خبر نطلق في كل الاتجاهات- يديعوت أحرونوت

الساعة 03:07 م|10 نوفمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: سمدار بيري

الكثير من الحواجب رفعت قبل اسبوعين في قيادة الحكم السعودي وفي العائلة المالكة، عندما كشف الامير محمد بن سلمان ولي العهد مشروعه. فقد لمعت عينا الامير ابن الـ 32 بانفعال حين أعلن عن اقامة المدينة الكبرى، التي تقع على مساحة هائلة في الصحراء السعودية وتنبسط الى داخل مصر والاردن – وكله باستثمار نصف تريليون دولار. حتى في مملكة النفط وصنابير الذهب يبدو هذا المبلغ خياليا تماما، بعيد عن أن يكون في متناول اليد، ولكن الامير أصر. فقد قال: « نحن ملزمون بالتحرر من ادماننا على النفط. نخلق أماكن عمل لملايين الشباب العاطلين عن العمل ونفتح السعودية على العالم الواسع ». وفي نفس الوقت تعهد ايضا برفع المملكة الى مسارات الاسلام المعتدل. وأطلق تلميحا شديد الوضوح نحو المؤسسة الدينية في المملكة إذ قال: « قدر طويل من السنين ضاع على سلوك ظلامي ومتطرف ». على ما جرى بعد بضع ساعات تشهد التغريدات في الشبكات الاجتماعية. فقد نقل الامير الملياردير الوليد بن طلال رسالة فظة الى ولي العهد، في أنه لا يعتزم أن يستثمر حتى ولا دولار واحد في « مشروع الهذيان »، على حد وصفه. وزير الحرس الوطني، متعب بن عبدالله، ابن الملك السابق، حذر من « الحلم المبالغ فيه » ونبه من أنه سيتعين عليه « فرض النظام » في العائلة المالكة منعا للصدمات. وفي النشرات الاخبارية لقناة « ام بي سي » التي بملكية المليونير وليد الابراهيمي بث تقرير تحفظ من المشروع الطموح.

ولكن ولي العد، الذي هو ايضا وزير الدفاع، نائب رئيس الوزراء ورئيس مجلس التنمية  الاقتصادية، لم يسمح لاي شيء أو أحد ان يقف في طريقه. ووثقت عصبة مستشاريه ردود الافعال وأعدت قائمة اسماء، وفي ظهيرة السبت القيت القنبلة. بداية، اغلقوا المجال الجوي للسعودية في وجه الرحلات المسافرة كي لا يحاول الناس الهرب، ومنعوا اقلاع الطائرات من المهابط المحفوظة للشخصيات الهامة في الرياض وفي جدة. واعتقلوا الامير وليد بن طلال في المطار قبل لحظة من اقلاعه في رحلة أعمال. بن طلال، الذي حذره مسبقا مصدر استخباري غربي من أنهم « يوشكون على اعتقالك »، لم يصدق بان ولي العهد سيتجرأ على عمل ذلك، خاب ظنه. ومع عودته الى بيته في الرياض صادر مرسوم ملكي يعلن عن تشكيل « لجنة مكافحة الفساد ». وتصدر اسم الملك سلمان الوثيقة، ولكنها منحت ابنه محمد، ولي العهد، الصلاحيات للاشراف على اللجنة الجديدة الى جانب المدعي العام، رئيس أجهزة الامن وثلاثة مسؤولين كبار آخرين.

« نعلن بذلك عن حرب ضد ضعفاء العقل وعديمي الضمير »، هكذا كتب في المرسوم، « ممن يستغلون مكانتهم العليا لجمع مال خاص، يرتبون لانفسهم صفقات من خلف ظهر الحكم، يوزعون الرشوات ويعملون بطريقة تبنوها لانفسهم، بخلاف المصلحة العامة، على حساب ابناء الشعب السعودي ».

كل من يعرف السعودية يعرف بان هذه الظواهر موجودة هناك منذ عشرات السنين. في السعودية لا تعقد صفقات دون دفع رشوى لموظف، لضابط، لوزير. وفجأة تذكر احد ما بان يعالج هذا. جلس الامير محمد بن سلمان في استديوهات التلفزيون الرسمي واعلن بان كل من يشتبه بالفساد، سيعتقل؛ حساباته البنكية ستصادر، وعندما سترفع ضده لائحة اتهام سيقدم الى المحاكمة.

ولكن الدراما لم تنتهي مع الاعتقالات. ففي يوم الاحد ليلا نشرت في السعودية أنباء عن حادثة مروحية قتل فيها الامير منصور (42) ابن الامير مقرن الذي كان ولي العهد حتى قبل سنتين ونحيَ عن منصبه. وفي الغداة تبين أن منصور حاول الهرب من الاعتقال، خرق حظر الطيران للشخصيات الهامة وصعد الى المروحية. فأطلقت طائرة مقاتلة من سلاح الجو السعودي صاروخا نحو المروحية فأسقطتها. فقتل كل المسافرين.

« المعتقلون لن ينالوا معاملة مفضلة »، تعهد المدعي العام السعودي، الشيخ سعود بن عبدالله. « في ختام التحقيق سيتلقون بالضبط ما سيتلقاه كل مواطن يرسل الى السجن ».

تأييد ترامب

هذه موجة الاعتقالات الثالثة في غضون ستة أشهر، منذ رتب لنفسه الامير بن سلمان مكانة ولي العهد وتحدد كالرجل القومي في المملكة. أبوه، الملك سلمان ابن الـ 81، يعاني من المرض ويصعب عليه أداء مهامه؛ وحتى السير صعب عليه، ولكن في حزيران أدار حملة تنحية محمد بن نايف من منصب ولي العهد في صالح ابنه المفضل. بن نايف، الذي كان مقدرا ومرتبطا باسرة الاستخبارات في واشنطن، تلقى عرضا لا يمكن رفضه: إما أن يقف أمام الكاميرات، ويقسم الولاء لابن عمه ويخلي له المقعد الذهبي، أو أن يقضي نحبه في حادث طرق غامض. ومنذئذ مرت ستة أشهر وهو قيد الاقامة الجبرية، بعيدا عن مركز الامور في العائلة الملكية. الامير وليد بن طلال ورئيس الحرس الوطني الامير متعب، توجها الى ولي العهد، طلبا تحرير الامير محمد واصطدما برد فعل غاضب. وقد صفي الحساب معهما يوم السبت الماضي.

في موجة الاعتقالات الثانية، في منتصف ايلول، ارسل الى السجن أربعين رجل دين، رجل أعمال وصحافي تجرأوا على « رفع الرأس » مثلما شرح واحد من وزراء حكومة الرياض. فقد وجهوا سهام النقد بتلميحات واضحة، الى فشل السياسة الخارجية التي يقودها الامير بن سلمان: الحرب في اليمن، التي تكلف عشرات ملايين الدولارات وجبت حتى الان حياة اكثر من عشرة الاف من رجال الجيش من الجانب السعودي. التصعيد مع ايران؛ الملايين التي استثمرت في الكفاح لاسقاط الاسد وأدت فقط الى تعزيز قوته في سوريا؛ الحصار على قطر الذي تحطم؛ و « رؤيا 2030 » التي في اطارها يتعهد الامير  بضم النساء الى سوق العمل ويجلسهن أخيرا خلف المقود. موضوع قيادة السيارات وإن كان استقبل بفرح لدى الشباب، ولكن المؤسسة الدينية حرصت على أن تنقط الى الخطب في المساجد تلميحات سامة ضد « كسر قيم العائلة ». وكل من لمح، اعتقل.

عدد الكبار الذين اعتقلوا هذا الاسبوع ليس واضحا: فيوم السبت نشرت اسماء 49 معتقلا واول أمس نشر أن العدد ارتفع الى 500. وبالتوازي جمد 1.700 حساب بنكي للكبار. وبين المعتقلين الذين نشرت اسماؤهم: 11 أمير، 4 وزراء، قائد سلاح البحرية و 3 عظماء اعلام. واستكمل الامير محمد بن سلمان بذلك سيطرته على كل اذرع الامن ومراكز القوى في السعودية، اسكت الاعلام المستقل في بلاده (اذا كان يوجد كهذا) وخصص لمشاريع، ولا سيما لمشروع المدينة اياها مبالغ مالية هائلة. اذا نجح مبعوثوه في وضع اليد على حسابات في البنوك في الخارج وضموها الى المصادرات المالية في السعودية، فالتقدير هو أنه سيتراكم لديه 2 تريليون دولار.

نشر جهاز الاستخبارات الفيدرالي في ألمانيا تحذيرا استثنائيا ضد « المراهن السياسي الذي من شأنه ان يهز العالم العربي »، فيما أن المقصود هو ولي العهد السعودي. فردت اسرة الاعمال التجارية الدولية بعصبنة. سعر برميل النفط في السعودية هبط هذا الاسبوع الى دون 60 دولار، وخسر سعر الدولار 20 في المئة، وهبط اليورو بمعدل مشابه والاستثمارات الكبرى التي خطط لها لان تضخ من الخارج تجمدت دفعة واحدة. فمن يرغب في أن يخاطر بأعمال تجارية في دولة يعود المدعى العام فيها ليحذر بان موجة الاعتقالات لم تنتهي بعد.

حمدين (44) مدير مكتب وساطة في مجال العقارات في جدة، كتب لي هذا الاسبوع انه « راض بالذات عن الهزة، ولكنه قلق من الاثار على المدى البعيد ». وقبل اسبوعين بعث لي بخطة مفصلة لمشروع « المدينة » وأعلن بانه يؤدي التحية بفخار لولي العهد الذي « يفكر بالشباب ويعتزم قيادة السعودية الى العصر الحديث ». سألته اذا كان سيعرض ترشيحه للعمل في المدينة الجديدة. وردا على ذلك بعث لي ببوستر الرجال الآليين الذي من المخطط ان يتولوا منشآت الضيافة والتسلية هناك. فقد كتب يقول: « كان بودي جدا أن اعمل في المشروع ولكني لا انتمي الى الطبقة الصحيحة ولا توجد لي علاقات مع القيادة ».

إذن من سيجند لالاف أماكن العمل، تساءلت. فشرح حمدين بان الامير يحيط نفسه بمئات خريجي الجامعات من الغرب ممن « كانوا حتى الان عاطلين عن العمل، محبطين والتحول يخلي لهم الطريق ». الصحافي السعودي القديم كمال الخاشوغي، الذي طرد من صحيفة « الوطن » واوقف نشره في صحيفة « الحياة » المقدرة، نجح في الهجرة الى الولايات المتحدة، ومن هناك ينتقد « التهور، الوحشية وانعدام المسؤولية لدى ولي العهد عديم التجربة ». أنا لست من معارضي الامير بن سلمان، كما يدعي، « ولكن يهمني ما يحصل في وطني، التي اغلقت لي التوتير، تنصتت على مكالماتي الهاتفية وأخيرا طردتني كعقاب على مقال اوصيت فيه بعدم القفز فرحا في اعقاب انتخاب الرئيس ترامب ».

هذا الاسبوع كان ترامب هو الزعيم الوحيد في الغرب الذي أيد خطوات ولي العهد السعودي. فقد أجرت صهره جارد كوشنير زيارة سرية لدى سلمان قبل بضعة ايام من الهزة، ويحتمل أن يكون وضع في سر الخطوة. « افهم جيدا دوافعه وقراراته واعرب عن تأييدي له »، غرد ترامب في اثناء « ليل السكاكين ». بين الاثنين، كما يبدو، نشأ تفاهم شجاع، لا يخلو من المصالح. فأول زيارة له خارج البلاد كرئيس أجراها ترامب الى السعودي (ومن هناك طار الى مطار بن غوريون)؛ ابنته ايفانكا تعهدت بان تستثمر في المشاريع للشباب في السعودية، ووزارة الدفاع السعودية وقعت على صفقات سلاح وشراء طائرات قتالية من الولايات المتحدة.

سجن طائر

بالتوازي مع الهزة السعودية وقعت دراما في بيروت ايضا، وهناك علاقة بين الحدثين. سعد الحريري، الذي استقال هذا الاسبوع من رئاسة الحكومة اللبنانية، هو من مواليد السعودية: ابوه، رفيق الحريري، الذي هو الاخر كان رئيس الحكومة اللبنانية، اقام وأدار هناك شركة بناء كبرى. ونشرت السعودية رعايتها ومولت، فأثرى الحريري، وبعد ان صفي، ورث سبعة ابنائه ماله الطائل. الابن سعد (47)، يحمل مواطنة سعودية الى جانب المواطنة اللبنانية ودخل السياسة رغم أنفه، في اعقاب ضغط مارسته عليه المملكة في الرياض.

لا جدال في أن الاستقالة فرضت عليه من ولي العهد السعودي، في خطوة استهدفت هز ايران، لبنان وحزب الله: النص الذي تلاه امام الكاميرات كتب له، والتباهي الغريب « سنقطع يد الارهاب الايراني » بدا غير مصداق في ضوء حقيقة أنه قبل بضع ساعات من الخطاب التقى في بيروت مع نائب الرئيس الايراني، علي أكبر ولايتي وتحدث عن « حديث طيب ومبتسم ».

عندما قال امين عام حزب الله نصرالله ان السعوديين وضعوا الحريري في الاقامة الجبرية، حرصت الرياض على أن تلتقط صور رئيس الحكومة اللبناني المستقيل مع سلمان ملك السعودية. وعندما اعرب الرئيس اللبناني عن قلقه من ملابسات اعتقاله، صعد الحريري الى طائرة رسمية وارسل الى جولة لقاءات في ابو ظبي والبحرين. في بيروت يصرون على أن هذه « طائرة سجن » تستهدف ضمان الا يفر رئيس الوزراء المستقيل.

في السعودية تنتظره ديون بعشرات ملايين الدولارات إذ ان المملكة أغلقت شركة أبيه بعد 39 سنة من النشاط. ووضع الحريري في جيبه الملايين ولكن مئات العمال يطالبونه برواتب ستة اشهر، والان، بعد أن رفعت حصانته السياسية، يهددون بدعوى قضائية ضده. وأعلن الحريري هذا الاسبوع بانه لا ينوي العودة الى لبنان قريبا « لاسباب امنية » ولكن رئيس الدولة ميشيل عون يصر على رفض الاستقالة ويواصل دعوته لـ « دولة رئيس الوزراء ».

قريبا: إمراة في الحكومة

إذا تجسد حلم الامير بن سلمان، فانه سيصبح قريبا الملك الاصغر في العالم. خطته هي أن يجسد بعد 30 سنة « رؤيا 2030 » لتغيير وجه السعودية: تحويل السعودية الى دولة رائدة في العالم العربي، التحرر من اقتصاد النفط، توسيع دوائر العمل، ادخال مستثمرين اجانب، فتح المملكة المحافظة امام السياحة من كل العالم، تغيير صورتها المتصلبة ورفع مستوى مكانة المرأة. وقريبا جدا كما يعد، ستعين إمرأة في منصب وزيرة، ولاول مرة ستفتح دور سينما ومطاعم مختلطة للرجال والنساء.

في اسرائيل لا يردون حاليا على المجريات. فمن نشر هنا الشهر الماضي انباء عن زيارة سرية « لامير سعودي هام قد يكون حتى ولي العهد بن سلمان » – اختطف نفيا قاطعا في وسائل  الاعلام السعودية. « ما له ليأتي؟ » عجب مصدر أمني اسرائيلي كبير. « اذا كانت حاجة للحديث، هناك طرق، هناك تفاهمات، مثل التفاهم الذي تحقق حول حرية الابحار الاسرائيلي في البحر الاحمر قبيل نقل جزيرتي تيران وسنافير من مصر الى السيادة السعودية.

»هناك توافق في الاراء حول الخطر الايراني، والسعودية حتى اكثر حزما من اسرائيل في هذا الشأن. بالنسبة لنا، السعودية ليست دولة عدو، ولكننا لا نكشف عمق العلاقات مع الدول العربية كي لا نمس بالثقة التي يعطيها الطرف الاخر. اذا كان مكان للكشف، فانه سيكون بموافقتهم فقط« .

ولا ينصدم المصدر الاسرائيلي من اعتقال الكبار. »ففي السعودية لا يوجد نظام ديمقراطي. يوجد أمير شاب يستعد لان يكون الملك التالي، ولديه مخططات اقتصادية وطموحات لـ 70 في المئة من الـ 33 مليون من سكان المملكة – الشباب في سنوات الثلاثين. وهو ملزم بان يجد لهم حلولا، وفي طريقه الى الهدف يقرر تنظيف الميدان من معارضيه. ما هو غير الواضح هنا؟".

كلمات دلالية