خبر « السلفية الجهادية » في قطاع غزة .. بين المعالجة الفكرية والحزم الأمني

الساعة 05:12 ص|22 أغسطس 2017

فلسطين اليوم

حذر خبراء وشخصيات فلسطينية من تغييب المعالجة الفكرية في التعامل مع ما يعرف باسم « السلفية الجهادية » في قطاع غزة واعتماد المعالجة الأمنية فقط، مطالبين باعتماد معالجة شاملة لمحاصرة هذه الأفكار التي وصفوها بـ « المتطرفة ».

وتأتي هذه التحذيرات بعد الحادث الذي وقع على الحدود المصرية الفلسطينية فجر الخميس الماضي اثر تفجير أحد العناصر السلفية نفسه في حاجز الأمن الفلسطيني حيث قتل واستشهد أحد عناصر الأمن الفلسطيني وأصيب عدد آخر بجراح مما تبعه حملة أمنية ضد هذه الجماعات.

واستعرض النائب عن حركة المقاومة الإسلامية « حماس » يونس الأسطل الذي كان مكلفا بالحوار مع « السلفية الجهادية » سلسلة الحوارات مع السلفيين الجهاديين على مدار السنوات الماضية من أجل إقناعهم بانتهاج الفكر الوسطي وعدم اللجوء إلى العنف المجتمعي.

وكشف الأسطل وهو عضو رابطة علماء فلسطين في حديثه لـ « قدس برس » أن الحوار متوقف مع هؤلاء السلفيين منذ ثلاثة شهور، والتي كانت تتم داخل سجون الأمن الداخلي في غزة.

وبرر ذلك بعدم التزامهم بما تعهدوا به خلال فترة خروجهم من السجن وممارسة أعمال عنف تضر بالمجتمع الفلسطيني.

وقال: « معظم من قابلتهم من هؤلاء الشباب في العشرينات من العمر هم أناس بسطاء من حيث الثقافة وهؤلاء تلقوا بعض القناعات عبر المنشورات أو الانترنت وباتوا مقتنعين أن الشعوب الإسلامية باتت مرتدة وان دماءها حلال وما إلى ذلك من أفكار ».

وأضاف: « هؤلاء الشباب أصحاب عاطفة إيمانية، هذه العاطفة يحاول أعداؤنا أن يستغلها في إمكانية حدوث صدام داخلي يريح الاحتلال ».

وأوضح الأسطل أن « أغلب هؤلاء الشباب لا يقدرون على الحوار وهم بسطاء منهم لم ينهي دراسته الابتدائية وقليل منهم أنهى دراسته الثانوية، وبعضهم لا يعرف شيء في الدين »، وفق قوله.

وأشار إلى أن الحاجة المالية هي من دفعت بعضهم للالتحاق في هذه الجماعات دون أن يعرف ما هي.

 

وقال: « معظمهم لا وعي سياسي ولا أمني ولا ديني، واقتصرت قراءاتهم على بعض المنشورات، وليس لهم مرجعيات دينية غير مواقع الانترنت ».

واتهم عضو رابطة علماء فلسطين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الاحتلال باستغلال هؤلاء الشباب في إقناعهم أن واقع الشعوب العربية هو « الكفر والردة »، وأن حركة « حماس » على وجه الخصوص ليست حركة دينية إنما هي حركة سياسية تتستر بالدين.

وقال: « بعض هؤلاء الشباب أعجب ببعض مظاهر القتل الشنيع في سورية والعراق، ويظنون أن هذا مظهر من مظاهر إقامة الحدود وتطبيق الشريعة، وينخدعون ببعض الصور التي تنشر على الانترنت دون أن يعرفوا شيء عن الإسلام ».

وحول إن كانت الأجهزة الأمنية  في غزة قد اتخذ قرارها بالحسم الأمني معهم ووقف كل أشكال الحوار معهم، قال عضو المجلس التشريعي الفلسطيني: « نحن نقدم قناعاتنا لهم وفي كثير من الأحيان تتمخض عن الإفراج عنهم ولكن للأسف يعودون لبعض الأعمال التي تضر بالأمن في غزة لذلك نحن لا نتدخل في قرار تلك الأجهزة ».

من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، ناجي شراب، أن الحوار مع هؤلاء الشباب يجب أن يكون على مستويين، الأول الحوار المجتمعي ومخاطبة الشباب وإقناعهم بالفكر المعتدل، والمستوى الثاني يجب أن يكون مع هؤلاء الشباب أنفسهم

وقال شراب « : »المجتمع هو الحاضن لهذا الفكر المتطرف وهو الذي يفرغ هذا الفكر فجيب عزله وحصاره من خلال هذا الحوار المجتمعي ونشر فكر وثقافة الاعتدال وهذه مهمة كل الأطراف من خلال المنهج الكلي في معالجة التطرف« .

وأضاف: »في حال نجح هذا الحوار فان ذلك سيعمل على احتواء التيار المتطرف ونبذه واختزاله، حيث أن هذه معالجة فعالة لأنه لن يجد هذا الفكر أي نوع من أنواع الاحتضان« .

واعتبر شراب أن الحوار مع الجماعات السلفية سيواجه معيقات كبيرة جدا منها أنها لا ترى إلا نفسها ولا تسمع إلا بأذنها، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة فيجب أن يكون هناك أولوية المعالجة الأمنية.

وقال: »أنا لست مع المعالجة الأمنية ولكنها أصبحت ضرورة ومطلوبة لملاحقة هذا الفكر والذين يتبنونه« .

وأضاف: »قطاع غزة لا يحتمل فكر متطرف وصراعات عسكرية كالتي نراها في سورية والعراق واليمن، فسيناريو المواجهة المسلحة ستكون كارثية بالسبة لغزة ومساحتها الجغرافية الضيقة وعدد سكانها الأعلى كثافة في العالم« .

وتابع: »المعالجة الفكرية قد لا تكون ذات جدوى وتأتي أولوية المعالجة الأمنية، وذلك في نفس الوقت هناك محاذير في هذه الأولويات خشية أن يكون لها أضرار كما حدث في رفح وهذا قد يعيق المعالجة الأمنية ولكن لا يمكن إيقافها في التعامل مع مثل هذا الفكر« .

وطالب شراب بتقليص وسائل العمل لديهم وعدم توفير قواعد ومساجد لهم، مشيرا إلى أن هذه الجماعات ظهرت في أوقات قررت فيه حركة »حماس« خوض غمار العمل السياسي.

ورأى أن حركة »حماس« ، لن تسمح لأحد المساس بالأمن في قطاع غزة، باعتبرا أن مستقبلها مرتبط بتوفير الأمن وإذا خسرته تخسر موقعها في السيطرة على قطاع غزة.

وحول ان كانت حركة »حماس« ستنجح في دمج السلفيين في المنظومة الوطنية كبقية فصائل المقاومة ورؤيتها في مقاومة الاحتلال، قال شراب: »للسلفيين رؤية أكبر وأشمل تتجاوز أهداف حماس، فهم مرتبطون بجماعات إسلامية خارجية« .

وأضاف: الإشكالية التي تواجه حركة »حماس« أنها لم تعد حركة مقاومة صرفة، فهي حركة سياسية لها حضور إقليمي ودولي وتدير نظام حكم ».

وتابع: « البعد السياسي لحماس يفرض عليها أن تنفتح بعلاقاتها مع مصر وهذا يخلق تناقض مع السلفيين لكن لا يخلق تناقض مع بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى ».

من جهته استبعد إبراهيم حبيب، الخبير في الشأن الأمني أن تلجأ الأجهزة الأمنية في غزة وحركة « حماس » إلى المعالجة الأمنية البحتة مع السلفيين، محذرا من مخاطر هذه الحلول.

وقال حبيب لـ « قدس برس »: « لا اعتقد أن الأجهزة الأمنية وحركة حماس تتعامل مع هذه المجموعات بطريقة أمنية بحتة بغض النظر عن نتاج عملية رفح ».

وأضاف: « التعامل مع الأمر يجب أن يكون شامل ولا يجب أن نتوقف عند الخلل الذي وقع في حادث رفح والتعامل معها دون الرجوع إلى الجذور والأفكار التي أدت إلى انتشار هذه الجماعات ».

وتابع: « لا يجوز التعامل مع هذا الملف بطريقة أمنية فقط، ويجب إشراك الجميع في معالجة هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا الفلسطيني، التعامل العنيف مع هكذا جماعات إذا لم يكن مدروسا قد تكون نتيجته خطيرة ».

 

واعتبر حبيب أن لحادث رفح أبعاد سياسية وأمنية للمقاومة اقتصادية اجتماعية وفكرية، مشير إلى أن المنبع الأساسي لهذا الفكر يأتي من التيار الإسلامي.

وقال: « هناك اختراقات للاحتلال لهذه الجماعات وهذا الاختراق يجعلنا نفكر ما الدوافع التي يوصل بهؤلاء الأشخاص لتكفير الناس ».

وأضاف: « هذا الأمر لا يحتاج لرد فعل عنيف وقصر نظر إنما يحتاج إلى النظر الموضوعي بتأني ورؤية ودراسة أبعاده ومن ثم يجب أن تكون جبهة عريضة لمواجهته تشمل العديد من الوزارات مثل: الداخلية، التعليم، الأوقاف، والثقافة والتعليم وكذلك المخاتير والعائلات والعشائر وهذه المنظوم يجب أن تعمل كلها لمواجهة هذا الفكر ».

واعتبر حبيب أن ما جرى لا يشكل ظاهرة في غزة لأن مجتمع غزة شبه مغلق والجميع يعرف بعضهم البعض، مشيرا إلى أن عملية دمج هؤلاء الشباب في المنظومة الوطنية تحتاج لوقت.

وكان أحد عناصر ما يعرف بـ « السلفية الجهادية » قد فجر نفسه في ساعة مبكرة من فجر الخميس الماضي في قوة فلسطينية على الحدود المصرية الفلسطينية بعدما تم منعه من اجتياز الحدود حيث قتل في الانفجار واستشهد أحد عناصر الأمن وهو من كوادر « كتائب القسام » الذراع العسكري لحركة « حماس » وأصيب عدد آخر بجراح.

 

واتهمت بعض الجماعات التي لها علاقة بـ « السلفية الجهادية » أجهزة أمن غزة وحركة « حماس » بالسيطرة على مواقعها العسكرية وشن حملة اعتقالات في صفوفها نافية أي علاقة لها بحادث رفح، دون أن يصدر أي تعقيب من قبل وزارة الداخلية في غزة.

يشار إلى أن أجهزة الأمن في غزة اصطدمت قبل ذلك عدة مرات فيما يعرف باسم « السلفية الجهادية » كان أعنفها في آب/ أغسطس 2008 حينما أعلن أحد قادتها ويدعى عبد اللطيف موسى، قطاع غزة إمارة إسلامية وإعلان مبايعته لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة حيث قتل قرابة 23 شخصيا بينهم موسى، وأحد أبرز قادة « كتائب القسام » في رفح جنوب قطاع غزة.

 

كلمات دلالية