خبر الانقسام الفلسطيني والمرحلة الانتقالية ..وليد شقير

الساعة 09:41 ص|21 ديسمبر 2008

ـ الحياة 21/12/2008

القضايا الإقليمية الساخنة، التي ستؤجل الى ما بعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما مهماته في 20 الشهر المقبل، ومن ثم الى بضعة أشهر أخرى ريثما تحدد إدارته سياستها الشرق أوسطية بعد إنجاز تعييناته في المؤسسات المعنية، ستبقى قابلة للضبط والتهدئة والإدارة السلمية لها، على سخونتها، إلا أن أزمة واحدة من هذه الأزمات تبدو فالتة من عقالها وغير قابلة للسيطرة والتحكم بها هي قضية المواجهة بين غزة المحاصرة وبين إسرائيل، واستمرار النزاع الفلسطيني الداخلي.

فأزمة الملف النووي الإيراني، ودور إيران الإقليمي، والوضعان الأمني والسياسي في العراق، والتأرجح الذي يغلب على أزمة لبنان والعلاقة اللبنانية - السورية وعلاقة دمشق مع أوروبا ودول الغرب... كلها أزمات تستطيع انتظار المرحلة الانتقالية في الإدارة الأميركية، التي يتوقع العارفون بالدينامية التي تتحكم بانطلاقتها أن تبدأ ملامح تحركها في الظهور بين منتصف الربيع وأوائل الصيف المقبل. وهي أزمات يمكن الفرقاء المعنيين بها أن يجدوا الضوابط لها، الى أن يجري تحريك الحلول الممكنة لها. لكن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بعد انتهاء مهلة التهدئة في قطاع غزة قبل يومين، واندلاع مواجهات تؤشر الى ما هو آت بين الفريقين، لا يبشر بإمكان إيجاد ضوابط توفر على الفلسطينيين المحاصرين في غزة المزيد من المعاناة الأمنية الجماعية في ظل الانفلات الإسرائيلي من أي قيد...

وإذا كانت المرحلة الانتقالية في الإدارة الأميركية تضع فرقاء ودولاً في المنطقة في حال ترقب، فإن الفريق الوحيد الذي لا يشعر بالحاجة الى الانتظار والترقب هو إسرائيل، لأنها الدولة الوحيدة الضامنة التأييد والدعم من أي إدارة أميركية لسياستها وموقفها حيال الفلسطينيين، والتي يمكنها بالتالي أن ترتكب كل المجازر والجرائم وتنقض الاتفاقات فتزيد الاستيطان وتضاعف الحواجز والحصار وتواصل تعزيز جدار الفصل، وتغتال من الجو وتهجم في البر، من دون أي حسابات أو حرج...

لكن ما ينتظر الفلسطينيين في غزة وغيرها هذه المرة لا يعود فقط الى صلف الإسرائيليين والتأييد الأميركي الأعمى لهم، بل الى استمرار الانقسام الفلسطيني كما لم يحصل من قبل في تاريخ القضية الفلسطينية. ومهما قيل في همجية إسرائيل وانحياز أميركا لها والعجز العربي في مواجهة ما تقوم به منذ سنوات ضد الفلسطينيين، فإن التعامي عن حقيقة مساهمة انقسامهم الداخلي في المآسي التي يتعرضون لها، هو أشبه بوضع الرأس في الرمال.

لقد أثبتت أحداث السنة الماضية والسنة الحالية أن الانقسام الفلسطيني أمن لإسرائيل، وللدول التي تدعمها، غطاء إضافياً لحمامات الدم التي ترتكب ضد الفلسطينيين، بعد استنفاد حجة ممارسة المنظمات الفلسطينية للإرهاب...

والانقسام الفلسطيني الداخلي مرشح لمزيد من التصعيد بعد التاسع من الشهر المقبل حين تنتهي مدة ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي سيدعو الى انتخابات رئاسية وتشريعية، سترفضها «حماس»، التي ترى الفرصة سانحة للتشكيك بشرعية رئاسة أبو مازن... الواثق بدوره من قدرته على مواجهة الحملة عليه ومن الاعتراف الخارجي به. لكن كل ذلك لن يعني سوى المعادلة الآتية: تصاعد الانقسام الداخلي يساوي المزيد من التغطية لإطلاق يد إسرائيل ضد غزة. وليس الأميركيون وحدهم هم الذين يُسرّون لإصابة الفلسطينيين بالوهن والضعف في المرحلة الانتقالية، بل إن الأطراف الإقليميين المعنيين بالأزمات الإقليمية الأخرى قد يكونون مسرورين بأن السخونة في المرحلة الانتقالية ستحصر بغزة وليس بالأزمات التي تعنيهم. كما أن بعض هؤلاء الأطراف الذين يتهمون أبو مازن بالتهاون وتقديم التنازلات أخذوا يلتقون مع واشنطن في لوم الرئيس الفلسطيني. فالإدارة الأميركية الراحلة تتهمه بأنه يتحمل مسؤولية تأخر السلام لأنه رفض اقتراحات رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بتجزئة الحلول.

قد تكون الدعوة الى التضامن مع غزة خطوة مفيدة لتعبئة جمهور عربي ضد إسرائيل، إلا أن بذل الجهد لإنجاح المصالحة الفلسطينية الداخلية هو الذي يوفر المزيد من المعاناة على سكانها.

لقد أُفشلت جهود المصالحة والحوار التي سعت اليها مصر (وقبلها السعودية في اتفاق مكة) خلال السنة الماضية بحجج مفتعلة، فيما الهدف الفعلي هو الإبقاء على الوضع الفلسطيني فتيلاً مشتعلاً بالنيابة عن أزمات أخرى، ومن أجل المساومة بالمصالحة على قضايا أخرى في الأزمات الإقليمية المفتوحة... ومن أجل نقل الحوار من القاهرة الى دمشق أو غيرها في سياق الصراعات العربية - العربية المتفاقمة.

يجري تمديد الانقسام الفلسطيني في وقت تتواصل الاتصالات عبر تركيا على المسار السوري - الإسرائيلي، وفي وقت يتهيأ أوباما لمقاربة جديدة مع إيران وسورية، لا تبدو مضمونة النتائج، ويبدو أن هذه المصالحة ستبقى مرهونة لهذه النتائج...