منح معهد البحوث والدراسات العربية بجمهورية مصر العربية الدكتور حاتم العيلة، درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى.
وقد كانت أطروحة الدكتوراه بعنوان: تقييمُ إستراتيجيةِ المقاومةِ الفلسطينيةِ في مواجهةِ منظومةِ الردعِ الإسرائيليةِ خلالَ الفترة (2000 – 2014)
(حركتا الجهادِ الإسلاميّ وحماس في قطاعِ غزة - دراسةُ حالة)
وتشكلت لجنة المناقشة والحكم على الأطروحة، من الأستاذ الدكتور/ « أحلام السعدي فرهود »، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية – جامعة حلوان / مشرفاً، والأستاذ الدكتور/ « هدى ميتكيس »، أستاذ العلوم السياسية – جامعةِ القاهرة، ورئيس قسم العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات العربية / مناقشاً داخلياً، والأستاذ الدكتور/ « محمد صفي الدين خربوش » أستاذ العلوم السياسية – جامعة القاهرة، مناقشاً خارجياً.
ووفقاً للدارس العيلة، فقد نشأتْ الحاجةُ إلى هذه الدراسة، بسببِ ما تواجههُ المقاومةُ الفلسطينيةُ، من عقباتٍ وصعوبات؛ في ظلِ الخلطِ بين مفهوميّ المقاومةِ والإرهاب، إضافةً إلى المحاولاتِ الدوليةِ والإقليميةِ لتصنيفِ فصائلِ المقاومةِ الفلسطينيةِ في إطارِ المنظماتِ الإرهابية، والتشكيكِ في جدوى وسائِلها القتالية، في ظلِ تفوقِ الآلةِ العسكريةِ الإسرائيلية.
واقتصرتْ الدراسةُ على سكانِ قطاعِ غزة؛ حيثُ أن الباحثَ من سكانِ قطاعِ غزة، ويصعبُ عليه التنقلُ بين محافظاتِ الوطنِ؛ بسببِ إجراءاتِ الاحتلالِ الإسرائيلي.
كما اقتصرتْ الدراسةُ على حركتيّ الجهادِ الإسلاميّ وحماس، باعتبارِهما رأسَ حربةِ المقاومةِ الفلسطينية، وهما من تحملتَا عبءَ التصدي للاعتداءاتِ الإسرائيليةِ الثلاثةِ الأخيرةِ على قطاعِ غزة، إلى جانبِ قوى المقاومةِ الأخرى.
وتمَ تقسيمُ الدراسةِ إلى ثلاثةِ فصول، بالإضافةِ إلى المقدمةِ والخاتمة:
واشتملت مقدمة الدراسة: على إشكالية الدراسة وتساؤلاتها، وأهمية الدراسة، ومفاهيمها، وحدود الدراسة الزمانية، إلى جانب المناهج المستخدمة، وأخيراً الدراسات السابقة والتعقيب عليها.
ويتناول الفصل الأول: المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، وينقسم إلى ثلاثة مباحث، يتناول الأول: تعريف المقاومة وأنماطها، ويناقش الثاني: البعد القانوني للمقاومة وخصائصها، أما المبحث الثالث: فيدرس النموذج الفلسطيني المقاوم للاحتلال الإسرائيلي.
ويناقش الفصل الثاني: الأمن والردع في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، من خلال ثلاثة مباحث يتعلق المبحث الأول: بدراسة المنظور الإسرائيلي للأمن والردع، ويناقش المبحث الثاني: مراحل تطور استراتيجية الأمن والردع الإسرائيلي وثوابتها، ويتناول المبحث الثالث: الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية: التطبيق والتقييم.
أما الفصل الثالث: فيركز على المواجهة الفلسطينية لمنظومة الردع الإسرائيلية من خلالِ نموذجِ حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، وذلك من خلال ثلاث مباحث، يتناول الأول: حركتي الجهاد الإسلامي وحماس من حيث النشأة والفكر، ويناقش الثاني: المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي: نموذج حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، أما المبحث الثالث: فيحلل فعالية دور حركتي الجهاد الإسلامي وحماس في مواجهة منظومة الردع الإسرائيلية.
وفي خاتمة الدراسة: تم ذكر أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ومن ثُم طرح الباحث تصور لمستقبل المقاومة الفلسطينية.
وقدْ أظهرتْ الدراسةُ عدةَ نتائجَ، من أهمِها:
أولاً: شكَّلتْ عقيدةُ المقاومةِ خلالَ مراحلِها المختلفةِ، وحدةً مترابطةَ الحلقاتِ لدي حركاتِ المقاومةِ الفلسطينيةِ، وتوزعتْ عملياتُها ما بين قطاعِ غزةَ والضفةِ الفلسطينيةِ وأراضي 1948م، في رسالةُ تأكيدٍ منها على وحدةِ الأراضي الفلسطينية، وإعادةِ رسمِ حدودِ فلسطين من شمالِها إلى جنوبِها ومن شرقِها إلى غربِها.
ثانياً: الإستراتيجيةُ القتاليةُ والتكتيكاتُ الميدانيةُ التي استخدمتْهَا المقاومةُ الفلسطينيةُ، ساهمتْ في ضربِ ثوابتِ منظومةِ الأمنِ والردعِ الإسرائيلية، وأجبرتْ العدوَّ الصهيونيَّ على تغييرِ إستراتيجيةِ الردعِ والحسمِ مع حركاتِ المقاومةِ إلى قاعدةِ (هدوء مقابلَ هدوء).
ثالثاً: أثبتتْ حركتا الجهادِ الإسلاميّ وحماس قدرتَهما على تجاوزِ عنصرِ المفاجأةِ والمباغتةِ، واستيعابِ الضربةِ الاستباقيةِ، وتحقيقِ معادلةِ الردعِ المقاومِ في مواجهةِ الردعِ الإسرائيليّ.
رابعاً: مثّلتْ صواريخُ المقاومةِ الفلسطينيةِ والأنفاقُ الهجوميةُ الهاجسَ الأكبرَ لقادةِ العدوِ الإسرائيليّ، كما أسقطتْ الدورَ الوظيفيَّ للجيشِ الإسرائيليّ، وكسرتْ هيبتَه وأسطورتَه لاسيما بعدَ نجاحِ عددٍ كبيرٍ من الصواريخِ في تجاوزِ منظومةِ القبةِ الحديديةِ، والوصولِ إلى « تل أبيب » وما بعدَها.
خامساً: استطاعتْ المقاومةُ التأثيرَ على كافةِ مناحي الحياةِ في « إسرائيل »، وعملتْ على تعميقِ الأزمةِ الداخليةِ فيها، واهتزازِ صورتِها أمامَ الرأيّ العامِ العالميّ، كما تمكنتْ من شقِ الإجماعِ الإسرائيليّ خلفَ الخيارِ العسكري.
سادساً: الإرادةُ الشعبيةُ الفلسطينية، كان لها دورٌ مهمٌ في احتضانِ المقاومةِ، وتقديمِ الدعمِ اللوجستيّ لها أثناءَ العدوان، وشكَّل ذلك عواملَ لصمودِ المقاومةِ.
سابعاً: في ظلِ الحصارِ الإسرائيليّ والإقليميّ المفروضِ على قطاعِ غزة، لن تعجزَ فصائلُ المقاومةِ عن إيجادِ آلياتٍ وبدائلَ لتوفيرِ السلاح، وتطويرِ الوسائلِ القتاليةِ والمنظومةِ الصاروخيةِ.
ثامناً: التأكيدُ على صوابيةِ الفرضيةِ التي طرحتْهَا الدراسةُ بأنه كلما زادتْ القدراتُ العسكريةُ الإسرائيليةُ، زادتْ حاجةُ المقاومةِ الفلسطينيةِ لتشكيلِ قوةِ ردعٍ خاصةٍ بها تعتمدُ على قدراتِها العسكريةِ لمواجهةِ القوةِ الإسرائيلية.
وفي الختام طرحت الدراسة تصور لمستقبل المقاومة الفلسطينية:
إن ضمان نجاح المقاومة الفلسطينية وتعزيز استمرارية زخمها لابد أن يُبنى على استراتيجية شاملة بكافة فروعها وعناصرها المتعددة والمترابطة، والتي ينبغي توظيفها استعداداً للمواجهات المستقبلية مع العدو، التي لن تنتهي إلا بدحره عن فلسطين، وذلك من خلال:
تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية: من خلال بذل جهود كبيرة لتوحيد الرؤى على قاعدة فكر المقاومة وليس فكر الاستسلام للمساومات السياسية، والعمل تحت قيادة عسكرية لاتخاذ مواقف تكتيكية بما يحقق نتائج إيجابية خلال إدارة الصراع، وذلك باستمرار التنسيق بين أذرع المقاومة وقياداتها والابتعاد عن الفئوية والعنصرية، وتغليب المصلحة الوطنية.
الاستراتيجية الميدانية: يتطلب من المقاومة العمل على زيادة وتنويع المخزون الاستراتيجي من الذخيرة بكافة أنواعها، والصواريخ متعددة المدى، والاهتمام بالنوع والكيف وليس بالكم، كذلك الاعتماد على القدرات الاستخبارية والعمل على تطويرها، فهذا من شأنه رصد تحركات العدو مسبقاً، ويتطلب ذلك زيادة درجة السرية والاعتماد على الصمت، وبالتالي العمل على إفشاله الخطط العسكرية للعدو من خلال عنصر المفاجأة له.
الاستراتيجية الإعلامية: يلعب الإعلام المقاوم دوراً مهماً في مواجهة وسائل الدعاية النفسية المعادية التي يطلقها العدو، وكذلك يُبرز أنشطة المقاومة وعملياتها العسكرية، ما يساهم في بث روح الخوف والانهزام في صفوف العدو، ويساعد على نشر ثقافة المقاومة في أوساط الشعب الفلسطيني، وبالتالي تزداد الحاضنة الشعبية المؤيدة للمقاومة.
إرهاق قدرات العدو: من خلال قدرة المقاومة على الصمود وإطالة أمد المواجهة بإتباع استراتيجية (حرب العصابات) لاستنزاف قدرات العدو، وكذلك استخدام تكتيكات متنوعة، والاعتماد على عنصر المباغتة، وتوجيه ضربات قوية إلى نقاط ضعف العدو وعمقه الاستراتيجي، ما يجبره على الاستنفار الدائم لقواته واستمرار الانتشار، وبالتالي تزداد فرصة إيقاع الخسائر في صفوفه خلال المواجهة.
القدرة على تجاوز الحصار: من خلال البحث عن بدائل للاستمرار في تطوير الأساليب والأدوات والوسائل القتالية، وقد أثبتت السنوات السابقة قدرة المقاومة على ذلك، من خلال تحقيق نجاحات ملموسة خلال التصدي للعدوان على قطاع غزة رغم الحصار المفروض عليه.
نقل خبرات المقاومة من قطاع غزة إلى الضفة الفلسطينية: من خلال نقل تقنية الوسائل القتالية المستخدمة في غزة، لاسيما قذائف الهاون والصواريخ إلى الضفة الفلسطينية المحتلة، والتي تستطيع بكل سهولة ويُسر قصف التجمعات الاستيطانية المنتشرة بكثافة هناك، والملاصقة للمدن الفلسطينية، وبالتالي سيسقط حصن جديد من حصون « إسرائيل » ألا وهو (الجدار العازل)، وسيفكر الاحتلال بالاندحار عن الضفة كما اندحر سابقاً من غزة.
وبناء على ما سبق يمكن القول أن المقاومة ورغم ما تلاقيه من عمليات تشويه وتشتيت إلا أنها ستصمد في وجه المؤامرات التي تحاك ضدها، وستتجاوزها كما تجاوزتها في مراحل سابقة، وهذا لا يعني أنها لن تصاب ببعض الضعف، لكن لن يصل لمرحلة الانتكاسة والتفكك، فالمقاومة التي صمدت أمام العدوان على قطاع غزة؛ بالتأكيد هي قادرة على التحدي، ومجابهة المحتل الغاشم من جديد، وستُفشل كل محاولات النيل منها، وستُبدع في تطوير قدراتها.
وإزاء ذلك كله لن تضعف المقاومة وستواصل مسيرة الصمود والتحدي، وستزداد عنفواناً وقوة، ولا يمكن إيقافها، فالأداء العسكري للمقاتل الفلسطيني خلال التصدي للعدوان عام 2014م اختلف تماماً عن أداء نفس المقاتل خلال الاعتداءات السابقة، سواء من ناحية الأداء والخطط العسكرية والتكتيكات الميدانية، أو الإمكانات العسكرية المتوفرة لديه، فكيف بمقاتل اليوم الذي يمتلك من عوامل القوة والإصرار على الصمود للدفاع عن أبناء شعبه ما يؤهله للمُضي بكل ثقة في هذه الطريق الذي لن ينتهي إلا بتحرير كامل تراب فلسطين بإذنه تعالى، دون الالتفات إلى مشاريع التسوية المطروحة، فهي بالنسبة للمقاومة مشاريع عديمة الجدوى.
استخلاصاً لمجمل ما سبق يمكن القول بأن حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، ورغم الصعاب والعقبات التي واجهتهما خلال المراحل المتنوعة من عملهما بدءًا من النشأة، والملاحقات الأمنية من الاحتلال واغتيال عدد من قادتهما وكوادرهما البارزين، ووصولاً للمضايقات من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إلا أنهما استطاعتا التغلب علي كل تلك الصعاب، وتضافرت جهودهما في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حتى تبنت الحركتان ذات الرؤى والأفكار (المتشابهة) تجاه المشروع الصهيوني، ما عزز ثقل المنهج الجهادي، كما انتهجت الحركتان خيار الجهاد المسلح لتحرير فلسطين، من خلال السعي لتقوية وتعزيز قدراتهما القتالية والارتقاء بالعمل العسكري، التي بدأ باستخدام السلاح الفردي والعمليات المحدودة ضمن أسلوب حرب العصابات؛ من خلال مجموعات صغيرة مقاتلة ترهق العدو، ووصولاً لعمليات الرعب (العمليات الاستشهادية) التي هزت أمن وأركان « إسرائيل »، ثم تطورت المقاومة باستخدام القذائف والصواريخ المحلية، واستخدام أدوات وأساليب قتالية عجز العدو عن مواجهتها، إلى أن وصلت لمرحلة اعتبرها الكيان أنها تشكل خطراً حقيقياً ليس على أمنه فقط، بل على وجوده، برغم ما يمتلك من ترسانة عسكرية ضخمة.
ومن خلال إجراء عملية التقييم الشامل للأداء العسكري لحركتي الجهاد الإسلامي وحماس، ومدى تأثيرهما على منظومة الأمن والردع الإسرائيلية، اتضح: أن الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية التي اتبعتها الحركتان، بالإضافة لعوامل الصمود والتحدي، شكَّلت عناصر مهمة أطاحت بثوابت منظومة الأمن والردع الإسرائيلية، وعلى الرغم من عدم التكافؤ العسكري في المواجهات، إلا أن الحركتين أثبتتا أن الجيش الإسرائيلي قُهر أمام صمود المقاتلين الفلسطينيين، خلال المواجهات برغم قلة الإمكانيات العسكرية المتوفرة لديهم، والمصنوعة محلياً في ظل الحصار الخانق الذي يلف قطاع غزة من كافة الاتجاهات، وقد أعاد هذا الصمود والنصر الاعتبار بشكل كامل إلى المقاومة الفلسطينية بعد حملات التشويه التي قادتها « إسرائيل » برعاية أمريكية وأوربية، وانسياق عربي، واستطاعت الحركتان أن تحققا ما يمكن تسميته بالردع المقاوم في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والذي شكَّل منعطفاً نوعياً في الصراع العربي-الإسرائيلي على الصعيد العملي، والذي سيكون له انعكاسات حول مستقبل « إسرائيل » لو خاضت معارك مع منظمات عسكرية مثل « حزب الله » الذي يمتلك ترسانة عسكرية تفوق أضعاف أضعاف ما تمتلكه المقاومة الفلسطينية.
منتهى القول: بأن المستقبل يُبشر بكل الخير للمقاومة، التي ستُبقى جذوة الصراع مشتعلة مع « إسرائيل »، من خلال التمسك بخيار الجهاد والكفاح المسلح، وعدم التنازل عنه طالما بقيت مبررات هذا الصراع موجودة، ومازال الاحتلال جاثماً على أجزاء كبيرة من فلسطين.