خبر وهم معسكر السلام.. هآرتس

الساعة 03:27 م|20 أكتوبر 2017

بقلم

(المضمون: أوهام اليسار وعجز عباس في الوصول الى اي اتفاق مع اسرائيل  - المصدر).

وهم معسكر السلام الاسرائيلي، كيفما أدرناه، يفترض كأمر مسلم به ان حركة فتح بشكل عام ومحمود عباس بشكل خاص يتطلعان الى انهاء ما نسميه « الاحتلال » (اي الحكم العسكري الاسرائيلي على عرب الضفة). على هذا الاساس تدار باقي الحسابات. ولكن لعله ينبغي فحص هذه الفرضية بين الحين والاخر، لان الفلسطينيين يرفضون كل عرض واقعي لانهاء الاحتلال بل ولا يعرضون اي عرض واقعي من جانبهم (بالطبع باستثناء مطالبتهم بان تنتحر اسرائيل احتفاليا من خلال الاعتراف بما يسمونه « حق العودة »).

يمكن الافتراض، كما هو دارج في اليمين الاسرائيلي، بان الحديث يدور عن تعطش غير عقلاني للدم، عن كراهية عمياء وعن ثقافة تقدس الواقع. ما كنت لاستبعد هذه الفرضية، التي يوجد لها، كما يخيل لي، اساس معين في الحقائق. ولكن يجدر النظر الى ما هو ابعد من ذلك ايضا، الى المصالح الباردة، التي يمكن منها ايضا ان نتعرف على شيء ما عن الاحتمال في ان يؤدي نظام عباس الى انهاء النزاع.

أولا، اذا كان معسكر الوسط واليسار محقا في زعمه بان دولة واحدة بين النهر والبحر معناها غرق الصهيونية في ثنائية القومية، فلماذا يحتاج عباس لان يتطوع لانقاذ الصهيونية؟ وبالفعل، من لا يصر على الاستناد الى حفنة هزيلة من الاقتباسات الانتقائية (« عباس قال انه لن يعود الى صفد »)، يمكن أن يأخذ الانطباع بان الفلسطينيين لم يتنازلوا عن حلمهم في القضاء على الصهيونية، بل فقط استبدلوا الاسلحة التي بواسطتها يحلمون في عمل ذلك. ليس آخرة عسكرية مفاجئة، بل موجة ديمغرافية متصاعدة ببطء. ونجاعة السلاح الديمغرافي منوط بالطبع بمنع تقسيم البلاد. وبالتالي، اذا انتهى الاحتلال فسيتعطل هذا السلاح.

ثانيا، واضح تماما ان زعيما فلسطينيا يتنازل عن حق العودة، والذي هو حجر الاساس في الهوية الوطنية الفلسطينية، سيعتبر كافرا بالمبدأ. يحتمل أن تكون سمعة ياسر عرفات كانت تتيح له توجيه السفينة الثقيلة للفكرة الوطنية الفلسطينية الى مسار آخر، ولكن سمعة عباس اصغر بكثير. يخيل ان مثل هذا التنازل سيحدده الى الابد كخائن، وكابن موت.

ثالثا، الدكتاتورية المتهالكة للسلطة الفلسطينية تستند الى حراب الجيش الاسرائيلي. صحيح انه يوجد احيانا (الان مثلا) كل انواع التحالفات الانية مع حماس، ولكن هذه تنبع من صدف مؤقتة. عباس لا بد سيجد صعوبة في أن ينسى ما حصل لرجال فتح في غزة في 2006، حين شعرت حماس بانها قوية بما يكفي. واضح له بالتالي بان الضمان المستقر الوحيد الذي يوجد له ضد القاء رجاله من المباني مع عصمة على العيون، هو الاحتلال الاسرائيلي. اذا خرجت اسرائيل من الضفة، فمن شبه المؤكد انه لن يمر وقت طويل الى أن تسقط حماس السلطة الفاسدة، ومعقول ذلك بذات الطريق البربرية التي استخدمتها في غزة.

رابعا، البقاء المادي للدكتاتورية الفتحاوية لا يقوم على اساس التنمية الاقتصادية، التي اهملتها بثبات (باستثناء الفترة القصيرة لولاية سلام فياض كرئيس للوزراء). فهو مبني على الصدقات التي تأتي الى السلطة، استنادا الى استمرار ابقاء الفلسطينيين في مكانة ضحايا الاحتلال. وتيار المال هذا سيخف على ما يبدو اذا ما اضطرت السلطة الى استبدال الاحتلال بالاستقلال وادعاء الضحية بالمسؤولية.

كي تواصل أوهام معسكر اليسار بث الامل في الاتفاق عليه بالتالي ان يفترض أولا بان عباس سيتطوع لانقاذ الصهيونية؛ وثانيا ان يوافق على أن يسجل كخائن في  كتب التاريخ لشعبه؛ وثالثا ان يتنازل عن حقوق فتح ويقدم رقبته الشخصية للذبح؛ ورابعا ان يتنازل عن مكانة الضحية للفلسطينيين؛ وخامسا ان ينشر في ذات المناسبة الفرع الاقتصادي الذي أجلس شعبه عليه.

يبدو لي أنه كثير جدا ان نطالب حتى زعيم كبير بذلك، فما بالك من دكتاتور باهت.

كلمات دلالية