خبر أَيُها الرئيس، مسَّنَا وأَهْلَناَ الضُّرُّ.. بقلم د. وليد القططي

الساعة 12:49 م|30 أغسطس 2017

فلسطين اليوم

 

في مقال للأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي بعنوان (يوم العيد) منشور في كتاب (النظرات) قال فيه واصفاً ليلة العيد « لا تأتي ليلة العيد حتى يطلع في سمائها نجمان مختلفان، نجم سعود ونجم نحوس، أما الأول فللسعداء الذين أعدوا لأنفسهم صنوف الأردية والحُلل ولأولادهم اللعب والتماثيل، ولأضيافهم ألوان الطعام والمشارب، ثم ناموا ليلتهم نوماً هادئاً مطمئناً تتطاير فيه الأحلام الجميلة حول أسرتهم تطاير الحمائم البيضاء حول المروج الخضراء. وأما الثاني فللأشقياء الذين يبيتون ليلتهم على مثل جمر الغضا يئنون في فراشهم أنيناً يتصدّع له القلب، ويذوب له الصخر، حُزناً على أولادهم الواقفين بين أيديهم يسألونهم بألسنتهم وبأعينهم: ماذا أعدوا لهم في هذا اليوم من ثياب يُفاخرون بها أندادهم، ولعب جميلة يزينون بها مناضدهم، فيعللونهم بوعود يعلمون أنهم لا يستطيعون الوفاء بها. ».

السعداء من الأغنياء والأثرياء التي طلع لهم نجم سعود ليلة العيد وكل ليلة فقد قل عددها ونقص عديدها في قطاع غزة، باستثناء قلة من بقايا أغنياء الزمن القديم الغابر، وثلة من أثرياء الزمن الجديد الحاضر، ومن حالفه الحظ واختاره السعد فأصبح من علية القوم وصفوة السادة ونخبة القادة وكبار الساسة وأغنياء التجار، ومن تبعهم من ذوي الحظوة عند الأسياد وخاصة أولي الطول ممن برع في فنون الفهلوة وحفظ أصول المداهنة ولم يغفل عن ضروب المصانعة في الزمنين – الغابر والحاضر -  وكل زمن.

والأشقياء من الفقراء والبؤساء التي طلع لهم نجم نحوس ليلة العيد وكل ليلة كثر عددها وزاد عديدها في قطاع غزة، ولم تقتصر على جيش العاطلين عن العمل من العمال القُدامى والخريجين الجدد واضرابهم من الناس الغلابة، بل أُضيِف إليهم طوابير الموظفين من الذين بالكاد يتقاضون نصف رواتبهم من غزة، أو موظفي سلطة رام الله بعد أن أُصيبت رواتبهم بلعنة الانقسام فالتهم قسمٌ كبير منها غول الخصومات والتقاعد المبكر.

والشعب الفلسطيني القاطن في قطاع غزة أُوذىَ من قبل أن تأتيهم اللجنة الإدارية العليا ومن بعد ما جاءتهم، ومصدر الأذى الأساسي هو الاحتلال الذي هجّر معظمهم من أرضهم المسلوبة في فلسطين المحتلة عام 1948 ثم حاصرهم في فلسطين المحتلة عام 1967، ثم تبع السلب والاحتلال الحصار الانقسام بنتائجه المتشعبة وآخرها تشكيل اللجنة الإدارية العليا وما تبعها من إجراءات عقابية اتخذتها السلطة في رام الله فآذت الناس وزعمت أنها تريد بها حماس. وإذا كانت نسبة الفقر في القطاع قبل العقوبات الأخيرة تتراوح بين (65% - 80%) حسب المنظمات المحلية والدولية ونسبة البطالة تصل إلى (50%) من الأيدي العاملة ونسبة الأسر التي تعتمد في تأمين حاجياتها المعيشية اليومية على المساعدات الخارجية تصل إلى (80%). فلنا أن نتوقع بشكل مؤكد أن هذه النسب قد زادت، وزاد معها بالطبع حجم المعاناة وعمق المُقاساة.

وإذا ابتعدنا قليلاً عن لغة الأرقام إلى صور البؤس الإنسانية – وهي بالآلاف- فلنا أن نتخيل كم من أبٍ حفيت أقدامه في البحث عن عمل وأقصى طموحه أن يجد رغيف الخبز ليطعم أولاده، وكم من أمٍ دارت على الجمعيات الخيرية (كعب داير) لتؤمن لأطفالها قوت يومهم وطعام ساعتهم، وكم من عاملٍ يغدو لعمله صباحاً ويروح مساءً منهكاً لينتزع أجره الذي الذي بالكاد يسد رمق أطفاله، وكم من خريج وخريجة ذهبت أحلامهم أدراج الرياح بعد أن ضاعت فرص عملهم ما بين اثنين لا ثالث لهما: متفوق من ذوي الأوصاف الكاملة، أو محظوظ من أبناء السادة ذوي الأوصاف الناقصة، وكم من شابٍ وشابة تحطمت آمالهم في بناء عش الزوجية بعد أن توّقف قطار حياتهم عند محطة البطالة والفقر، وكم من أحلام البؤساء البسيطة تحطمت أمام صخرة الاحتلال والحصار والانقسام وغرقت في مستنقعات الفساد والحزبية والانتهازية.

وبعد كل هذا البؤس الضارب أطناب خيمته السوداء في سماء القطاع وكل فلسطين كلمة أخيرة إلى الرئيس والوزراء وكل القادة المسئولين في رام الله وغزة. أرضيتم أن تجلسوا أمام موائدكم العامرة بألوان الطعام والشراب وأصناف الفواكه والحلويات، ولم يُكدّر عليكم شهيتكم علمكم بأن الكثير من أبناء شعبكم لا يجد عُشر معشار ما تأكلونه وربما تمر عليهم الأيام والليالي الطوال وثلاجات الأكل عندهم صحراء جرداء خاوية على عروشها  إلاّ من الماء وكسرات الخبز. أرضيتم أن تناموا ملء جفونكم على فراشكم الوثير وغطائكم الرغيد، ولم يؤرق عليكم نومكم علمكم بأن الكثير من أبناء شعبكم لا ينام إلا على شيء أشبه بالفراش لا يقي أجسامهم من قسوة البلاط وشدة البرد. أرضيتم أن يذهب أبنائكم وأحفادكم إلى المدرسة مرتدين الجديد من الثياب، وحاملين الحديث من الحقائب، ومنتعلين الغالي من الأحذية، ولم يُنغّص عليكم فرحتكم بهم علمكم بأن الكثير من أبناء شعبكم قد ذهب أولادهم إلى المدرسة بثيابهم  القديمة وحقائبهم المخيطة وأحذيتهم العتيقة.

أيها الرئيس.. أيها المسؤولون.. مسنا وأهلنا الضر.. فأوفوا لنا الكيل.. كي نراكم من المحسنين.

كلمات دلالية