خبر بوابات الأقصى المستحدثة تزال والخطر يبقى

الساعة 06:08 م|24 يوليو 2017

فلسطين اليوم

بقلم: عدلي صادق

كان لافتا أن انتفاضة الأقصى الجماهيرية، والشبابية في معظمها، قد اكتسبت هذه المرة، عمقا استثنائيا واتسع نطاقها ليشمل أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.

بدا الأمر، في هذه الساعات، يؤسس لسياق تاريخي، معاكس للسياق الذي قطعته الصهيونية، منذ أن صادق “الكنيست” على ما يُسمى “قانون القدس” في نهاية يوليو من العام 1980 زاعما أن هذه المدينة هي “العاصمة الأبدية الموحدة لدولة إسرائيل”.

فبعد صعود “الليكود” إلى الحكم، بزعامة مناحيم بيغن، في مايو 1977 حثت القوة الحزبية الصاعدة، وهي الأكثر تطرفا وعنصرية واستهتارا بالرأي العام العالمي، خطاها في السياق الاستيطاني المستند إلى الأسطورة، ووضعت كل عوامل التفجير التي ظلت تلازم حياة أبناء المدينة، فعاش منهم من عاش، وولد من ولد، على مر سنوات طويلة، في وضعية استلاب كل الحقوق وغياب العدالة والقهر والسلاح المُشرع والبنادق المصوبة على الناس، ومزاحمة العنصر اليهودي المتطرف المشحون بالبغضاء للعنصر الفلسطيني المقدسي صاحب المكان، في بلدته القديمة، التي لا تزيد مساحتها عن كيلومتر مربع واحد.

المسألة لحظة الانفجار، كانت محض بوابات إلكترونية لتقييد تواصل الناس مع المسجد الأقصى، تمهيدا للسيطرة عليه، ووضع نهاية للمنظومة الوقفية التي تديره، وكانت تسلمتها أجيال وقفية بعد أجيال، على الأقل خلال القرون التي أعقبت خمود الحروب الصليبية، وحافظت حتى اليوم على سجلات ووثائق داخل الأقصى!

لكن الانفجار أخرج من أعماق الناس غضبا كظيما، بسبب العشرات من القضايا المتفرعة عن محنة المسجد الذي بارك الله حوله، وانفتح مخزون المظلومية المديدة للفلسطينيين بسبب الاحتلال، المسلمين والمسيحيين قاطبة.

تعاقبت ممارسات التهويد والتمييز والتضييق وهدم المنازل والزجّ بأنماط من البشر المهووسين في الأزقة الفلسطينية الضيقة، لكي يعيش الناس في بيوتهم حياة معلّقة ومعرّضة لكل ما هو فاجع. وقد خَطَتْ حكومة بنيامين نتنياهو خطوات واسعة لتأجيج الصراع، من بينها الإعلان عن بناء وحدات سكنية تلو الأخرى، للمستوطنين، في الحدود البلدية للقدس، والسماح لليهود بالدخول إلى باحة المسجد الأقصى، وممارسة الشعائر اليهودية فيها، على الرغم من التوترات المؤكدة التي ستنشأ عن ذلك في كل يوم، ثم تكليف الجيش وشرطة الاحتلال بحماية المصلين اليهود، وفي حال استشعار الخطر أو ادعائه، على هؤلاء المصلين والمتفرجين اليهود، يمكن إخلاء باحة الأقصى من المصلين المسلمين.

وفي خلال تعاقب التخرصات ومقاربات السيطرة على الأقصى، حاول العنصريون الظلاميون تمرير تشريع في “الكنيست” لمنع رفع الأذان في القدس. ولم يحاول السفهاء التجمّل حين زعموا أن السبب يتعلق بالضجيج والمناخات السمعية، فلم يقولوا إن المنع يطال النفخ الطقوسي اليهودي في قرن “الشوفار” عند الحائط الغربي.

ليس التحدي الفلسطيني الراهن، إلا جواباً لا بديل له، على نوايا استلاب الأقصى وصولاً إلى هدمه، والتدرج في ذلك وصولا إلى ذروة العربدة والإهانة للمسلمين وللقيم الناظمة للعلاقات بين البشر، واستمراراً بالمحصلة للصراع حتى قيام الساعة.

يبدو من خلال كلمة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، بعد أن أتم زيارته إلى الصين ولم يقطعها مثلما أرجفوا، ووصل إلى رام الله، أن الرجل أرادها، نزولا على موقف الرأي العام الفلسطيني، أن تكون مشكلة بوابات إلكترونية، وأن تنتهي بإزالة هذه البوابات المستحدثة، التي لم تكن ستزعجه، لو كان الاعتراض عليها بأقل من هذا الحجم وهذه الحدة. فالرجل أصلاً، ليس من زائري الأقصى، ولا إعلامه ينقل الصلاة منه. وجاءت كلمته لكي تتحدث عن “إجراءات” جوابية لمواجهة القمع الإسرائيلي، لا يمكن رؤيتها، كوقف كل أشكال الاتصالات مع إسرائيل، وهي على أيّ حال اتصالات لا تُرى ولا تُسمع إلا بقدر إعلان الطرف الإسرائيلي عنها. ولم يغامر رئيس السلطة، بذكر التنسيق الأمني، الذي سيكون الادعاء بوقفه، سببا لمساءلته من الطرفين الأميركي والإسرائيلي، وسيكون تكذيبه من قبل الجانبين سريعا كرجع الصدى. وفي هذه الحال يمكن أن يتولى الادعاء بوقف التنسيق، آخرون لا يُعتدّ بأصواتهم، لا فلسطينياً ولا على الجانب المضاد.

أما الخمسة وعشرون مليوناً الهلامية، التي أعلن عباس عن منحها للقدس، فلا تُعرف لها وجهة بمنطق السياسة لا بمنطق الشك المبرر بالمقاصد والسياقات. فعباس- للأسف- لا يستطيع إصدار بيان تفصيلي يضع النقاط على الحروف حول حقيقة صرف المبلغ وجهة صرفه، ولن يستطيع أن يقول إن جزءاً منه لأسر الشهداء الذين سقطوا، وجزءاً لتسهيل الاحتشاد أمام باب الأسباط في الطرقات، بتوفير وجبات طعام ومفارش للصلاة، ولن يستطيع أن يقول إن جزءاً منها لمداواة المصابين، بل نتمنى أن نعثر على وجهة أو عنوان، يصلح بالنسبة إلى عباس، لأن يتلقى شيئاً من المبلغ الذي ذكره، دون أن يُلام، ولم تخطر في باله طوال السنوات، مساعدة الأسر المقدسية المعوزة، على دفع أكلاف لبعض جوانب الحياة، عجزوا عن دفعها في حياتهم تحت الاحتلال.

مسألة البوابات الإلكترونية مستحدثة ومرسومة بالطباشير يسهل محوها. إن التحدي يتعلق بالسياق الصهيوني كله، حيال القدس والأقصى. هنا تكمن المصيبة، الأمر الذي يضطر الفلسطينيين إلى إعادة بناء حركتهم الوطنية، لكي تستوعب دفق الجماهير الحية وتمضي بها وفق استراتيجية عمل منظم، قادر على الوصل بين مكوّنات الشعب الفلسطيني، وعلى مد الجسور مع الأمة، ووضع الأولويات الصحيحة على كل صعيد. فالبوابات ستُرفع لكن التحدي باقٍ!

 

كلمات دلالية