خبر ليست معدة للمفاجآت.. هآرتس

الساعة 10:29 ص|17 ديسمبر 2008

بقلم: عميرة هاس

التخطيط والتنظيم وضبط النفس والنظام – كل ما تميزت به تظاهرة حماس الحاشدة في غزة – تعبر عن اساليب عمل الحركة الظاهرة والخفية. الجماهير هناك احتفلت طواعية بالذكرى الواحدة والعشرين لتأسيس حماس. عدد النساء الكبير جدا للواتي شاركن في المظاهرة يشير هو الاخر الى التأييد الواسع الذي لم يتراجع بسبب الاغتيالات الواسعة التي قامت بها اسرائيل لقادتها بل على العكس.

السيارات المتوجهة للمسيرة حملت لافتات كتب عليها "ابو مازن انتظرنا نحن قادمون الى رام الله". رام الله بعيدة الا ان أتباع فتح قريبون وهم فضلوا الاختفاء من الشوارع. اجل فحماس تعرف ايضا كيف تستخدم وسائل التخويف والردع.

حماس في قطاع غزة ترتدي ثلاثة قبعات: الحزب الحاكم، الحركة الشعبية، والحركة شبه السرية وتنظيم عسكري مقاتل. كان هناك تقدير بان اضطلاعها بدور الحزب الحاكم سيتناقض مع نظرتها لنفسها كحركة مقاومة للاحتلال الاسرائيلي الامر الذي سيؤدي الى اضعافها او التنازل عن احد الدورين. ولكن الحقائق في الوقت الحالي تشير الى شيء آخر. ظروف المختبر القائمة في غزة المعزولة تتيح للدورين ان يتعايشا معا بسلام جنبا الى جنب.

الخطاب المقاوم تجسد في المسيرة بصورة واسعة. عدد كبير من الشباب التحقوا مؤخرا بالذراع العسكري لحماس وبصورة تتجاوز عدد الملثمين الذين ظهروا في المسيرة بكثير. المشككون و"الكفرة" ذوي الميول الاشتراكية يقولون ان ذلك ليس غريبا لان الشبان لا يجدون شيئا يفعلونه في غزة المغلقة الا الذهاب للمسجد والالتحاق بمقاومة حماس. هذا ادعاء مثير للاستغراب لان المنضمين لحماس اكتشفوا النور ونبراسهم هو بذل الروح في سبيل مستقبل الشعب.        

والمستقبل يبدو على هذا النحو بصورة عامة: حماس تقبل حل الدولة الفلسطينية ضمن خطوط حزيران 1967. اما ما بعد ذلك فيطرح على الشعب بصورتين: الدولة لن تتحقق الا بالكفاح المسلح الحقيقي ("وليس كفاح م.ت.ف") وعندئذ ستحين اللحظة التي تسترجع فيها فلسطين لاصحابها الشرعيين. اما الرواية الثانية المختصرة فتتجاوز مرحلة 1967 وتصل الى المستقبل مباشرة.

مدى حماس الزمني كحركة دينية سخي جدا. المستقبل للاسلام حتى ان كانت من نصيب الاحفاد او ابنائهم. هذا مستقبل ملموس جدا والدلائل عليه موجودة في القرآن. كل مؤمن يعرف كيف يقتبس النصوص القرآنية ويعرف ان اللحظة السانحة ستأتي عندما ستتغلب الدول العربية والشعوب الاسلامية على حكامهم المؤيدين لامريكا. ذات مرة كان لفتح وم.ت.ف جدول اعمال مشابه لتحرير كل فلسطين ولكن عندما اتضح ان المستقبل يتحول الى ملجأ نفسي فضلت الفصائل الوطنية تسوية وسطية تتلاءم مع الحاضر.

للوهلة الاولى يبدو أن حماس هي الاخرى تتعامل مع الحاضر. رئيس وزراء حماس اسماعيل هنية وعد الناس في خطابه امام المسيرة بتسهيلات مادية وعلاوة بسيطة للمعلمين ومساعدة فورية لثلاثة الاف طالب وعشرة الاف عائلة مستورة وميزانية خاصة للمهن الصغيرة وغير ذلك. حكومة غزة تقول على رؤوس الاشهاد ان لديها سبلا خاصة بها للحصول على المال وبناء ميزانية رغم الحصار العالمي. ولكن تقديم المساعدة الفورية لا يحتاج لحكومة. الانروا وغيرها من المنظمات الدولية يقدمون المساعدة لعدد اكبر من المحتاجين والحاضر يتجاوز الوعود بتقديم الطعام والصدقات بكثير.

حماس كحركة سياسية متراصة تجيد تقدير ما يقوم به خصومها واعداؤها. قادتها قدروا ان فتح ستبذل كل ما بوسعهم لعرقلة نتائج انتخابات (2006) واستعدوا بما يتلاءم مع ذلك . حماس قامت بترسيخ سياستها منذ اوسلو على الافتراض بان اسرائيل ستبذل كل ما بوسعها لاحباط حل الدولتين في حدود حزيران. تاريخ توسيع المستوطنات وقطع اوصال الضفة وعزل غزة منذ 1993 – برهن عن انهم كانوا محقين في تقديراتهم.

حماس ليست معدة للمفاجآت كحركة تحب النظام واسرائيل تواصل عدم المفاجآت فعلا هي تواصل الامساك بالحاضر الفلسطيني المتحكم بالكهرباء والماء والبوابات. وهذا واقع اقفاص الدجاج من دون انتاج او حرية حركة أو حاضر. ما تبقى للفلسطينيين في غزة والضفة – هو ماضٍ بطولي واسطوري اما المستقبل الذي يستخدم كمهرب فهو من نصيب السياسة الدينية.