنيه الجامعة من وجودها في الإطار المتوسطي، وقد نشأ أصلاً لتخطيها إقليميًا؟ وأليس من الأجدى أن تدعو الجامعة إلى إنشاء إطار مؤسسي عربي ـ أوروبي خالص بدلاً من هذا الإطار الذي أسماه هنري جينو، مستشار ساركوزي، بأنه هدية لإسرائيل.

لقد دخلت الجامعة دائرة التطبيع مع إسرائيل، دون أن تقدم الأخيرة تنازلاً واحدًا مقابل ذلك، ولهذا لم يكن مستغربًا أن يخرج كوشنير، وزير خارجية فرنسا، أحد مهندسي الإطار المتوسطي يوم 18 ديسمبر، ليقول إنه على العرب أن يقوموا بالتطبيع مع إسرائيل مقابل "وقف الاستيطان"، أكرر وقف الاستيطان وليس تفكيك المستعمرات أو الانسحاب من الأرض المحتلة.

هكذا يتحدث كوشنير بالنيابة عن إسرائيل، ويهبط بسقف التوقعات العربية إلى التنازل عن آخر ورقة في أيديهم مقابل "وقف الاستيطان"، ولكن هل نلوم كوشنير إذا كانت الجامعة العربية قد سارت في طريق التطبيع المجاني، وقامت بافتعال السيناريوهات لتمريره؟ هكذا تكون المكافأة الفرنسية للمتنازلين مقدمًا.

أود أن أضيف أن كوشنير كرر في حديثه المشار إليه المطالبة بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي شاليط "بدون شروط" في اليوم ذاته الذي كانت فيه إسرائيل تقدم رئيس البرلمان الفلسطيني عزيز الدويك، مقيدًا بالسلاسل إلى المحكمة وتحكم على الرجل المنتخب من شعبه بالسجن. لم يجد كوشنير سببًا يدعوه إلى مطالبة إسرائيل أيضًا بالإفراج عن الدويك بلا شروط أيضًا؛ لأن العرب يطبعون من طرف واحد مع إسرائيل في الوقت الذي يسجن فيه رئيس برلمان عربي، ولم يطالبوا أنفسهم بالإفراج عن الدويك، بل إنهم يجلسون مع إسرائيل في المؤتمرات البرلمانية الأوروـ متوسطية، دون أن يطالبوا بالإفراج عن زميلهم في السجون الإسرائيلية.

قرار مجلس الأمن رقم 1850

أما الاختراق الثالث فهو صدور قرار مجلس الأمن رقم 1850 في 16 ديسمبر الماضي، بمباركة من السلطة الفلسطينية، ومعظم الدول العربية، فقد بذلت إدارة بوش قصارى جهدها طوال ثماني سوات للعب بعقول العرب وإيهامهم أنها تسعى لبناء دولة فلسطينية، ولكنها حققت أكبر إنجازاتها حينما اختطفت القضية الفلسطينية من الأمم المتحدة وجعلت ما يسمى "خريطة الطريق" الإطار المرجعي للنقاش، ثم سلمت القضية "للرباعية" تحت قيادتها، واخترعت صيغة "مؤتمر أنابوليس" لكي تدشن السقوط النهائي لقرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، والأراضي المحتلة، ثم عادت إلى مجلس الأمن ذاته لكي يقر بكل تلك التجاوزات بحيث أحدثت الولايات المتحدة انقلابًا كاملاً في أسس التفاوض.

وقد تم ذلك حين اشتركت الولايات المتحدة وروسيا في تقديم مشروع القرار 1850 الذي أقره المجلس بشكل جماعي مع امتناع ليبيا عن التصويت، فماذا يقول القرار 1850؟ يعتبر القرار أن مرجعية السلام هي مؤتمر أنابوليس، بما فيها خريطة الطريق، وأن الإطار الوحيد للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية هو الإطار الثنائي، وأن "يتزامن" مع التقدم في العملية الثنائية، ما يسميه القرار "الاعتراف المتبادل والتعايش السلمي بين كل الدول في الإقليم.

يلاحظ أولاً أن القرار لم يصدر في إطار الفصل السابع من الميثاق، وهو الفصل الذي يجيز فرض عقوبات على من ينتهك أحكام القرار، وبالتالي فإن إسرائيل تستطيع أن تضع القرار في سلة المهملات دون أن تخشى عقابًا،، بينما تصدر القرارات المتعلقة بالدول العربية والإسلامية (ليبيا، والعراق، وإيران) في إطار هذا الفصل.

كذلك فالقرار، وإن أعطى مباركة لفظية لما يسمى المبادرة العربية للسلام، إلا أنه قد فرغها من مضمونها. فالمبادرة تقول بالتطبيع الكامل "بعد" الانسحاب وبناء الدولة الفلسطينية، ولكن القرار يقول "بالتزامن" بين تحقيق تقدم في المفاوضات الثنائية (وليس انتهاء المفاوضات)، وبين التطبيع الفعلي مع إسرائيل.

وأخيرًا فإن القرار قد قصر التفاوض على دولة الاحتلال ومن احتلت أراضيه، تفاوض ثنائي بحت في ظل الخلل الرهيب في ميزان القوى، وتجريد السلطة من أي بديل للمقاومة، وعدم التزام دولة الاحتلال بوقف الاستعمار.

في ظل تلك المعطيات فإن القرار هو إشارة لإسرائيل باستمرار الاستعمار، وبمنع أي طرف من التدخل في المفاوضات، بما في ذلك الدول العربية، لكي تعكس حصيلة التفاوض الخلل الرهيب في ميزان القوى، بما في ذلك إعطاء الأولوية للتطبيع على أي شيء آخر، كما هو واضح من تصريح كوشنير الذي سبق أن أشرنا إليه.

هكذا استطاعت إدارة بوش أن تدفع مجلس الأمن إلى مباركة الإنجازات التي حققتها لصالح إسرائيل خارج المجلس، ولم تكترث وزيرة الخارجية رايس بأن تطرح السؤال المنطقي، لماذا عجزت عن تحقيق وعد الدولة الفلسطينية سنة 2008م، رغم وجود سلطة فلسطينية مطيعة، وما الذي يدل عليه ذلك بالنسبة لإمكانية تحقيق الوعود الغامضة في القرار 1850؟ والمدهش في الأمر هو مباركة السلطة الفلسطينية لهذا القرار، الذي يجردها من أي ميزة تفاوضية.

الاختراقات الإسرائيلية ليست مقصورة على ما ذكرناه، فهي تشمل اللقاءات العلنية والسرية بين بعض القادة العرب والإسرائيليين، وتشمل التواطؤ العربي في حصار غزة.

سبل مواجهة الاختراقات

وفي تقديري، فإنه من الضروري أن نفكر في كيفية التعامل مع تلك الاختراقات، وأعتقد أن هناك عدة مستويات لهذا التعامل تبدأ بالقوى السياسية العربية الرافضة لهذه الاختراقات للضغط على الأطراف العربية التي شاركت فيها من أجل التراجع عما فعلت أو الاستقالة، ويكون ذلك خلال سلسلة من المؤتمرات الشعبية على كل المستويات الحزبية والعربية، وأتصور أن يكون هذا الموضوع على قمة أجندة المؤتمر القوميـ الإسلامي القادم وغيره من المؤتمرات السياسية المماثلة.

كذلك فالتضامن الشعبي العربي مع القوى الفلسطينية المعارضة للسلطة في الانتخابات القادمة من شأنه أن ينهي سلسلة التنازلات المجانية التي قدمتها السلطة حتى الآن لإسرائيل، ويقوي روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، ولديه قيادات وطنية من الطراز الأول تسعى السلطة إلى طمسها، وفي مقدمتهم المناضل الفلسطيني مصطفى البرغوثي الذي استفدت من تحليله الرصين للقرار 1850.

وأخيرًا فإن تكثيف المطالبة برفع الحصار العربي ـ الإسرائيلي ـ الأمريكي عن مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة إنما يقوي من روح الصمود الفلسطيني، وبدونها لن يصبح للتفاوض أي قيمة، ولا ينبغي أن نقلل من قيمة هذا الجهد، وفي هذا الصدد ينبغي أن نتذكر الآثار الهائلة التي أنتجها تصرف الزيدي، وهو مجرد فرد واحد في العالم بأسره.

---------------

أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة.