خبر خداع أولمرت وبوش مستمر ..فوزي الأسمر

الساعة 09:19 م|12 ديسمبر 2008

إذا كان هناك من لا يزال يعتقد أن “إسرائيل” حقيقة تريد أن تصل إلى سلام عادل أو حتى إلى سلام غير عادل، مع الفلسطينيين أو مع الشعوب العربية، فعليه أن يتابع ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة ليتأكد أن وجهة نظر “إسرائيل” إزاء السلام تعني الاستسلام.

وليستمع أيضاً إلى الكلام المعسول الذي يصدر عن إيهود أولمرت  لا يزال رئيساً للوزراء في “إسرائيل”  عن ضرورة الانسحاب من معظم الأراضي المحتلة مقابل السلام مع الفلسطينيين. وليتساءل الإنسان عن الأسباب التي تمنع أولمرت كرئيس وزراء من أن ينفذ ذلك؟

الكثيرون يقولون إن أولمرت في طريقه إلى خارج الحكم، ولهذا فإنه يستطيع أن يصرح ما بدا له، والبعض يقول إن تصريحاته هذه نابعة من اقتناع، فلماذا لم يقم بتنفيذ ما يقترحه وهو رئيس وزراء؟ أو على الأقل طرحه أمام الكنيست وليقم الكنيست برفضه؟

فالمصيبة التي يقع فيها الكثيرون من العرب بمن فيهم نسبة كبيرة من المثقفين أنهم يلتقطون مثل هذه التصريحات لبناء وجهة نظر مسالمة، بمعنى التحمس للسلام ومحاولة اتهام بعض القادة “الإسرائيليين” بأنهم هم العقبة في وجه السلام.

ولكن الجميع يعرف أن “إسرائيل” لم تتقدم بمشروع سلام واحد لا للفلسطينيين ولا للعرب منذ قيامها وحتى يومنا هذا. وعندما تقدمت الجامعة العربية بما يعرف ب “المبادرة العربية” في أعقاب القمة العربية التي عقدت في بيروت العام 2002 رفضتها “إسرائيل”، ولكنها عادت إليها بعد ست سنوات لتقبلها بشروط محددة تتماشى مع عقيدتها ومطالبها التي تريد من ورائها نزع جوهر القضية الفلسطينية منها وهو حق العودة، وهي تعرف أن مطلبها هذا مرفوض عربياً، وأن ما قامت به يتماشى مع رفضها لأي حل يعطي الفلسطينيين بعضاً من حقوقهم.

أما جورج بوش فإنه يشبه إلى حد كبير أولمرت، ولكنه كان أجرأ منه عندما اعترف قبل خروجه من البيت الأبيض بأنه ارتكب خطأ كبيراً في شنه الحرب ضد العراق، وذلك في مقابلة تلفزيونية مع شبكة التلفزيون الأمريكية “إيه. بي. سي”. (2/12/2008).

وقال بوش إن أشد ما يؤسفه أنه خاض غمار حرب لم يكن مستعداً لها، واتهم وكالات المخابرات بأنها، حسب ما قال، زودت إدارته بمعلومات خاطئة عن وجود أسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين.

ولكن الصحافي أحرجه وأظهر زيف تفكيره عندما سأله ماذا كان سيفعل لو حصل على معلومات مخابراتية تنفي وجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام؟ وفضّل بوش ألا يرد على هذا السؤال .كما قال في هذه المقابلة إن عدم قبوله تحديد تاريخ لسحب القوات الأمريكية من العراق يعود إلى أن مثل هذا الموقف: “يتناقض مع مبادئي”.

والاعتراف هذا يعني أن بوش كان هدفه منذ البداية تدمير العراق والسيطرة على مقدراته وثرواته، ولهذا لم ينتظر لفحص الحقائق أو الاستماع للأصوات العاقلة التي حذرته من مغبة القيام بمثل هذا العمل، بل إنه ضرب عرض الحائط بموقف الأمم المتحدة والرأي العام العالمي الذي عارض هذه الحرب وحذره من مغباتها.

كما أن اعترافه بهذا “الخطأ” لن يعيد مئات الآلاف من الضحايا العراقيين في هذه الحرب وملايين الجرحى منهم. ولن يعيد أيضاً آلاف القتلى من الجنود الأمريكيين وعشرات الآلاف من الجرحى منهم، ولا بدّ أن نتساءل أيضاً: لماذا استمر بوش في عدوانه على العراق رغم أنه عرف أنه سقط في فخ المعلومات الكاذبة خصوصاً التي زودته بها “إسرائيل”، إذا كان صحيحاً أنه نادم ومعترف بخطئه؟ فلماذا رفض وضع تاريخ محدد للانسحاب مع العراق؟ ألا يدل اعترافه هذا على أن الهدف من ورائه كان إنقاذ ما تبقى من سمعته أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي؟

كذلك فإن بوش يقدم هدية لخلفه باراك أوباما إذا كان صادقاً في موقفه بإنهاء الحرب في العراق وسحب القوات الأمريكية منه. لقد أعطاه بوش صكاً مفتوحاً لتنفيذ وعده، وذلك إضافة إلى أن معظم الرأي العام الأمريكي يقف خلف أوباما في إنهاء مأساة العراق، حيث يستطيع أوباما الآن أن يقول: “أريد تصحيح أخطاء بوش”.

وهذا معناه أيضاً فتح عيني أوباما كي لا يقع هو نفسه في مصيدة التقارير الكاذبة التي تصل إليه بالنسبة للتحديات التي تنتظره، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط، والتقارير التحريضية على المسلمين وربطهم بما يسمونه الإرهاب، وغير ذلك من التقارير التي تهدف الى خدمة أهداف معينة سياسية واقتصادية.

=-0=-0

المستجيرون بالنار..عوني صادق

إزاء ما تعرّض، ولا يزال يتعرض له، الفلسطينيون في مدينة الخليل على أيدي المستوطنين الصهاينة من أعمال إرهابية عنصرية، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة طارئة لبحث الوضع واتخاذ ما يلزم لوقف تلك الاعتداءات وحماية أرواح وممتلكات الفلسطينيين المهددين بشكل دائم من جانب المستوطنين.

وقد تبدو دعوة الرئيس الفلسطيني متوقعة وطبيعية. وللحقيقة فإنه لا يملك غيرها في ضوء ما تتصف به سلطته من عجز إزاء المستوطنين وجيش الاحتلال، وفي ضوء ما أوصلته إليه السياسة التي يتبعها ويتمسك بها وتنتهجها حكومته، والقائمة حصراً على المفاوضات المستندة إلى تلك الخلطة التي قد تميت الحي ولكنها بالتأكيد لا تحيي ميتاً، خلطة ما يسمى “الشرعية الدولية” وما انتهت إليه من ترجمات رديئة تجسدت في اتفاقات أوسلو وطابا وخريطة الطريق، التي على سوئها لم تجد طريقاً إلى التطبيق.

كذلك، فإن الموقف العربي الذي توافق على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي قرر مسالمته ونبذ مواجهته انطلاقاً من خيار “السلام الاستراتيجي” معه، هو الآخر عاجز ومنحاز بالضرورة إلى السلطة التي أفرزها اتفاق أوسلو ورضي بها الاحتلال، وهو لا بد أنه يرى في هذه الدعوة موقفاً صحيحاً بل آخر ما يمكن عمله، ربما إلى جانب تصريح قد يصدر وقد لا يصدر، يندد باعتداءات العنصريين الصهاينة.

إن أول ما يخطر على البال في ظروف ما تتعرض له هذه الأيام مدينة الخليل (وتتعرض له بالتناوب القدس الشرقية ونابلس بل ورام الله وكل المدن الفلسطينية الأخرى) هو معنى تمسك السلطة الفلسطينية بهذه السلطة، وبالتالي بالمفاوضات. فبعد كل “اللقاءات والقبلات والأحضان”، وأيضاً بعد كل “التنسيق الأمني” الذي استحق الإشادة من “الإسرائيليين”، كان على الحكومة والأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” أن تقف ولو قليلاً إلى جانب هذه السلطة، على الأقل لتعطيها مبرراً للبقاء. لكن العكس دائماً هو الذي يحصل مما يجعل الرئيس عباس يستنجد بين فترة وأخرى بما يسمى “المجتمع الدولي” ومجلس الأمن الدولي. فلماذا التمسك بهذه السلطة؟ وما الفائدة من وجودها؟ وما قيمة إشادة الحكومة والأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” بما تقوم به الأجهزة الأمنية الفلسطينية من “جهود” دلّت على تعاونها الأكيد والتزامها الصادق؟

لقد هدد الرئيس عباس أكثر من مرة بأنه سيستقيل، لكنه لم يفعل، لكن التهديد دائماً كان موجهاً إلى الفلسطينيين وليس إلى “الإسرائيليين”. ودائماً تقوم سياسة الحكومات “الإسرائيلية” على أساس أن تكون هذه السلطة كما تريد وإلا فلا ضرورة لوجودها. ألم يقل المجرم أرييل شارون ذلك بوضوح وبصورة عملية عندما باشر عملية “السور الواقي” في سبتمبر/ أيلول ،2000 فداس على اتفاق أوسلو وأعاد احتلال الضفة الغربية؟ لماذا يلغي “الإسرائيليون” السلطة واتفاق أوسلو عندما يريدون، ولا يفعل الفلسطينيون ذلك؟ ألأن “الإسرائيليين” هم الأقوى؟ وماذا ومن جعل الفلسطينين هم الأضعف؟ إن الطرف الفلسطيني المعترف به “إسرائيلياً” وأمريكياً ودولياً هو الطرف الذي نبذ المقاومة وتمسك بالمفاوضات، ألا يعني ذلك أن الكيان الصهيوني وأنصاره وحلفاءه يريدون طرفاً فلسطينياً ضعيفاً ليفرضوا عليه ما يشاؤون؟ لقد كان اللبنانيون هم الوحيدون الذين يرون قوتهم في ضعفهم، ولم يجنوا منها إلا المزيد من الضعف، ولكنهم عندما كفروا، أو كفر قسم منهم، بهذه القاعدة الفاسدة أصبحوا الأقوى وانتصروا على الجيش الذي كان لا يقهر. وهل الأمر في حاجة إلى خبراء عباقرة ليعرفوا أن القوة في القوة، وأن الضعف لا ينتج إلا المزيد من الضعف؟ لقد كان الرئيس الراحل ياسر عرفات هو من مكّن لاتفاق أوسلو أن يمر، لكنه بعد فشل محادثات كامب ديفيد 2000 كان هو أيضاً من أوعز بتشكيل “كتائب شهداء الأقصى” لأنه كان يفهم أن المفاوضات تحتاج إلى المقاومة، والمفاوض الذي لا تسنده القوة ضعيف على الطاولة، كما هو ضعيف في الميدان.

وعلى الرغم من أن المحكمة “الإسرائيلية” العليا هي التي حكمت بإخلاء بيت الرجبي الذي استولى عليه المستوطنون، وكان سبب الاعتداءات الحالية (وهذا جزء من النفاق والتضليل “الإسرائيلي” حول عدالة القضاء “الإسرائيلي”)، فإن وزير الحرب إيهود باراك وهو يأمر جنوده بإخلاء المستوطنين منه بالقوة لا ينسى أن يعلن: “إن من يرجم المستوطنين بحجر إنما يرجم دولة “إسرائيل””! أي نفاق وأي تضليل؟ إن أربعمائة مستوطن صهيوني يتحكمون في مدينة يسكنها نصف مليون فلسطيني. كيف يمكن أن يحدث ذلك من دون حماية الجيش “الإسرائيلي” لأولئك المستوطنين؟ ومن يستطيع أن يجزم بأن تحركات المستوطنين لا تقع بأوامر من أعلى سلطة سياسية في الكيان؟

إن دعوة الرئيس عباس لمجلس الأمن لا طائل من ورائها، وقد أكد مجلس الأمن في بيانه ذلك، والحقيقة أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أعفت كل من يهمه الأمر أن يوجه دعوة كهذه عندما قضت في آخر جلسة عقدها المجلس لبحث موضوع الاستيطان، وكان ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بأن مجلس الأمن ليس هو المكان المناسب لمناقشة هذا الموضوع، وأن “اللجنة الرباعية” الدولية هي المكان المناسب! وعندما اجتمعت اللجنة الرباعية لم تقل أكثر من أنها “حثت الفلسطينيين و”الإسرائيليين” على التعاون”! الرئيس عباس يعرف ولا شك ما هو مجلس الأمن الدولي ومن يتحكم فيه، ودعوته لا تزيد عمن يستجير من الرمضاء بالنار.