خبر عدم الاكتراث مقابل الجنون -يديعوت

الساعة 10:21 ص|06 سبتمبر 2017

فلسطين اليوم

ما العمل مع كوريا الشمالية

بقلم: سيفر بلوتسكر

(المضمون: استراتيجية ادارة ترامب، وليس هي فقط تجاه كوريا الشمالية مغلوطة بالتالي من اساسها. من الافضل لامريكا وللغرب أن تتحلى بالصمت. ان تمتنع عن رد هستيري على تجربة اخرى، اطلاق آخر، ابتزاز آخر - المصدر).

 

في تموز 1950 اجتاز الجيش الثوري لكوريا الشمالية خط العرض 38 الذي فصل بين منطقة السيطرة الامريكية ومنطقة السيطرة السوفييتية في شبه الجزيرة الكورية التي حررت في 1945 من احتلال اليابان. واطلق الغزو الحرب الكورية، التي اصطدمت فيها جيوش الغرب وجيوش الكتلة الشيوعية، بما في ذلك قرابة مليون مقاتل مساعد من الصين الشعبية، بعضهم فقط جنود حقيقيون. ولكن حتى هذه الكتلة الانسانية لم ترجح الكفة. في 1953 وقع اتفاق وقف النار، الذي ابقى على حاله تقسيم شبه الجزيرة. وعبر الاتفاق عن تفوق الكتلة الغربية والهزيمة في ميادين المعارك والسياسة للكتلة الشرقية.

 

« الحرب الاهلية »، كما تسمى حتى اليوم في كوريا الجنوبية، كلفت حياة مئات الآلاف. الشمال، الذي اعتبر عشية الحرب صناعيا ومتطورا اكثر، غرق في تخلف عميق في ظل نظام الطغيان الذي دمج اساسات من الشيوعية منفلتة العقال، عبادة شخصية مجنونة، قومية متطرفة وصوفية. وانطوت كوريا الشمالية على نفسها واغلقت عليها الابواب عن العالم من خلف ستار حديدي سميك على نحو خاص. اقام حكامها فيها نظاما على النمط الستاليني وخاضوا حملات تطهير ومنعوا تماما حق الملكية الخاصة ودهوروا الاقتصاد الى فقر مدقع.

 

حين سقطت الشيوعية في اواخر العقد الثامن من القرن العشرين، استخلص حكام كوريا الشمالية درسا خاصا بهم: وحده السلاح النووي يمكنه أن يحمي سيطرتهم. ووجدوا سبيلا لأن يطوروا في الخفاء قدرات ذرية لا بأس بها. استغرقت العملية عشرات السنين في ظل استخدام الالاعيب، اموال الدم وخرق الاتفاقات الدولية. ولكوريا الشمالية توجد الآن قدرات عسكرية نووية مثبتة، وإن كانت محدودة جدا ولا تسمح لها بأي حال « بضربة ثانية ». ولكنها تسمح لها بتدمير اجزاء من كوريا الجنوبية المزدهرة والنامية وفقا لافضل النماذج الغربية.

 

هل هي معنية بذلك؟ لا. صحيح ان النظام الحالي تشي بيونغ يانغ يقوده طاغية شاب، وحشي ويعيش في الهذيان، ولكنه لا يتطلع الى ابادة « شقيقته » الجنوبية. ليس في الديماغوجيا المزبدة للشمال تهديدات على الجنوب. هدفها مختلف: التطور دون التنازل عن طريقة الحكم وعن الحاكم. من هنا فان الخيار السليم للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص هو عدم التأثر من أي تجربة نووية كورية شمالية. عدم الرد، عدم التهديد، الجلوس في صمت، السكوت. فهدف التجارب الاستعراضية، فضلا عن الاحتياجات الفنية، هو دفع الولايات المتحدة الى الرد ( لفظيا) بالغضب والتهديد، وهكذا تتمكن دعاية الشمال من أن تشرح لمواطني الدولة لماذا يتعين عليهم أن يشدوا الاحزمة المشدودة على أي حال – لأن العدو الامريكي يريد ابادتنا ويريد أن ينهي ما لم

 

ينجح في تحقيقه في حرب 1950 – 1953. وهو لن يتجرأ على تحقيق مبتغاه فقط لأن لدينا قنبلة ذرية وصواريخ بعيدة المدى تهدده وتهدد اليابان الكريهة.

 

استراتيجية ادارة ترامب، وليس هي فقط، تجاه كوريا الشمالية مغلوطة بالتالي من اساسها. من الافضل لامريكا وللغرب أن تتحلى بالصمت. ان تمتنع عن رد هستيري على تجربة اخرى، اطلاق آخر، ابتزاز آخر. صمت الولايات المتحدة، عدم الاكتراث الظاهر لمواجهة جنون بيونغ يانغ، يبدو الآن هو السبيل الوحيد لاحداث التغيير في كوريا الشمالية، تغيير يأتي من الداخل؛ فكي يكون ناجعا ودائما ينبغي دوما أن يأتي من الداخل.

 

قد يفاجيء هذا الكثيرين، ولكن بالذات في العامين الاخيرين تبدي كوريا الشمالية مؤشرات واضحة على الحراك غربا. فالنظام يشجع اقامة اسواق شبه رأسمالية، يسمح المزيد فالمزيد من الاحتفاظ بالملكية الخاصة، يتجاهل العلاقات مع الاقرباء من الجنود، بل ويبدأ بتحفيز التنمية التكنولوجية. من النموذج السوفييتي المتطرف انتقلت كوريا الشمالية الى النموذج الصيني: انفتاح اقتصادي كبير، انفتاح ثقافي صغير، صفر انفتاح ايديولوجي وسلاح نووي يوجد لها.

كلمات دلالية