خبر لماذا تفضّل «حماس» الإبقاء على غزّة؟ ..هاني المصري

الساعة 06:42 ص|17 ديسمبر 2008

الحياة     - 17/12/08//

حركة «حماس» هي جزء من حركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهي تشكل في الوقت ذاته امتدادا لحركة «الإخوان المسلمين». ومن دون رؤية هاتين الحقيقتين لا يمكن تقييم ولا فهم دور «حماس». وإذا لم تتعمق حقيقة «حماس» بوصفها جزءاً من حركة الشعب الفلسطيني وتطغى على حقيقة أنها جزء من حركة «الإخوان» ستبقى «حماس» حائرة ما بين تبني المشروع الوطني الفلسطيني، وبين تبني المشروع الإسلامي الذي يمتد من فلسطين الى اندونيسيا وباكستان مرورا بالعالم العربي، وتعتبر فلسطين بالنسبة اليه نقطة في بحر.

كانت حركة «الإخوان المسلمين» حركة محافظة تتحالف مع الدول المعتدلة التي تربطها صداقة حميمة مع الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي والأحزاب الشيوعية. أما «حماس» فأدركت أهمية أن تساهم بالمقاومة الفلسطينية للاحتلال، وذلك بعد الثورة الإيرانية وتراجع الحركات القومية وصعود الإسلام السياسي، بعد أن نأت بنفسها طويلا عن النضال الفلسطيني ولم تساهم فيه إلا بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى في كانون الاول (ديسمبر) 1987. ولو نجحت محاولة «حماس» الدخول الى النظام السياسي الفلسطيني بعد مشاركتها في الانتخابات التشريعية عام 2006، لأصبح العامل الوطني فيها أقوى من تأثير حركة «الإخوان» عليها.

وحتى ندرك ما يميز «حماس» علينا أن نعرف أنها انطلقت من خارج إطار منظمة التحرير ولم تكن مهتمة بالمشاركة في المنظمة. وعندما كانت تضطر للحديث حول هذه المسألة أو تجبر على خوض حوار فلسطيني داخلي مثل حوار الخرطوم في 1990 كانت تطرح شروطا تعجيزية مثل ضرورة تمثيلها بنسبة لا تقل عن 40 في المئة من حجم تمثيل مؤسسات المنظمة كافة (المجلس الوطني، المجلس المركزي، واللجنة التنفيذية). فطرح هذه النسبة للمشاركة لم يكن جدياً وإنما تكتيك اعتراضي هدفه عدم تحمل المسؤولية عن عدم المشاركة.

بعد الانتفاضة الثانية حدث تحول استراتيجي في فكر وسياسة «حماس». فأدركت أن اتفاق اوسلو رغم أنها رفضته ولا تزال أصبح واقعا سياسيا لا مفر من التعامل معه. كما أدركت أن هناك قرارا عربيا ودوليا بعدم السماح بقيام منظمة بديلة، بحيث بات لا مفر من انخراطها في المنظمة بدلا من خلق بديل عنها كما كانت تحلم منذ تأسيسها الى آذار (مارس) 2005، عندما وافقت على إعلان القاهرة الذي جسد الاتفاق على إصلاح منظمة التحرير بحيث تضم الجميع. وساعد «حماس» على اتخاذ هذا القرار أن اتفاق اوسلو فشل.

ومن أجل الاستعداد للمشاركة في النظام السياسي الفلسطيني، أجرت «حماس» سلسلة تغييرات في مواقفها وبرنامجها، مثل:

- تأكيد موافقتها على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مقابل هدنة طويلة الأمد مع اسرائيل.

- الموافقة على هدنة مع اسرائيل ابّان تشكيل أبو مازن حكومته عام 2003، وجددت التهدئة مرات عدة في أعوام 2005 و2008.

- شاركت «حماس» بالسلطة التي قاطعتها قبل ذلك ودعت الى حلها باعتبارها أحد افرازات أوسلو.

- وافقت في وثيقة الأسرى (وثيقة الوفاق الوطني) عام 2006 وفي رسالة أعطتها للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر عام 2007 على تفويض أبو مازن ومنظمة التحرير بالتفاوض باسم الشعب الفلسطيني على أن يعرض ما يتم الاتفاق حوله على استفتاء شعبي.

- أكدت في برنامج حكومتها التي شكلتها بعد الانتخابات التشريعية عام 2006، ثم في مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية عام 2007 على احترامها للشرعية العربية والدولية، وللاتفاقات التي عقدتها المنظمة مع اسرائيل.

- وافقت على المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية ولم تصر على وزارات السيادة رغم حصولها على الغالبية في المجلس التشريعي.

لكن «حماس» لم تجد التشجيع على اعتدالها من اسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وبدلا من ذلك فُرضت المقاطعة على حكومتها ثم على حكومة الوحدة الوطنية، واصطدمت بأن الوزارات والأجهزة الأمنية تدين بالولاء لحركة «فتح»، مما دفعها الى تنفيذ الحسم العسكري في غزة. وهذا أدى الى الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني والمفتوح على احتمالات سيئة، منها أن يقود الى سلطتين برئيسين ومجلسين تشريعيين وحكومتين.

لماذا اعتذرت «حماس» عن المشاركة في حوار القاهرة؟

قالت «حماس» إنها اعتذرت للأسباب التالية: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين التابعين لها في الضفة - ضرورة مشاركة الرئيس ابو مازن في الحوار كطرف وليس كراع للحوار. - أن تقبل مصر بالملاحظات التي قدمتها «حماس» على الورقة المصرية قبل الذهاب الى الحوار.

و «حماس» تضع الشروط على الحوار لأنها تعتقد أن تحقيق المصالحة الآن لن يكون في صالحها. فعقدها بعد حدوث بعض التطورات أفضل لها، مثل: إتمام صفقة تبادل الأسرى - تسلم باراك اوباما سدة الحكم - إجراء الانتخابات الإسرائيلية - معرفة مصير مؤتمر حركة «فتح» - معرفة مصير الملف الإيراني والمفاوضات السورية - الإسرائيلية.

إن «حماس» غير متحمسة الآن للتخلي عن سيطرتها على غزة من دون أن تضمن مشاركة كاملة في السلطة والمنظمة. فغزة في اليد أفضل من عشرة عصافير على الشجرة في الضفة. وخصوصا أن الضفة محتلة وإسرائيل هي اللاعب الرئيسي فيها، ولن تسمح لـ «حماس» لا بالسيطرة على الضفة ولا بالشراكة الكاملة مع «فتح» في السلطة قبل تلبية الشروط الإسرائيلية.

 

* كاتب فلسطيني