خبر من السابق لأوانه أن نعرف - معاريف

الساعة 10:48 ص|21 نوفمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: البروفيسورآريه الداد

(المضمون: حين قدرت بأن السلام مع مصر لن يطول، خاب ظني. ولكن حتى في الحكمة في نظرة الى الوراء: حتى لو كنت اعرف في حينه بأن السلام سيبقى 40 سنة، لكنت عارضت الاتفاق الذي كان ينطوي على اعتراف بـ « حقوق » العرب في قلب وطننا - المصدر).

قبل 40 سنة، في 19 تشرين الثاني 1977، زار الرئيس المصري انور السادات البلاد. واستغل الكثيرون هذا الاسبوع هذا الموعد كي يتذكروا الحدث التاريخي. ولكن قلة جدا اجروا ايضا حسابا تاريخيا للنفس. كنت إبن 27. وبعد بضعة اشهر امتثلت للخدمة كطبيب في جنوب سيناء. لي ايضا كان واضحا أن السادات لم يأت عبثا، وأن الثمن سيكون تنازلا اقليميا هائلا. لم أعرف في حينه، مثلما لم يعرف معظم الاسرائيليين، بأنه قبل شهرين من زيارة السادات، في لقاءات سرية في المغرب، تنازل وزير الخارجية ديان منذئذ، باسم مناحيم بيغن، عن كل شيء، حتى آخر ذرة رمل.

في منظور 40 سنة من السلام مع مصر – فانه حتى معظم من عارض في حينه اتفاق السلام وثمنه يعتقدون اليوم أنهم اخطأوا. إذ لو كانوا يعرفون في حينه بأن السلام سيصمد سنوات طويلة، ما كانوا ليعارضون.

كانت في حينه مجموعتان معارضتان. الاولى ببساطة لم تؤمن بصدق نوايا السادات. الكثيرون، بمن فيهم رئيس الاركان في حينه موتي غور، قالوا علنا إن الزيارة ليست سوى مناورة تضليل لهجوم واسع يخطط له المصريون. واعتقد آخرون بأن السادات يعتزم الحصول على كل سيناء، ولكن ما أن تكون هذه في يديه – حتى يخرق الاتفاقات ويدفع بالجيش الى شبه الجزيرة بخلاف له. كل هذه تبددت. فقد نجا اتفاق السلام حتى في اوضاع التوتر الشديد بين الدولتين، بما فيها حرب لبنان الاولى التي اندلعت في موعد قريب من استكمال الانسحاب، وحتى الحكم القصير للاخوان المسلمين في مصر بعد سقوط مبارك.

ولكن هناك آخرين عارضوا الاتفاق لاعتبارات اخرى – مبدئية. بالنسبة للكثير من معارضي الانسحاب كانت سيناء جزء لا يتجزأ من بلاد اسرائيل. ولكن ليس بالنسبة لمناحيم بيغن.فقد رأى في حدود الانتداب البريطاني حدود بلاد اسرائيل، وسيناء والجولان لم تكونا جزء منها. وعليه، كان صحيحا التنازل عنهما فور حرب الايام الستة. ولكن جزء لا يتجزأ من اتفاق السلام مع مصر كان الاقتلاع لكل المستوطنات اليهودية في سيناء، ولهذا فقد عارض ذلك حتى رجال اليسار، من حزب العمل، ممن أقاموا هذه المستوطنات. أما بالنسبة لبيغن فقد كان السلام أهم من الاستيطان. جدال تاريخي لا حل له حتى اليوم يعنى بمسألة اذا كان ممكنا الوصول الى اتفاق آخر، دون اقتلاع وتخريب المستوطنات. لو لم يكن بيغن من خلال ديان تعهد مسبقا بالانسحاب من كل شيء. إن السابقة التي ثبتها في حينه مناحيم بيغن هي سابقة خبيثة. دفعنا ثمنها ايضا في فك ارتباط شارون بتأييد من نتنياهو. ولا بد أننا سنكون مطالبين بأن نستوفي شروط هذه السابقة في يهودا والسامرة وفي الجولان ايضا.

جدال آخر يدور حول مسألة اذا كان ممكنا التوصل الى اتفاق سلام مع السادات دون التعهد بالاعتراف بـ « الحقوق الشرعية للفلسطينيين » وخطة الحكم الذاتي. وهكذا، حسب كل الآراء، تنازل بيغن عن ايديولوجيته، عن مبدأ وحدة البلاد، حتى وفقا لخريطة الانتداب التي قدسها. ويحوم هذا التنازل فوق رؤوسنا كتهديد اليوم ايضا. فالاعتراف بـ « حقوق » العرب في بلاد اسرائيل الغربية سيكون ايضا في أساس خطة ترامب التي ستقدم لنا قريبا، مثلما كانت أساسا لخطاب بار ايلان لنتنياهو. هذه هي الخطيئة الاولى لليكود، الذي تعلو وحدة البلاد على لسانه، ولكن التنازل عنها كامن في أساس سياسة مناحيم بيغن، اريئيل شارون، اهود اولمرت وبنيامين نتنياهو. واحد من رؤساء الليكود فقط هو اسحق شمير، الذي كان يجلس على منصة الكنيست غاضبا ومكشرا الى

جانب السادات وعارض بكل قوته التنازل عن سيناء وخطة الحكم الذاتي التي ينطوي عليها، فقط هو واظب في معارضته حتى بعد سنين. فهو لم يبع ايديولوجيته بأي ثمن. ولا حتى بثمن السلام مع مصر.

وأنا، حين قدرت بأن السلام مع مصر لن يطول، خاب ظني. ولكن حتى في الحكمة في نظرة الى الوراء: حتى لو كنت اعرف في حينه بأن السلام سيبقى 40 سنة، لكنت عارضت الاتفاق الذي كان ينطوي على اعتراف بـ « حقوق » العرب في قلب وطننا، وفي خلق سابقة خطيرة تتمثل بالتدمير والاقتلاع كشرط للسلام. لقد رفض زعيم الصين، ماو تسي تونغ، فتوى عن تأثيرات الثورة الفرنسية على التاريخ الانساني لأنه على حد قوله « من السابق لأوانه أن نعرف ». وهذا صحيح ايضا بالنسبة لزيارة السادات.

كلمات دلالية