خبر انتصار مقدسي وسؤال معلَّق

الساعة 04:30 م|28 يوليو 2017

علي عقلة عرسان

صباح يوم الخميس ٢٧ تموز/ يونية ٢٠١٧ أُجبر كيانُ الإرهاب الصهيوني، على إعادة الأوضاع في المسجد الأقصى المبارك، إلى ما كانت عليه قبل الرابع عشر من الشهر ذاته. كان ذلك تحت إصرار الشعب الفلسطيني، لا سيما المقدسيين منه، الذين رابطوا في المكان، وقاوموا، وصمدوا. وقد شابت ذلك الانتصار المقدسي أقاويل، عن دور الصفقة الأردنية - الإسرائيلية« فيه، تلك المتعلقة بقيام الضابط »الإسرائيلي« زئيف، حارس سفارة العدو الصهيوني في عَمَّان، بقتل الأردنيين: العامل محمد جواودة، والطبيب بشار حَمَارنة، قتلهم في بيت الأخير، وفي الأراضي الأردنية، ومن ثم خروجه وطاقم السفارة من الأردن، » سالماً مكرّماً، غانماً منعَّما« ، من دون تحقيق أو سؤال. ليستقبله الإرهابي نتنياهو استقبالاً استفزازياً للأردنيين، بوصفه بطلاً.؟! لقد ادّعا الطرفان الأردني والإسرائيلي، بأنه لم تكن هناك صفقة تتعلق: »الحارس وطاقم السفارة، مقابل إزالة البوابات الإلكترونية من المسجد الأقصى ومداخله« ؟! وهذا ادعاء يضعف الشوائب التي لحقت بانتصار الشعب الفلسطيني في هذه المواجهة، التي دامت اثني عشر يوماً.

لقد أُزيلت البوابات الإلكترونية والكاميرات من المسجد الأقصى ومداخله، وقررت هيئة الأوقاف الإسلامية في الأقصى، فتح أبوابه للمصلين، بعد توقف عن ذلك خلال أيام الأزمة.. وكان زحف فلسطيني له ما بعده، وتهليل وتكبير، كأنما هو يوم فتح مكة. هذا الانتصار للشعب، أعقبه عدوان » إسرائيلي« جديد على المصلين، بعد صلاة العشاء، سقط نتيجته ١١٣ جريحاً فلسطينياً. الشعب المرابط، لم يبخل بالدم، والتضحيات، وفرض وجوده وسيادته على الحرم القدسي كله.

في هذا الحادث، ذي الشُّعبتين، في الموقعين: »القدس وعَمَّان« ، نقرأ هنا، تحت عنوانين: الأول يتصل بالأقصى وبالموقف الشعبي الفلسطيني، والثاني يتصل بالقاتل »الإسرائيلي« والموقف الصهيوني الرسمي منه، وبالقتيلين الأردنيين، والموقفين الأردنيين، الرسمي والشعبي منهما.

في العنوان الأول، القدس والأقصى، انكسرت » السيادة « الصهيونية المتغطرسة، على أيدي المقدسيين ومَن وقف وقفتهم من أبناء فلسطين.. وتأكد للمرة الألف، بعد المئة، تصميم الشعب الفلسطيني على التمسك بمقدساته، وأرضه، وحقوقه.. واستعداده لتقديم التضحيات تلو التضحيات، لبلوغ الغاية، وتحقيق الهدف المرفرع راية : تحرير الأرض والإنسان، وتقرير المصير بحرية تامة، في فلسطين، أرض الآباء والأجداد. »… وتأكد، في جانب آخر، وعلى أكثر من صعيد، غباء نتنياهو وأشباهه وأشياعه، وتطرفهم العنصري، الذي يُعمي ويُصِم، وانعدام الحس الإنساني والأخلاقي لديه، ولدى ٨٠٪ من الصهاينة المحتلين، الذين يسيرون في طريق الإرهاب منذ قرن من الزمان، ويطبقون نهج العنصرية، والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

في الاتجاه الفلسطيني يقظة مُكلفة، ولكنها تكلفة الوجود بمواجهة العدم، وتكلفة الحرية بمواجهة الطغيان، مواجهة الاستقلال للاحتلال، ومواجهة العدالة للظلم. وتكلفة الإنسانيين بمواجهة الصهاينة المتوحشين وسلالتهم، ابتداء بيشوع بن نون، وانتهاء بنتنياهو، ونفتالي بينيت، وإييليت شكيد، وزئيف ألكين.. وذاك الذي يدعى « حن آرتسي سرور »، ملطوش العقل، الذي كتب في يديعوت يوم ٢٦ /٧ عن « مظلومية اليهود في موضوع الأقصى.. »؟! حيث إبادة العرب والمسلمين في فلسطين، هي عندهم نهاية المظلومية؟! فهل يوجد عقل وسلوك بهذه الوقاحة والنتانة، سوى عقل وسلوك « دولة؟! »، يحكمها الحقد العنصري والكذب، هي هذه « الدولة؟! »؟! إن أولئك، ومن سيأتي منهم، على هذه الشاكلة وهذا النمط من الانحطاط العنصري، الفكري والأخلاقي والإنساني، محكوم عليهم، وليس لهم، إلى يوم يبعَثون.

في الاتجاه « الإسرائيلي »، انغلاق عقول وآفاق، وانغماس في الحقد والكراهية، وشَبَق لاستخدام القوة ضد المدنيين العزَّل، ورغبة جامحة، تُسَنُّ لها السيوف والقوانين، لتهويد القدس، والاستيلاء على ما تبقى من أرض فلسطين بيد أبنائها، وإدارة الظهر للعقل، والمنطق، والأمن، والسلم.. ودخول الجَهول، في عتمة القادم المَهول، من السنين والعقود، على أيدي من يفري أكبادهم الظلم، ومَن تُتَهَك حياتهم، وحقوقهم، ومقدساتهم، من بشر لا يسكتون على الذل والضيم، ولا يسجدون إلا لله تعالى. حيث لا يرى أولئك الصهاينة العنصريون، إلا ما يزيِّنه لهم الغرور والجشع والافتراء، والادعاء بأساطير منها: « أنهم شعبٌ الله المُختار؟! »، وأنهم « الحق والأخلاق »؟! إنهم الطُّغاة بعماء، الذين لا يقرون نتائج ما يفعلون، إلا بعد أن تسحقهم قوى الحرية والتحرير، الفلسطينية - العربية، وتعريهم العدالة البشرية التي لا تتخلى عنها الإرادة الإلهية.    

إن أنموذجهم اليوم، هذا النتنياهو وفريقه، الذين لا يرون أبعد من أنوفهم، ولا يستفيدون من التجارب. لقد أكدوا هُم، أن « ممثلي الجيش والمخابرات الإسرائيلية، عرضوا في جلسة،  »الكابينيت« ، »سيناريوهات رعب« ، حول ما هو متوقع اذا لم تتم ازالة البوابات الالكترونية. وضمن امور اخرى قالوا إنه ستنشب انتفاضة جديدة، التنظيم في فتح سيعود الى النشاط، الاشتعال سيمس بالكفاح حيال حزب الله، والعالم الإسلامي المنقسم سيتحد. ». لكن ذلك النُّصح، سقط تحت أقدام المتطرفين في المجلس المُصَغَّر، وقال نتنياهو، بتفاخر: « امرتُ بنصب بوابات الكترونية »؟! وحين « أمَرَ » بتفكيكها، متراجعاً أمام ضغط الشارع الفلسطيني، لم يغير ما بنفسه، ولا حدَّ ذلك من تطرفه. ولم يكن تمتع بحس سياسي، أو إنساني سليم، حين استقبل القاتل « زئيف »، وأخذه بالأحظان كبطل، مستخفاً بمشاعر الأردنيين، الأمر الذي دفع الملك عبد الله الثاني إلى القول: « إن تصرف نتانياهو، المرفوض والمستفز على كل الصعد يفجر غضبنا جميعاً، ويؤدي لزعزعة الأمن، ويغذي التطرف في المنطقة، وهو غير مقبول أبدًا ».

وهؤلاء، من رئيسهم إلى أدناهم مسؤولية، تربوا، روحياً، وثقافياً، وتعليمياً، على عنصرية بغيضة، تجعلهم يمارسون الاستفزاز طبيعة وطبعاً، وليس تطبُّعاً.. ففي يوم القدس الأخير، اقتحمت جموع منهم باحة المسجد الأقصي، ودنست المكان، وأنشدت هناك « الهتكفا = أي النشيد الوطني الإسرائيلي »؟ وفي غمرة أحداث الحرم الأخيرة، يتسءل العنصري لينال شيمش، في « إسرائيل اليوم »: بماذا تساعدنا المدرعات والطائرات المتقدمة اذا لم نستطع الحفاظ على الأمن في المكان الاكثر قداسة بالنسبة للشعب اليهودي؟ اذا لم تكن هناك سيادة لليهود على المكان الأكثر قداسة بالنسبة لنا؟« ؟!. إنها دعوة للقتل، دعوة لإبادة الفلسطينيين من أجل إثبات سيادة يهودية مزعومة، على مقدس إسلامي، محتل منذ خمسين سنة. والشواهد على مثل هذا السلوك، لا تُعد ولا تُحصى.

في العنوان الثاني: القاتل »الإسرائيلي« زئيف، الذي خدم في » غفعاتي، وشارك في العدوان على غزة، عام ٢٠١٤ فيما سُمي « الجرف الصامد ».. وفي الموقف الصهيوني الرسمي من ذلك، وبشأن القتيلين الأردنيين، والموقفين الأردنيين، الرسمي والشعبي من العملية.. كان رئيس كيان الإرهاب الصهيوني، نتنياهو، واثقاً من قول المستشار القانوني للحكومة افيحاي مندلبليت، له حول وضع الحارس: « هم ملزمون باعادته. هو دبلوماسي، حصانته مطلقة. الأردن هو دولة مرتبة، تحترم القانون الدولي ».. وقد ذُكِرَ في معالجة هذا الموضوع، الذي كان ممثل الطرف « الإسرائيلي » فيه،   رئيس الشاباك نداف أرغمان، أن « اسرائيل تنازلت عن تطبيق ميثاق فيينا، والأردن قام بالتحقيق مع الحارس بوجود موظفي السفارة. وفي نهاية التحقيق تم إبعاد موظفي السفارة بشكل مؤقت إلى إسرائيل. وعائلة القتيل وافقت، احتراما للملك والمسجد الاقصى، على تقليص مبلغ التعويض، وليقتصر الأمر على ازالة البوابات الالكترونية من الحرم، وتهدئة الخواطر في المناطق وفي الأردن. ». هذا ما أكده أساف دافيد، في جريدة إسرائيل اليوم، المقرَّبة من نتنياهو، وما ذكره الوزير المومني، لجهة إجراء تحقيق مع المجرم القاتل زئيف. وأن الموضوع انتهى عند هذا الحد.

لم يقبل الشارع الأردني تلك النتيجة، ولم يهدأ. وجاءت استفزازات نتنياهو، لتزيد الموقف توتراً.. 

 الأمر الذي اضطر الأردن للإعلان: « أن الأردن لن يسمح لطاقم السفارة الإسرائيلية، والسفيرة عينات شلاين، بالعودة إلى عمان، قبل الحصول على ضمانات مطلقة وكاملة، بتقديم قاتل الأردنيين للمحاكمة، وتعاون إسرائيل في هذا المجال. ». ولم يُذكر شيئ عن القاتل، ولا عن موقف الأردن منه، بوصفه مجرماً قتل أردنيين عمداً. ومن المعروف، أن المحاكم « الإسرائيلية؛ تبرئ القتَلة اليهود، وتعتبر قتلهم للعرب واجباً، تحت مسمَّى الدفاع عن النفس، ودرء الخطر المُحتَمَل، وإذا صادف وحكمت على مجرم فظَّع في القتل، فبغرامة عدة شواقل، أو عدة أيام حبس.

لقد شخَّصَت عميرة هاس، خمس حالات، لموقف الصهيوني المُعفى من العقاب، والمعلَن بطلاً، في حال قتله للعرب، ونسوق ذلك باختصار، منسوباً إليها، قالت:

عميرة هاس، وخمسة عناصر في التربية الصهيونية العنصرية للعسكريين،  جديرة بأن تلفت انتباهنا وانتباه العالم جيداً، هي:

١ - أن حياة العرب رخيصة في نظر الاسرائيليين

٢ - الجهل بالمجتمع الفلسطيني وتاريخه، والجهل بسيطرتنا عليه وبالمباديء الاساسية للمواطنة والديمقراطية.

٣ - غياب الانتقاد الاجتماعي لظاهرة المسلحين الإسرائيليين الذين يقومون بقتل أو اصابة الفلسطينيين دون وجود خطر على الحياة، أو بعد زوال الخطر، أو عندما يقومون بالتظاهر من اجل الحصول على حقوقهم.

٤ - إعفاء إسرائيل من أي عقاب عندما تقوم بقصف المنازل على سكانها، وتعتمد على نظام تمييز قومي عرقي.

٥ - المعايير المزدوجة التي نتربى عليها. ما نكرهه لأنفسنا ننسبه للآخرين.

 فلنتذكر ذلك الذي تؤكده الوقائع.

» نحن نتذكر حادث قتل حارس ليبي، في سفارة الجماهيرية في لندن، للشرطية البريطانية ايفون فليتشر"، بصورة غير متعمّدة، حيث أطلق النار على متظاهرين ليبيين من داخل السفارة التي يحاصرونها، في احتجاج ضد حكم العقيد معمر القذافي، فأصاب، فيمن أصاب، الشرطية التي كانت بينهم. كان ذلك في ١٧ نيسان.إبريل ١٩٨٤. وكان مقتل الشرطية ادى الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين لندن وطرابلس حتى 1999، في السنة التي اقرت فيها ليبيا بمسؤوليتها عن مقتل الشرطية.

  في عام ٢٠١٥نشرت جريدة الشرق الأوسط، يوم الجمعة - 8 صفر 1437 هـ - 20 نوفمبر، أن الشرطة البريطانية، ألقت القبض على ليبي في قضية قتل الشرطية إيفون فليتشر. وأن ريتشارد والتون، الذي يرأس قيادة شرطة مكافحة الإرهاب في لندن، قال: «هذا هو أول اعتقال ذي قيمة في هذا التحقيق». وأشار إلى أن اعتقال المتهم الأول، يعد «تطورًا مهمًا» في التحقيق بشأن مقتل الشرطية إيفون فليتشر.. مؤكدًا أن «اسكوتلنديارد» ظلت مصممة طوال 31 عامًا على تتبع خيوط الجريمة وتحقيق العدالة للضحية وأسرتها.». وقد أطلقت النيابة الرجل، لعدم توفر الأدلة.

وقال متحدث باسم شرطة اسكوتلانديارد: إن «القضية ما زالت مفتوحة، ونبقى ملتزمين بتعريف المسؤولين عن مقتل الشرطية إيفون فليتشر»./١٧ / أيار/مايو ٢٠١٧

فهل سيتذكر الأردن يا تُرى، القاتل زئيف، أم أنه سينساه تماماً.؟! سؤال برسم الذاكرة الرسمية والشعبية، الأردنية والعربية.

 

دمشق في الجمعة، ٢٨ تموز، ٢٠١٧

 

علي عقلة عرسان

 

 

كلمات دلالية