خبر قالوا عن الأعشاب الطبيعية.. فماذا تقول أنت !

الساعة 08:44 ص|05 سبتمبر 2017

فلسطين اليوم

الدكتور الصيدلاني/ محمود عبد اللطيف الشيخ علي

على مدار التاريخ لا يهاجم الا الناجحون، لكن إذا كان هذا الناجح لا يوجد له رصيد سابق يدافع عنه فمهما وصل نجاحه فهو مهدد في ظل الهجمة عليه، لكن المهاجم اليوم هو « العلاج بالأعشاب الطبيعية » والتي لها رصيد تدافع عنها منذ خلق الله ادم، فأصوات المهاجمين سرعان ما ترتد عليهم بفطرة المستمع، والاروع من ذلك انه ما زال في جعبة النباتات الطبيعية أسرار للدفاع عن ذاتها لا يعلمها إلا خالقها.

بين الفينة والأخرى، تتعالى الاصوات حول ضرر العلاج بالأعشاب الطبيعية، سواء كانت هذه الاصوات تتعالى متعمدة أو عن جهل، فالنباتات لا تحتاج من يدافع عنها فهي برصيدها الممتد منذ آلاف السنين لديها القدرة أن ترد الصاع صاعين.

لذلك قررت الحديث في هذا الجانب ليعرف القارئ مدى ظلم الإنسان للطبيعة، وكيف حين تركها ولجأ لسواها من المواد المصنعة بدأت قواه تنهار، اعتقاداً منه أن العلاج بالأعشاب أصبح من الماضي، لكن كل يوم تتعالى الأصوات للعودة للماضي وهذا ما دفع منظمة الصحة العالمية للقول « الطب التقليدي (الشعبي) هو جزء هام من الخدمات الصحية، إلا انه لا ينال حقه في الاهتمام والتقدير » (استراتيجية منظمة الصحة العالمية في الطب التقليدي « الشعبي » 2014-2023)، وايضا دفع بعض الدول لاعتماد العلاج بالأعشاب الطبيعية ضمن البرنامج العلاجي لبعض الامراض، ودفع مؤلفين كتب « علم الادوية » الحديثة بوضع ابواب للعلاج بالأعشاب، ليدرسها طلاب الطب والصيدلة و غيرهم من ذوي الاختصاص.

وتاريخ التداوي بالأعشاب قديم جداً يرجع إلى العصور الأولى من التاريخ، والمواد الشافية في الأعشاب لا تنفرد بجزء واحد له علاقة خاصة بجزء خاص بالجسم دون أن يكون له تأثير آخر في غيره ، كما هو الحال في الأدوية الكيميائية ، بل أن يد الخالق جمعتها في عشبه واحدة بمزيج يستحيل على الإنسان أو مصانعه أو مختبراته أن تأتي بمثله.

والتداوي بالأعشاب ليس وليد اليوم ففي الصين يحظى طب الأعشاب منذ آلاف السنين بمكانة مساوية للطب الحديث الغربي وتقوم اليوم كثير من الجامعات الصينية بتدريس طب الأعشاب ويمارس اليوم من قبل ممارسين متدربين تدريباً عالياً ويحظى باعتراف حكومي فعلى سبيل المثال وقعت فرنسا في العام 1995م اتفاقية مع الصين لإنشاء مستشفى في باريس يقوم بالمعالجة عن طريق طب الأعشاب.

وفي الهند يعتبر الطب الأيروفيدي هو الموروث العشبي في الهند والأقاليم المحيطة، ويعتقد أنه أقدم نظام للعلاج في العالم بل أنه متقدم في الزمن عن الطب الصيني واليوم تشجعه الحكومة بشدة كبديل للطب الغربي الحديث.

وفي أوروبا نشأت الممارسات العشبية الأوروبية من الجذر المشترك الكلاسيكي، واليوم يلقى طب الأعشاب شهرة متزايدة في أوروبا، ويمارس من قبل ممارسي الطب الحديث فضلاً عن العشابين المؤهلين.

وفي أفريقيا يوجد تنوع عظيم في التراثيات العشبية يفوق ما يوجد في أي قارة أخرى. ويرجع الاستخدام العلاجي للأعشاب في أفريقيا إلى أقدم الأزمنة، وتؤكد الكتابات المصرية القديمة أن الأدوية العشبية كانت تحظى بتقدير كبير من آلاف السنين في شمال أفريقيا. وتضم بردية إيبرز (1500ق.م) وهي إحدى أقدم النصوص الطبية الباقية أكثر من 870 وصفة و 700 عشبه طبية.

كل ما سبق يدلل على ان استعمال النباتات الطبية قديم وعريق قدم الإنسان نفسه وقد اتجه الإنسان الأول للنبات كمصدر للغذاء والدواء بحكم الفطرة والمشاهدة والتجربة وكما انزل الله الداء فقد أنزل معه الدواء وجعله في متناول كلا من الإنسان والحيوان وكما يقول الخبراء في طب الأعشاب « إن كل نبات على وجه الأرض يعد نباتا طبيا ما لم يثبت العكس » فالعلاج بالنباتات الطبية ليس جديداً و لكن بدا الاهتمام به مؤخراً بعد إيمان الكثيرين من علماء الطب أن العودة للمصادر الطبيعية أصبح واجبا في زحمة الأعراض الجانبية للأدوية الكيميائية وعجز كثير من هذه الأدوية من علاج سبب المرض ولكن أكثر ما تؤثر به تخفيف الأعراض فأصبحوا وكأنهم يجدوا في الأعشاب الطبية الامل لحل كثير من الأمراض بينما ابقراط « أبو الطب » وضع القاعدة العلمية التاريخية منذ أكثر من خمسة ألاف سنة وهي « ليكن غذائك دواءك وعالجوا كل مريض بنبات أرضه فهي اجلب لشفائه » فتعالوا بنا لنرى تطور العلاج بالأعشاب على مر العصور ففي الحضارة البابلية كانت معتمدة على النجوم و الكواكب والتي ما زال أثرها إلى اليوم مرورا بالحضارة الفرعونية المصرية التي قدمت للبشرية الكثير من الوصفات العلاجية بالأعشاب والتي ما زالت تستخدم حتى يومنا هذا فهم أول من استخدموا زيت الحلبة لإزالة التجاعيد و قشر الرمان لطرد الديدان وزيت الخروع لعلاج الإمساك ودهانا للشعر وأول من استخدموا النعناع والمر لعلاج القروح والالتهابات الجلدية والاضطرابات المعوية وغيرها من الوصفات تلتها الحضارة اليونانية فأنجبت لنا في القرن الخامس قبل الميلاد الوجه الناصع على مر العصور ألا وهو أبو الطب « أبقراط » إلى أن نصل إلى الحضارة الإسلامية التي بدأت بالحث على العلم « ن والقلم » فأخذت الصيدلية المحمدية تزدهر واهتم النبي (صلى الله عليه و سلم) بالعلاج بالعشاب وله أحاديث كثيرة عن فوائد كثير من النباتات ملخصة في كتاب الطب النبوي وغيره ممن الكتب، سرعان ما تطورت العلوم بعد ظهور علماء المسلمين في عالم الطب من أمثال الرازي وابن سينا صاحب الموسوعة الكبرى في العلاج بالأعشاب و ابن البيطار و داوود الإنطاكي صاحب تذكرة داوود التي تدرس اليوم في أوروبا وغيرهم ثم بلغوا الأوج في عصر هارون الرشيد وفي العصر العثماني دخلت البلاد في سبات عميق ورقاد طويل دام أربعمائة عام لم يبق خلالها في الساحة الطبية سوى الحلاقون والمنجمون وكاتبوا الحجب وغيرها من المسميات تحت تسمية العطارة والطب الشعبي وهذا ما نعاني منه إلى الآن فمن الواضح عبر التاريخ أن الحضارات كانت تهتم بالعلاج من الطبيعة ولو قرانا موسوعة ابن سينا سنجد انه يعالج إما بالتجربة أو بالخبرة ولا يعتمد على الخزعبلات و لكن نحن في عصرنا هذا ما زلنا نعيش في اثأر الجهل بالعلاج بالأعشاب بالرغم من وضع الضوابط لهذا الطب هم العرب فكثيرا ما نسمع من الناس بخصوص العلاج بالأعشاب « اللي بنفعش بضرش » فهذه مقوله خطيرة قد يدفع ثمنها الناس أرواحهم إذا ما سلموا بها فالأعشاب الطبية كما قلنا آنفا هي علاج وأي علاج إذا زاد عن حده يؤثر سلبا فالقضية ليس عشوائية فكل شيء له ضوابط ومحاذير فبعد هذه المقدمة السؤال الذي يطرح نفسه هل مازال متسع في ظل تزاحم الأدوية الكيميائية مجال للطب بالأعشاب أم أنها أصبحت من الماضي أقول بصوت عال طبعا بل قد آن الأوان أن نعود إلى المصادر الأساسية للعلاج ألا وهي النباتات الطبية و لكن يبقى السؤال هل العلاج بالأعشاب مزاجي أم يخضع لضوابط و قوانين للاستفادة منه بالطبع نعم فهناك قواعد لكيفية زراعة النبات و عمليات الجمع و التجفيف و التخزين و طرق التحضير و الجرعة المطلوبة فأي خلل في أي من العمليات السابقة قد يؤثر العلاج سلبا أو على الأقل لا يعطي الفائدة المرجوة منها.

 

ماجستير تغذية علاجية

اخصائي علاج سمنة ونحافة

مدير مركز ابن النفيس للنباتات الطبيعية والمكملات الغذائية

كلمات دلالية