خبر الى الامام سر ثم انعطف..هآرتس

الساعة 09:38 ص|18 ديسمبر 2008

بقلم: اري شفيت

لحظة تسامح السياسة الاسرائيلية سنحت قبل ثلاث سنوات. بعد ان تصدى "للارهاب" وكذلك انسحب من غزة، تمتع اريئيل شارون بقوة سياسية غير مسبوقة. بعد ان سئم اليمين، ولكنه كان يخشى من اليسار ايضا كان مصمما على اقامة حزب وسط سياسي. ولكن عندما تمازجت قوة شارون مع اصراره نشأت امكانية احداث الفرقعة الكبرى. في شهر تشرين الثاني- كانون الاول 2005 اعطي لرئيس وزراء عجوز ومحبوب حق لم يحصل عليه احد من اسلافه: اعادة تعريف السياسة الاسرائيلية من جديد والتخلص من التطرف ومن المتفرغين السياسيين والنشطاء واعطاء اسرائيل حزب امل عقلاني ونوعي.

 

اسم الحزب الجديد الاصلي كان المسؤولية – الوطني. كان من المفترض ان يعبر هذا الحزب عن رغبة الاغلبية الاسرائيلية المتعقلة والساعية الى الانسحاب من المناطق رغم عدم وجود ثقتها بالفلسطينيين. كان من المفترض ان يجسد هذا الحزب صوت الاغلبية الصهيونية المعتدلة، الساعية للعيش في دولة يهودية ديمقراطية، غربية ومتقدمة. وكان من المفترض به ان يطلق الحواجز التي تسببت في عزل الكنيست والحكومة والسياسة كليا وتجريدها من نقاط القوة التي يتمتع بها المجتمع الاسرائيلي والاقتصاد الاسرائيلي وثقافة الحياة في اسرائيل.

 

الطاقة الكامنة الانتخابية التي كانت لدى حزب المسؤولية – الوطني بلغت حسب التقديرات خمسون مقعدا برلمانيا. وبما ان الحزب الجديد لم يمتلك مؤسسات ملتزمة او متمردة- كان كل شيء مشرعا ومفتوحا. دستور الحزب منح شارون قوة غير محدود، وكان بامكانه ان يضم اليه اجود الشخصيات وخيرتها. كان بامكانه ان يجلب للكنيست 20 بروفيسورا ومديرا عاما ومربيا وقائدا جماهيريا وتجاريا من الدرجة الاولى على الاقل. وكان بامكانه ايضا ان يبلور قيادة نوعية لا تكون ملتزمة بالسياسة القطاعية وانما بالمسؤولية الوطنية العامة والاجماعية. وكان بمقدروه ان يترجم المشاعر الداخلية الى فلسفة شمولية تجسد الطريق الثالث. وكان بامكان شارون ان يدمج بين مفاهيم اليسار ومفاهيم اليمين، وان يبلور خطة اسرائيلية لتحويل حزب المسؤولية- الوطنية الى مباي 2000.

 

الا ان شارون لم يفعل كل هذه الامور. ربما لم يرغب وربما لم يتمكن من ذلك. سرعان ما تحول حزب المسؤولية – الوطني الى كاديما. عندما انهار شارون قام ايهود اولمرت بكل ما يعرف ايهود اولمرت القيام به: وضع اصدقاءه في الحزب الجديد في المواقع التي وضعهم فيها. رؤوفين ادلر يعرف ما يعرف ادلر القيام به: صوت الحزب الجديد بصورة اغرافيكية تصميمية وخداعة فائقة. وهكذا تحول الحزب الذي افترض به ان يبدأ السياسة من جديد الى حزب مضلل في السياسة وذر للرماد في العيون. كاديما اصبح شركة حزبية بلا مبادىء وبلا قيم وبلا طريق. كاديما اصبح مستثمرا تسويقا منح الديمقراطية الاسرائيلية "الاخ الاكبر" ومنح القناة الثانية نسبة مشاهدة عالية.

 

كاديما فشل وفشل وفشل خلال سنوات وجوده الثلاث. هو تعهد باجلاء 70 الف مستوطن حتى عام 2010 ولكنه لم يخلي مستوطنا واحدا. وهو وعد بانتصار ساحق بحرب لبنان الثانية وفشل فشلا ذريعا واقسم باسم السياسة النظيفة ورفع رايتها الا انه جسد امامنا سياسة ملوثة قذرة. وصرح بولائه لسلطة القانون الا انه داس على هذه السلطة. هو تفاخر بالادارة الاقتصادية الاحترافية ولكنه قاد الاقتصاد مثل الهواة، بدلا من تحويل اسرائيل الى دولة نوعية متطورة حولها الى دولة ذات قيادة وطنية فاشلة وفاسدة.

 

ورغم ذلك ما زالت الاغلبية الاسرائيلية تجد صعوبة في الانفطام من وعد حزب المسؤولية – الوطني. ما زالت هذه الاغلبية تطلب ما طلبته عندما ايدت شارون وفرقعته الكبرى، ولذلك ما زال الكثيرون يطالبون بتسيبي لفني. هذا ما ينتظره الكثيرون وهم يريدون ان يتغلب حزب كاديما على خيبة الامل التي تجسدت فيه. جزء كبير من الجمهور الاسرائيلي مستعد لصفح عن حزب اولمرت عن سنوات اولمرت شريطة ان يقدم عرضا حقيقيا لفترة ما بعد اولمرت.

 

ولكن هذا العرض يتباطأ في القدوم. حملة كاديما فارغة. حزب الوسط لا ينجح في اطلاق رسالة حقيقية للامة وهو لا يجابه الاخفاقات التي حصلت في السنوات الثلاث الاخيرة ولا يشير الى طريق واضح للسنوات الثلاث القادمة. ايضا انتخابات كاديما التمهيدية الغريبة التي جرت بالامس جاءت لتعزز الشعور بانه لا صلة تقريبا بين المسؤولية الوطنية التي وعد كاديما الناس بها وبين الاستباحة والتفريط الوطني الذي جسده.

 

وهكذا فان المهمة الملقاة في هذا الصباح على عاتق رئيس كاديما هي مهمة ضخمة. ان لم تستفق هذه الحركة ولم تحدد لنفسها رسالة ولم تبلور طاقما اقتصاديا سياسيا ممتازا فلن يكون بامكان قائدتها تسيبي لفني ان تمنع اوفولها. اسرائيليون كثيرون ما زالوا يرغبون بان يتحقق الامل الذي علقوه على تسيبي وقيمها العقلانية ولكن تسامحهم مع الهزل والسخافة المحيطة بها آخذ في الانتهاء.