خبر قصر الرمل * اسرائيل اليوم

الساعة 04:54 م|28 يوليو 2017

فلسطين اليوم

بقلم: أمنون لورد
 
على مدى نحو 24 ساعة احتجز الاردن السفارة الاسرائيلية وفريق طاقمها كرهائن. لا يوجد تعريف آخر في هذا الوضع. كل الامتنانات والابتسامات لا يمكنها ان تخفي الواقع. والرسالة من الحديث بين رئيس الوزراء والسفيرة موضع الاعجاب عينات شلاين والحارس زيف، عند اجتيازهما معبر اللنبي، كانت واضحة: يمكن تنفس الصعداء. الحظ هو أنه من اصل ضباب التوتر الذي اخرج الكثيرين عن توازنهم، كان الملك عبدالله ونتنياهو حليفين. فقد اقتادهما كوشنير من اليد عبر ساحة العبوات الناسفة.
 
لقد اخطأ عبدالله في البداية. وفي تلك  الساعات الطويلة من التعتيم الاعلامي في اسرائيل كان يتعين عليه أن يسمح لاسرائيل بان تخرج الحارس من الاراضي الاردنية الى اسرائيل. ويتبين مرة اخرى بان كل مواجهة مع جهة اسلامية تصل الى حافة الاشتعال. المسلمون لا يحبون أن يروا اليهود يمارسون القوة ويصفون من يعتدي عليهم. اردوغان، رائد صلاح، ابو مازن وكذا الاردنيون لا يحبون ان يروا مثل هذه الظاهرة، ليهودي يدافع عن نفسه بالقوة.
 
ولكن « خطأ عبدالله ينبع من أنه يحتاج قبل كل شيء لان يرضي أجهزة الامن والاستخبارات لديه كي لا تنقض الكلاب المسعورة التي تحميه عليه بـ »الخطأ« . وثمة القبائل البدوية. فهي جهة اكثر خطوة بكثير في المملكة الهاشمية من السكان الفلسطينيين الذين هم اغلبية واسعة.
 
قبل بضعة اسابيع فقط، حكم بالمؤبد على ضابط اردني قتل ثلاثة امريكيين، رجال »القوات الخاصة« على ما يبدو من السي.آي.ايه. وكانت الحادثة وقعت في قاعة جوية للامريكيين في الاراضي الاردنية في تشرين الثاني 2016. هذه في الواقع هي الخلفية لكل قضية الحارس الذي اطلق النار على فتى الاثاث في بداية الاسبوع.
 
بعض من قبائل البدو توجد منذ فترة طويلة في حالة شبه تمرد ضد الملك عبدالله. فقاتل الامريكيين الثلاثة هو ابن واحدة من هذه القبائل. وقد طالبوا بالافراج عنه. غسيل العقول  من داعش يتسلل هناك جيدا، مثلما حصل ايضا في اوساط مجموعات معينة من عرب اسرائيل. لا شك ان غرينبلت وكوشنير تعلموا جيدا من السي.آي.ايه عن القضية قبل أن ساعدا نتنياهو وعبدالله للخروج من ساحة العبوات الناسفة التي ربطت بين السفارة في عمان والحرم. فقد كان الانهاء السريع للقضية مطلوبا قبل أن تنتقل الى سيناريو السفارة الامريكية في بنغازي. لقد اجتاز الملك عبدالله مسيرة أبو مازنية. فهو يقضي زمنا طويلا جدا خارج مملكته. لم يعد له منذ الان في الحكم الاردني »رجال اقوياء« ، يمكنه ان يحكم بواسطتهم. وحكومته هي فلسطينية – غربية اكثر فأكثر، تتشكل من اناس يعرفون كيف ينالون اعجاب واشنطن وبروكسل، ولكن ليس في الساحة البدوية في الداخل.
 
يحب الناس فوضى »نقاش« جدي في مواضيع هامة مع كل الجهات. هذا ما اوصى به امنون ابرموفيتش في منتهى سبت المذبحة في حلميش. هذا ما يحبه المراقب يوسف شابيرا. فهل يمكن لاحد ان يوصي كيف يمكن اجراء مشاورات في موضوع مستقبل علاقات بين اسرائيل والاردن دون ان يتسرب الموضوع فيصبح عناوين رئيسة في الصحف ويتسبب بازمة خطيرة؟ لو كانت مشاورات كهذه، ليحتمل ان يكون الاستنتاج بان تحالف اسرائيل مع الدول السنية، ولا سيما الاردن هو قصر من الرمال مبني على رمال متحركة. من  الافضل  عدم الاستثمار هناك اكثر مما ينبغي.
 
منذ أكثر من شهرين، في اعقاب زيارة ترامب الى الشرق الاوسط واسرائيل، قال لي مصدر يعرف الامور من الداخل: »لا مؤشرات على ربيع اسرائيلي – سعودي« . فالانتفاضة الصغيرة التي نشبت من العدم منذ قتل هداس مالكا هي الدليل.
 
تلمون من انعدام المنطق
 
سلسلة اعمال القتل في الشهر الاخير كانت ايضا سلسلة تعليم. ففي ذروة الازمة مع الاردن، رفعت كتل المعارضة برئاسة المعسكر الصهيوني مشروع حجب ثقة. »رئيس الوزراء يقود الشعبين الى جولة دماء زائدة« ، قالت عايدة توما سليمان من القائمة المشتركة. وقد عبرت عن موقف غباي، بيرتس وميرتس.
 
اما موقف وزير الدفاع افيغدور ليبرمان في المقابلة في بداية الاسبوع فكانت معاكسة: »علينا أن نفهم بان ابو مازن ليس شريكا. فهو لا يبحث عن السلام بل يبحث عن استنزافنا، تفتيتنا من الداخل، المس بدولة اسرائيل، بمكانتها في الساحة الدولية« .
 
فقبل شهر ونصف فقط في مظاهرة اليسار بمناسبة »50  سنة على الاحتلال« ، كان أبو مازن إياه مسمار المساء. رسالة السلام خاصته تليت بطلاقة والجمهور هتف. اما الان فيمنح أبو مازن عناق حب لقاتل أبناء عائلة سولمون، وقد تبين كجزء من الاجماع الإسلامي الواسع الداعم للارهاب. مؤيدو أبو مازن في الجمهور الإسرائيلي يسمون العربدة الإسلامية حول الحرم »انتفاضة الغواصات". وفي منتهى السبت بعد المذبحة في حلميش اجتمعوا مرة أخرى في مظاهرتهم المعتادة ضد المستشار القانوني وكأن شيئا لم يكن.
 
يعبر موقف ليبرمان عن الانفصال التام عن فكرة شمعون بيرس الراحل الكاذبة وكأن عرفات وأبو مازن هما رجلا سلام. وسواء كانت قصة البوابات الالكترونية صحيحة ام مغلوطة، فالحديث يدور في اقصى الأحوال عن خطأ مغفور في التفكير. فحيال جمهور إسلامي ستجد نفسك دوما بينما قدم سائق ما تدوس على دواسة الوقود وبغير ذنبه يدهسك. ولكن مسموح الخطأ اذا كنا نفهم بان هذا خطأ، وينبغي تغيير السياسة.
 
على مدى السنين لم تأخذ إسرائيل الفلسطينيين على محمل الجد. لم تأخذ بالحسبان بانه يمكنهم ان يكونوا عدوا خطيرا. فقد قال اسحق رابين غير مرة ان الفلسطينيين ليسوا اعداءنا وبالتأكيد هكذا فكر شمعون بيرس. فالمخاطر الكبرى على إسرائيل كان العراق وايران. وعندما فكر رابين ووازن بين المفاوضات مع السوريين وبين المفاوضات مع الفلسطينيين بدا رهانه على عرفات بمبلغ متدن فيما ان الجائزة الكبرى هي سوريا. رافقته في الشهر الأخير لحملة الانتخابات في 1992. وقد تحدث رابين علنا عن انه في غضون تسعة اشهر سيصل الى اتفاق على حكم ذاتي فلسطيني وسوريا تبقى حتى النهاية، مثلما في اتفاقات رودوس. فقد أخذ  الفلسطينيين على محمل جدي اقل واعتقد بان اتفاق أوسلو قابل للتبدد.
 
لم يكن الخطأ التاريخي الجسيم هو أوسلو، بل عندما لم ينفذ تعديلا للمسار حيال الفلسطينيين، حين كان واضحا بان الواقع يلطمنا على وجوهنا بضربات الإرهاب. عملت في حينه، مثلما هي اليوم، عوامل انعدام المنطق، مثبطي المنطق، وكلاء تجميد المنطق. فحقيقة أنه في كل جالية فلسطينية يمكن أن يطل قاتل محتمل تفترض الوصول الى استنتاجات. فالفلسطينيون هم مع ذلك عدو، وهذا عدو ينبغي التحذير منه والغرس في وعيه بانه لا جدوى من حركة القتل الشعبية خاصته. ينبغي تغيير القواعد.
 
لعل هذا حصل في الأسبوعين الأخيرين. يمكن هدم منازل المخربين في غضون 24 ساعة، والسماح للعائلة برفع التماس الى العليا بعد أن تكون الجرافة قد بسطت الأرض.  يمكن طرد زعماء المخربين والمحرضين وجمع بنك اهداف يسمح بالرد الفوري السريع. سحب المواطنة من شخصيات مثل رائد صلاح وكمال الخطيب واحتجازهم في السجن، واذا كان هناك سبيل لطردهم فهذا افضل. اما التفكير القديم الذي يتصدره الجيش الإسرائيلي، والذي أساسه تهدئة الميدان، فانه يسير في تلم أنماط انعدام المنطق.

 

كلمات دلالية