خبر الثورة القومية تعود -يديعوت

الساعة 10:03 ص|23 أكتوبر 2017

فلسطين اليوم

الاسطورة اقوى من الواقع

بقلم: سيفر بلوتسكر

(المضمون: ما يحرك الناخبين في الزمن الحالي ليس المواقف الاقتصادية والاجتماعية للزعيم بل مدى كراهيته ونفوره من الاجانب- المصدر).

 

هذه ظاهرة عالمية: احزاب وحركات اشتراكية ديمقراطية تفقد مواقعها لدى ناخبيها الطبيعيين، الطبقة الوسطى الدنيا فما دون. ويتعاظم الهروب رغم أن استطلاعات الرأي العام في النمسا، بريطانيا، المانيا، ايطاليا ودول اخرى يتبين أنه في وعي الجمهور هناك لتعبير « الرأسمالية » تداعيات سلبية بالذات، فيما أن لتعبير « الاشتراكية » تداعيات ايجابية.

 

اليمين هو الان القوة السياسية الصاعدة والمحتلة. فحيال الشعبوية القومية – الاشتراكية لا يقف اليسار الديمقراطي بل يمين آخر، معتدل ومركزي. يمين سوي أكثر يقف كالسور المنيع في مواجهة يمين هاذ اكثر، ويسد، بنجاح حاليا، وصوله الى الحكم. اما اليسار بالمقابل لا يعتبر لاعبا هاما او أنه مستعد لـ « الانتحار سياسيا » من خلال عقد التحالفات مع اليمين الشعبوي – القومي والهاذي.

 

بضعة نماذج من الزمن الاخير: في نيوزيلندا قرر حزب العمال اقامة ائتلاف مع حزب قومي – شعبوي متطرف رفضه اليمين المعتدل. اما في كتالونيا فقد ارتبط اليسار الراديكالي بالقوميين الانعزاليين مطالبا بالسيادة الكاملة – والانفصال عن اسبانيا. في الحالتين، مثلما في حالات اخرى في التاريخ، يضعف هذا التعاون ويفتت اليسار ويعزز الشعبوية القومية – الاشتراكية.

 

في بولندا، حيث يسيطر بلا لجام حزب يميني قومي – شعبوي هو حزب « القانون والعدالة » فان القوة السياسية الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه قوته الكاسحة هو حزب يمين – وسط، « البرنامج المدني ». وماذا عن اليسار الاشتراكي الديمقراطي؟ انسوه.

 

ان افول اليسار، كما يشرح الشارحون، يعود الى نقص الاهتمام بالوضع الاقتصادي للطبقات الضعيفة، التي بالتالي تصوت لليمين. « بالتالي »؟ لان اليسار المزعوم ليس بما يكفي ماركسيا ومتطرفا في مواقفه الاقتصادية، يتوجه المصوتون الى اليمين القومي المتطرف. لهذا الزعم المدحوض تترافق توصية: من أجل احتلال قلب الناخبين المحبطين، فان الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية مطالبة بان تؤكد الرسائل الاقتصادية – الاجتماعية لدرجة الاقتراب من الشيوعية. غير أن هذه التوصية، في معظم الحالات، لا تنجح: فالناخبون لا يستجيبون لدعوات اليسار الثورية. والسبب؟ لانهم ليست الثورة الاشتراكية هي ما يريدون بل الثورة القومية المتطرفة.

 

ليس لطيفا لواضعي الافكار الليبرالية الاعتراف بان القوة المحركة للسياسة الجماهيرية اليوم هي القومية المتطرفة. ليس لطيفا الاعتراف بان التصويت للاحزاب الشعبوية القومية – الاشتراكية ينبع ليس من العنصر الاشتراكي في برنامجها بل من العنصر القومي المتطرف. وليس لطيفا على نحو خاص الاعتراف بوجود كراهية عميقة للاجانب أي « للعدو من الداخل » والذي يقصد به الجاليات القومية والدينية التي تعتبر مهددة من الداخل ومن الخارج للتميز القومي للدولة. ولا يهم ما هي حقا قوتها العدددية: فالاسطورة أقوى من الاحصاءات.

 

عودة الينا. ليس الاصل الطائفي للسياسي الاسرائيلي هو الذي يقرر مصيره في الانتخابات ولا الموقف السياسي والاقتصادية المعلن، مثلما اعتقد عمير بيرتس الاشتراكي. المقرر هي الصورة الحسية، ما قبل العقلية: اذا كان يتخذ صورة من « يحب »هم - العرب، الفلسطينيين، الاجانب بالعموم – فهو مرفوض للانتخاب. اذا كان يتخذ صورة من « يكره »هم، فهو قابل للانتخاب وموضع عطف حتى لو كانت كل كلمة ثالثة يقولها تقال بلغة اجنبية. عندما لاح في الانتخابات الاخيرة هبوط لليكود توجه رئيس الوزراء بدعوة انفعالية للمواطنين اليهود للمجيء للتصويت من اجل توازن تأثير « جموع العرب المندفعين نحو صناديق الاقتراع ». وتبين هذا التحريض الكاذب كناجع للغاية. فهو الذي على ما يبدو رجح الكفة لصالح نتنياهو.

 

اسحق رابين واريئيل شارون صدا الشعبوية وانتصرا في الانتخابات ليس لانه كانت لهما مواقف سياسية واقتصادية متبلورة (لم يكن لهما) بل لانه في اثناء انتخابهما لم يكن ممكنا لاحد ان يلصق بالزعيمين وصف « محب العرب ». بل ربما العكس. وما فعله الاثنان عمليا كرئيسين للوزراء لم يكن هاما لناخبيهما طالما كانت الكراهية، او على الاقل النفور العاطفي، من الفلسطينيين يعتبر كدافع خفي لقراراتهما. منذئذ، الى جانب الميول العالمية، فان عنصر النفور – الكراهية تعزز باستمرار، واليوم بات واضحا على نحو كاف بان التسوية السلمية بيننا وبين الفلسطينيين لن تكون سلام محبين – سيكون سلام كارهين. وهذه تسوية سلام اليمين سوي العقل (نسبيا) وليس سلام اليسار.

 

كلمات دلالية