خبر كلمة السر في فشل أو نجاح المصالحة

الساعة 04:20 م|24 سبتمبر 2017

بقلم

يمكن للإنسان أن يتفاءل أو يتشاءم، حيال التطور الذي جرى خلال الأيام المنصرمة، على ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، لكن لا المتشائمين ولا المتفائلين يمكنهم أن يتجاوزوا حقيقة أن المصالحة ليست قضية إدارية أو فنية، أو حتى أخلاقية وحسب، المتفائلون نوعان، نوع يركن إلى التمنيات الطيبة والدعوات لإصلاح ذات الحال، والنوع الآخر يمكن تصنيفه على أنه من «السحيجة» المنتمين لهذا الفريق أو ذاك، وينطلقون من ثقة عمياء بقياداتهم التنظيمية والسياسية. المتشائمون أيضا نوعان، نوع محبط فقد الثقة بكل ما ومن حوله وبجواره، ولا يرى إلا من خلف نظارة سوداء، والنوع الآخر يحاول ان يفحص بموضوعية مدى تفاعل العوامل الدافعة والأخرى الكابحة، ومدى كفاية الآليات التي تشتغل في ملف المصالحة.

الكل يتمنى والكل يصلي من أجل نجاح هذه الجولة الجديدة من البحث عن تغيير الواقع الفلسطيني عبر مصالحة وطنية، تحتاجها القضية، ويحتاجها الشعب، وتستدعي إنجازها بالأمس قبل اليوم طبيعة التحديات المتضخمة التي تواجه وتنتظر الكل الفلسطينيين. لن يحاسب أحد أحدا على مدى صوابية رأيه إن كان متفائلا أو متشائما، فلم تبق الفصائل لشخصية مهما كان شأنها أي مجال للفعل والتأثير، حتى يكون ذلك سببا لانتقاد الأشخاص الذين يتلاومون ويتشاتمون وينقسمون على بعضهم أسوة بما تفعله فصائلهم.

بمعزل عن دور الاحتلال ومصالحه، وبمعزل أيضا عن النوايا، وحتى بمعزل عن العوامل العربية والإقليمية إن كانت مساعدة أو معطلة، فإن ملف المصالحة لا يقف عند القضايا الإجرائية إن كانت تبادلية أو متزامنة وإنما هو مرتبط في الجوهر في مسألة الشراكة. المصالحة هي في جوهرها تتعلق بمدى استعداد الطرفين الرئيسيين في الحركة الوطنية لإعادة بناء المؤسسة الوطنية والمجتمعية على أساس من الشراكة الحقيقية، المبنية على القناعة أو حتى على قدر من الضغط المحسوب، الذي لا يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.

في الواقع نشأ إثر فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد التشريعي في انتخابات عام 2006، حالةٌ جعلت حماس تتطلع إلى أنها الطرف المؤهل وصاحب الحق الشرعي في إدارة السياسة الفلسطينية، والحصول على الأغلبية في مؤسساتها. في المقابل فإن حركة فتح التي تسيطر على مؤسسات القرار الفلسطيني في المنظمة والسلطة وتدير السياسة الفلسطينية، ترفض مثل هذا التغيير الذي تسعى إليه حماس. خلال سنوات الانقسام حاولت حماس أن تحصل على الشرعية وأن تحظى بموافقات على كونها بديلا لمنظمة التحرير لكنها لم تنجح، وذلك بسبب فهمها القاصر لطبيعة التطورات، والعوامل المتعلقة بالشرعيات الفلسطينية. ثمة معنى عميق لاعتراف السيد خالد مشعل بخطأ تقدير الحركة الذي قادها للاعتقاد بأن الانقلاب عام 2007، كان مؤشرا قويا على انهيار حركة فتح. اختلفت الأمور بعد مؤتمر حماس وصدور وثيقتها السياسية، واختيار قيادتها الجديدة التي تعكس انتقال قرار الحركة إلى الداخل الفلسطيني وخصوصا إلى غزة حيث الثقل الأساسي لحماس. على أن المرونة التي أظهرتها حماس مؤخرا، بالموافقة على الشروط الثلاثة التي طرحها الرئيس محمود عباس وأولها حل اللجنة الإدارية، وحتى ما يمكن أن يتوقعه البعض من تنازلات أو مرونة إضافية لا يصل إلى مستوى القبول بما تسعى إليه فتح التي تسعى لشراكة تكون فيها حماس تنظيما ثانيا، ومعارضا مؤدبا، بما لا يمس من سيطرة فتح على المؤسسة. بعد اتفاق الشاطئ وحل حكومة الوحدة الوطنية صرح رئيس الحركة إسماعيل هنية بأن حركته تخلت عن الحكومة ولم تتخل عن الحكم، والحقيقة هي أن فتح تعمل على أن تتخلى حماس عن الحكم أيضا بعد تخليها عن اللجنة الإدارية. التجربة السابقة منذ أكثر من عشر سنوات، قدمت نماذج عملية في الحكم لا تعرف الشراكة ولا تتعرف عليها، فقد انفردت حماس في حكم قطاع غزة، وانفردت فتح إلى حد كبير في الحكم سواء في السلطة أو المنظمة.

هل يمكن أن تتغير هذه العقلية التي تعكس رؤيةً سياسية، لبناء وصياغة تجربة جديدة قائمة على مبدأ الشراكة الحقيقية حتى يمكن ضمان تحقيق المصالحة؟ نعم يمكن ذلك لكنه يحتاج إلى حوار وطني بمشاركة الكل الوطني ولبناء شراكة وطنية شاملة لا تستثني أي فاعل سياسي، حوار يضمن صياغة مقبولة لدور كل طرف بدون أن تخضع لعوامل الضغط والإكراه، وتكتيكات الاستدراج، ونصب الأفخاخ، ووضع الفيتو على هذا الطرف أو ذاك.

كلمات دلالية