خبر عبء الاثبات ملقى على الفلسطينيين.. اسرائيل اليوم

الساعة 03:21 م|20 أكتوبر 2017

بقلم

(المضمون: إن نجاح المصالحة بين فتح وحماس هو مصلحة اسرائيلية. والسؤال هو اذا كان محمود عباس يستطيع تغيير مواقف حماس حول استخدام العنف واستعدادها لتقديم التنازلات - المصدر).

في يوم ما في بداية العام 1988 قالت لي سكرتيرتي إن السفير المصري في اسرائيل، محمد بسيوني، يوجد في المكتب ويريد مقابلتي على عجل. حينها كنت المدير العام لوزارة الخارجية، وكنت على ثقة من أنني الرجل الاكثر انشغالا في العالم، ولم أعرف لماذا يأتي الي سفير بدون اعلان مسبق. ولكن الذي جاء هو بسيوني المخضرم. وقد طلبت منه الدخول.

السفير كان متأثرا وغاضبا. « أنتم لا تعرفون ما الذي تفعلونه! »، وجه الانتقاد لي. « أنتم تقومون طوال الوقت باعتقال نشطاء تشتبهون بأنهم محسوبين على م.ت.ف، وتسمحون لنشطاء اسلاميين متطرفين أن يفعلوا ما يريدون لأنه يبدو لكم أن ما يهمهم هو القرآن وتقديم الدعم للمساكين. يجب عليكم الاستيقاظ والفهم أن هذه الجماعة المتطرفة هي العدو الحقيقي لكم ولنا! ».

بسيوني حدثني عن حادث معين اعتقل فيه فقط شباب محسوبين على فتح في حين لم يتم اعتقال الاسلاميين، أو تم اطلاق سراحهم على الفور. لم أكن أعرف عن الحادثة. وطلبت من عزرائيل نافو، الذي كان السكرتير العسكري لرئيس الحكومة في حينه اسحق شمير، المجيء إلي. وأخبرته عما قاله بسيوني وسألته اذا كان هناك امور كهذه. هو ايضا لم يعرف عن تفاصيل ذلك الحادث، وتعهد بالرجوع الي. بعد ساعات قال لي إنه فحص الامر مع الجهات المختصة وتبين أنه لا اساس للقصة وليس هناك تفضيل للحركات الاسلامية على الحركات القومية. حينها قمت بابلاغ بسيوني بذلك.

مرت ثلاثون سنة تقريبا على ذلك، وحتى الآن ليس واضحا اذا كانت تلك سياسة منظمة، لكن لا شك لدي الآن أن الاجهزة اخطأت في تقديرها أن الحركات الدينية أسهل عليها من الحركات العلمانية لعدم وجود مطالب سياسية لها، ولأنه يمكن تحقيق حاجاتها بسهولة اكبر. هذا كان خطأ استمر سنوات كثيرة، الى حين تبين أن حركة مثل حركة حماس صحيح أنها لم تناضل من اجل اقامة الدولة الفلسطينية، لكنها رأت في الغاء دولة اسرائيل اساسا لرؤيتها.

إن من يقومون بانتقادي لأنني ساعدت عملية اوسلو وم.ت.ف في النهوض من الأنقاض بعد دعم ياسر عرفات الاشكالي جدا لصدام حسين، على حق في ادعاءاتهم، كما أنهم يخطئون في التفكير أنه لو ضعفت م.ت.ف اكثر لكان من الافضل لاسرائيل أن تقف في وجه حماس. حسب رأيي كانت م.ت.ف بعد القرارات الهامة التي اتخذتها في 1988، شريكة محتملة في حل النزاع، في حين أن حماس كانت عنصرا يمكن التوصل معه الى طريق مسدود. إن من يرى في هذه البلاد كلها وقف اسلامي لا يمكنه التنازل.

في تشرين الاول 1993 قمت بزيارة تونس، والتقيت للمرة الاولى مع ياسر عرفات، وأجريت معه محادثة ليلية مطولة. من ضمن امور اخرى قال لي إن حماس هي مشكلته الاصعب، لأنها ستحارب اتفاق اوسلو. واضاف بأنه هو فقط الذي يستطيع التعامل مع حماس. وطلب مني فحص امكانية أن تقوم اسرائيل باطلاق سراح الشيخ احمد ياسين من السجن وتسليمه له. وحسب اقواله، اذا عرف ياسين بأنه قد تم اطلاق سراحه بناء على جهوده، فيمكن حدوث تغيير في سلوك حماس.

هذا الاقتراح لم يكن عمليا، وقد رفضه رئيس الحكومة اسحق رابين. في السنوات بعد ذلك، وبعد مذبحة باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي، حدث عدد من العمليات الانتحارية الشديدة التي نفذتها حماس، ولا شك أن هذه الحركة ساهمت كثيرا في تحفظات الجمهور من استمرار العملية السياسية.

في 2005 عندما أيدت حركة ميرتس برئاستي حكومة الليكود برئاسة اريئيل شارون من اجل أن ينفذ الانسحاب من غزة، حاولت بلا جدوى اقناع شارون بالقيام بذلك في اطار اتفاق مع الرئيس الفلسطيني الجديد محمود عباس. وعندما قلت له إنه يعطي هدية لحماس، قال لي إنه حسب رأيه ليس هناك فرق بين م.ت.ف وحماس لأنهما تريدان نفس الأمر. وقلت له إن هذا بالضبط مثل قول إنه لا فرق بين ميرتس وكهانا، لأنهما صهيونيتان. واكتفى بالابتسام.

الخيار الفلسطيني

وجهة نظر شارون هذه جعلته يوافق على طلب حكومة بوش الابن تمكين حماس من خوض الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني. بصورة معارضة تماما للاتفاق الذي منع مشاركة جهات وشخصيات تدعو لاستخدام العنف في الانتخابات. ربما اعتقد مثل بوش نفسه، أن هذه افضل الطرق لاضعاف حماس. لأنها لن تحصل على أكثر من 30 في المئة من الاصوات، وستتحول الى جزء من السلطة التنفيذية، وستواجه مشاكل يومية وستعرف أن « الامور التي نراها من هنا لا نراها من هناك »، وستقوم بتغيير جلدها.

فوز حماس في الانتخابات جاء بالأساس من ضعف فتح لأنه في مناطق كثيرة ترشح نشطاء محسوبين على فتح الواحد ضد الآخر، وشتتوا الاصوات. الفوز فاجأ حماس نفسها كما فاجأ الفلسطينيين والاسرائيليين والعالم: حركة عارضت بشدة اتفاق اوسلو انتخبت لتحكم من خلال الاطار الذي نشأ عن هذا الاتفاق، وواصلت معارضته. العالم قال لحماس حسنا، لقد تم انتخابكم بصورة ديمقراطية (وكانت الانتخابات معقولة)، لكن الآن عليكم الاعتراف باسرائيل واتفاق اوسلو والتخلي عن الارهاب من اجل التحدث معكم. وفي حماس قالوا إن أحدا لا يضع شروط كهذه قبل الانتخابات، وفقط لأننا انتخبنا خلافا لتوقعات العالم، يطلبون منا شروط غير ممكنة، كي يكون هناك تبرير لعدم الاعتراف بنا وبفوزنا. هذا الشعور لدى حماس المتمثل في أنه على الرغم من انتخابها، بقيت السلطة الفعلية في أيدي الجهة الخاسرة، أدت بها الى الدخول في صراع عنيف ضد حماس والسيطرة على القطاع قبل عشر سنوات.

المصلحة الاسرائيلية هي أنه سيقف امامنا جسم فلسطيني ممثل واحد، يعارض استخدام العنف ومستعد للتوصل معنا الى مصالحة تاريخية تكون جيدة للطرفين. إن سياسة « فرق تسد » جيدة فقط لمن يريد الحكم، لكن الاغلبية الساحقة في اسرائيل ليس لها اهتمام بحكم الفلسطينيين. إن المصالحة بين معسكرين صقوريين وايجاد عنوان فلسطيني واحد من جديد هي افضلية لهم ولنا.

المهم من جهتنا هو ألا تتحول حماس الى حزب الله داخل النظام الفلسطيني. هذا ما قاله بالضبط بشكل علني محمود عباس. اذا توقفت حماس عن انشاء مليشيا عسكرية وكانت مستعدة للموافقة على موقف الاغلبية الفلسطينية بخصوص اتفاق مستقبلي مع اسرائيل، فسيكون ذلك هو الامر الاصح. أما اذا تمسكت حماس في اعقاب الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في الاسبوع الماضي ببقاء السلاح في أيديها وأن يكون القرار في أيديها حول استخدامه ضدنا من غزة أو من الضفة الغربية، فستضطر اسرائيل لأن ترى في محمود عباس المسؤول عن أي استخدام حماسي للعنف (سنضطر الى معارضة الاطار المشترك الذي ستقيمه المنظمتان الفلسطينيتان المتخاصمتان).

كلمات دلالية