خبر « إسرائيل » يجب أن تعرض على الفلسطينيين تعويضات.. هآرتس

الساعة 11:24 ص|03 نوفمبر 2017

بقلم

(المضمون: يجب على قوى السلام في اسرائيل أن تبحث في لب المشكلة لا أن تركز اهتمامها في 1967، ولب المشكلة هو قضية اللاجئين الذين يجب على اسرائيل تحمل المسؤولية عن معاناتهم وخسارتهم - المصدر).

مؤخرا يجري في وسائل الاعلام ومن بينها « هآرتس »، نقاش حول وضع وطريق اليسار في اسرائيل. استخدام مفهوم « يسار » هنا هو في سياق حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وليس في قضايا الاقتصاد والمجتمع. وفي هذا السياق أريد تقديم مساهمتي. أي يسار نريده الآن هنا؟ سأبدأ بافتراض – يصبح أكثر فأكثر مثارا للخلاف، أن حل الدولتين ما زال قابل للتطبيق. أنا لا أدعي أن حل دولة واحدة لكل مواطنيها مرفوض. ولكنه أقل قابلية للتطبيق حسب رأيي. في اطار حل الدولتين فان معايير الاتفاق قد سبقت صياغتها في مرات كثيرة، ومبادئها معروفة للجميع. اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل وعاصمتها القدس الشرقية. رسم الحدود بين الدولتين استنادا للخط الاخضر وتبادل الاراضي من خلال الاعتراف بالوضع الديمغرافي للكتل الاستيطانية.

إن من يريدون هذا الحل ينقسمون فيما بينهم في مواضيع مختلفة، منها مسألة الشريك: هل يوجد من نتفاوض معه في الطرف الفلسطيني؟ اذا نجح اليسار في طرح موقف واضح حول هذا الموضوع، فان لديه احتمالية أن يحظى بثقة الكثير من محبطي اليسار والذين يشكون بالسلام، وحتى من مؤيدي الوسط واليمين المرن. وحول موضوع الشريك سأقوم باقتباس اقوال سمعتها ذات مرة من مئير بعيل: « الحوار السياسي ليس لعبة تنس. في الحوار السياسي أنت لا تواجه الطرف الآخر فقط، بل تشكله ايضا ». هكذا، فانه في الحقيقة، الطرفين يمكنهما التشكل من جديد.

في الظروف الحالية، من انعدام الثقة، سواء بين القيادة الاسرائيلية والفلسطينية، وبين الجهات الشعبية في الشعبين، يبدو أنه يوجد مكان لخطاب جديد.

التغيير في الخطاب يجب أن يأتي قبل كل شيء من الطرف الاسرائيلي في الصراع، لأنه الأقوى والذي يسيطر فعليا و قراراته هي التي تحدد وجه المنطقة. مع ذلك، فان صوت يساري – اسرائيلي جديد للسلام، سيخلق اصداء ايجابية في الطرف الفلسطيني ايضا، التي من شأنها خلق ديناميكية لخطاب جديد يغذي الطرفين بعملية متبادلة: اصداء ايجابية من الطرف الفلسطيني ستضعف ادعاءات من يشككون بالسلام في المجتمع الاسرائيلي، وهؤلاء بدورهم سيقومون بنفس الدور في المجتمع الفلسطيني.

اذا كان الامر كذلك يطرح سؤال: ما هو الخطاب الذي سيحدث التغيير؟ ما هي الاقوال التي يجب على اليسار أن يقولها للقيادة الفلسطينية، بحيث تكون مستعدة للذهاب نحو السلام القائم على حل الدولتين؟ يبدو لي أن قاعدة ذلك هي أن الاعتراف بمعاناة وخسارة الطرف الفلسطيني هامة لتأكيد أن هذا الاعتراف لا ينفي بأي شكل معاناة وخسارة اليهود بشكل عام واليهود الاسرائيليين في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بشكل خاص. في اماكن كثيرة وحالات مختلفة على مر التاريخ كان اليهود ضحايا الاضطهاد الجماعي، واملاك يهودية تم تأميمها وسرقت في اوروبا والدول العربية. الاضطهاد وصل الى الذروة في زمن الكارثة.

في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، الكثير من الاسرائيليين قتلوا وأصيبوا في المعارك وفي العمليات الارهابية. الذاكرة اليهودية وجدت شكلها في الروايات والمراسيم، التي تذكرنا جميعا بهذه المعاناة والخسارة، والاعتراف بمعاناة وخسارة الفلسطينيين لا تمس بمعاناة اليهود، بل العكس، هي تمكن الفلسطينيين من الشعور ببدء تطور جو من الاعتراف بالشفقة والندم تجاههم من قبل الجمهور الاسرائيلي.

لا شك أنه من ناحية الفلسطينيين فان موضوع اللاجئين هو اساس المشكلة، وبدرجة كبيرة هو المحك لحل الصراع. والمعضلة الشديدة هل اللاجئين هربوا (خوفا وبتشجيع زعماء الدول العربية) أو تم طردهم من قبلنا، ليست جوهرية. إن مسؤولية اسرائيل عن قضية اللاجئين تكمن ليس فقط في طرد الفلسطينيين الذي جرى على الاقل جزئيا، بل في الاساس تكمن في أنه في نهاية الحرب، اسرائيل اغلقت حدودها في وجه الهاربين والمطرودين، وخلقت لنفسها الظروف لاقامة دولة قومية يهودية فيها أقلية عربية – فلسطينية صغيرة.

هذا المنع لامكانية عودة اللاجئين الى منازلهم يقع على مسؤولية اسرائيل حصريا، وحقيقة أن الدول العربية رفضت استيعاب اللاجئين وقامت بحبسهم في مخيمات مخجلة، لا تقلل مسؤوليتها. بسبب دورها الاساسي في خلق مشكلة اللاجئين، يجب على اسرائيل تحمل المسؤولية، من خلال اعلان يتضمن الاعتراف بالمسؤولية والاعتذار وطلب العفو عن النكبة التي تسببت بها، ضمن امور اخرى، نتيجة اعمال اسرائيل في ذلك الوقت. مواطنو اسرائيل الذين يعيشون الآن، غير مسؤولين عن النكبة الفلسطينية. ولكن استمرار وجود الدولة يقتضي تحمل المسؤولية. يوجد لتحمل هذه المسؤولية تداعيات تتعدى الخطاب، ويجب أن تكون مقرونة بالاستعداد لاتخاذ خطوات حقيقية.

أولا، يجب تحديد نظام للتعويض عن الاملاك التي فقدت. نحن نطلب ذلك من الامم الاخرى بخصوص ممتلكات يهودية سلبت أو بقيت هناك، وعلينا طرح ذلك بأنفسنا. ولكن هذا لا يكفي، يجب علينا أن نعرض على الفلسطينيين ايضا التعويضات. ونحن نعرف هذا المفهوم من تاريخ شعبنا في ظروف قاسية، لكن رغم الفرق الكبير بين الكارثة والنكبة، علينا اقتراح ذلك.

يجب أن نفهم الفكرة التي توجد خلف التعويضات، بصورة منفصلة عن التعويضات التي حصلت عليها اسرائيل من المانيا. الفرق بين التعويضات والدفعات هو أن التعويضات تعطى عن فقدان ممتلكات معينة يمكن حسابها، في حين أن الدفعات  تعطى عن خسارة لا يمكن حسابها، مثل انهاء السكن في المكان الاصلي، موت أبناء العائلة، تفكك الجماعة. لهذه الامور ليس هناك قيمة مالية واضحة، لكن الضرر من تفكك نسيج الحياة القائم والمس بالتطور الشخصي والعائلي، هي اضرار كبيرة، والدفعات يجب أن تكون مناسبة لذلك.

التعويضات والدفعات يتم تخصيصها للاجئين انفسهم، سواء كانوا على قيد الحياة أو أنهم ماتوا. واحفادهم يستطيعون المطالبة بها حسب قواعد الميراث المقبولة. سيكون من بين من يستحقون هذه التعويضات كل من تم اقتلاعهم، ومن بينهم من بقوا في اسرائيل. ان هذا النظام ينهي النقاش حول من هو لاجيء. في الحقيقة، حسب القانون الدولي اللاجيء هو فقط الذي اضطر الى ترك بيته وبلاده، واحفاده ليسوا لاجئين، لكن في اعقاب حبس اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، لم يتمكن احفادهم من النهضة التي كان يجب على الدول المضيفة لهم القيام بها.

لا توجد حاجة للاعتراف بكل حفيد للاجيء كلاجيء. ولكن يجب اعطاء كل لاجيء اصلي تعويض مناسب ودفعات مناسبة، يستطيع احفادهم التمتع بها كورثة قانونيين. صحيح أن الحديث يدور عن مبالغ طائلة لا تستطيع دولة اسرائيل الوفاء بها وحدها. ولكن لا شك أنه توجد مصلحة عالمية واقليمية قوية بما يكفي، ستدفع دول العالم القادرة في الشرق الاوسط للاسهام في هذه النفقات.

ان اقتراح كهذا سيثير نقاشات داخلية في اوساط الفلسطينيين، الذين سيغضب عدد منهم – بدرجة لا بأس بها من الحق – لأنهم يحاولون أن يشتروا منهم حقهم في العودة الى بيوتهم وبيوت آبائهم بالمال (الذين معظمهم لم يعودوا على قيد الحياة). الاموال لن تجيب على كل شيء، ليس في هذا أي شيء. أنا اعتقد أن ارادة الحياة والفرصة التي يمكن أن توجد امام هذه العائلات لاصلاح وتحسين ظروف حياتها في اماكنهم الحالية (أو في دولة فلسطين)، الى جانب اعتراف اسرائيل بمعاناتهم وخسارتهم، ستخفف من الغضب.

قبول الدفعات من قبل العائلات الفلسطينية معناه الموافقة على طلب العفو من جانب اسرائيل، والاعتراف بانتهاء الوضع وعدم القدرة على اعادة عجلة التاريخ الى الوراء. سيكون لذلك نوع من التنازل عن العودة بالفعل، وعن اعادة الحياة السابقة، التي كان يمكن أن تتطور لو لم تحدث النكبة. ولكن سيكون في ذلك ايضا القليل من الدواء للشعور بالظلم. قرار هجرة الفلسطينيين الى دولة فلسطين، أي عودة قومية وليس شخصية – لا تهم اسرائيل، بل تكون بيد دولة فلسطين. ولكن في اطار الاعتراف بالمسؤولية عن مشكلة اللاجئين، فان اسرائيل تعرض المشاركة هي ودول العالم في مشروع العودة الى دولة فلسطين، اذا وضع مشروع كهذا على الاجندة.

يبدو أنه عن طريق خطاب من التقارب والفهم يمكن حل المشكلات الاخرى. الآن يوجد لدينا في الاساس حوار طرشان بين قوى الشر في الطرفين، لكن اليسار ايضا في اسرائيل غير بريء من ترديد التعويذات حول دولتين أو دولة واحدة، ومن الهذر عن انهاء احتلال 1967 بكل مظالمه.

ليس بهذا أو ذاك نجد الرد على الضائقة الفلسطينية التي تستدعي التمترس الرافض للقيادة الفلسطينية والتطرف والارهاب. كيف سيكون شريك، اذا كانت حكومة اليمين – قوة الشر خاصتنا – تبحث عن كل طريق ممكنة لمنع السلام وتوسيع الاستيطان، من خلال التسبب بالمظالم التي فقط من شأنها أن تزيد غضب واحباط الفلسطينيين؟ ولكن بدرجة كبيرة لا يوجد شريك ايضا بسبب أن اليسار يريد حل مسألة الاحتلال للعام 1967 بصورة ميكانيكية وفي ظروف معقدة، دون التطرق المناسب للصدمة الشاملة للطرف الفلسطيني في النزاع. يجب على اليسار تبني الموقف المطروح هنا، وأن يقنع الرأي العام في اسرائيل بأن تحمل المسؤولية والاستعداد لتحمل النتائج، هي الطريق البديلة للتعالي على ضائقة الآخر. طريق يوجد فيها تواضع وعقلانية في رؤية تاريخنا القريب.

هكذا نشكل أنفسنا من جديد، وهكذا يمكننا أن نشكل مجددا ايضا الطرف الآخر في الحوار. ان الأمل بالمصالحة، الذي يمكن أن يتطور في اسرائيل من خلال الاعتراف المتزايد باحتمالات أن عملية كهذه يمكن أن تخترق قلوب المؤيدين للمصالحة مع الفلسطينيين وتنبت ايضا أمل فلسطيني، عندما يتعزز هذا الأمل في اوساطنا ويثمر في نهاية المطاف عن تحالف للسلام في اسرائيل، فانه سيحرك لدى الفلسطينيين عملية مشابهة، يمكنها التغلب على قوى الشر في داخلهم من اجل التسليم والتنازل.

كلمات دلالية