خبر الهولوكست.. وسياسة العدوان ضد المسلمين ..عبد الباقي خليفة

الساعة 08:28 م|12 ديسمبر 2008

 

في الغرب يمكن للملحدين التشكيك في وجود الله تعالى، وفي التجديف بحق مريم العذراء، والسيد المسيح، وكل الأنبياء، رغم القوانين التي تحمي النصرانية. ولكن ما لا يتسامح معه، ولا يغفر لمرتكبه هو التشكيك في الهولوكوست، أو رَقَم الملايين الستة التي يقول اليهود أن الزعيم الألماني النازي قتلهم.

 

 أما فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين فلا يوجد أي قانون يحميهما أو يدافع عنهما، بل هما كَلَأٌ مُسْتَبَاحٌ لكل مَنْ هَبَّ ودَبَّ من أراذل الناس وأحطهم منزلة، سواء كان طرحه حِقْدًا أو مُتَاجَرَةً أو مُزَايَدَةً .

 

 نضع هذه المقدمة بين يدي (قضية)- أو قل بلية- ابتُلِيَ بها كاتب بوسني معروف، يدعى: فاطمير علي سباهيتش..وذلك بعد نشر مقالٍ تَحَدَّثَ فيه عن عددٍ من الكُتَّاب الغربيين، الذين شككوا في الهولوكست، مشيرًا إلى أنه إذا افترض أن الرقم صحيح، فهو رَقَمٌ يشمل جميع ضحايا النازية، وليس اليهود فحسب، لكنه جُوبِهَ بهجومٍ شديدٍ من قِبَل ممثل الجالية اليهودية في البوسنة، وبعض الأذناب والسماسرة، ووصفوه بمعاداة السامية، وقُدِّمَتْ ضده شكوى في المحاكم .

 

معاداة السامية تعادل الإرهاب :

 

 وقد نفى فاطمير علي سباهيتش الكاتب البوسني الكبير، تهمةَ معاداة السامية والتشكيك في الهولوكوست، في مقالٍ نُشِرَ له في مجلة " الصف "، وهي مجلة تابعة للتيار السلفي في البوسنة ( أقصد التسمية المحببة لهذا التيار، وليست الأخرى التي يعنيها العالمانيون) .

 

وأعلن سباهيتش في تصريحات جديدة نُشِرَتْ في صحيفة " دنيفني أفاز " أنه لم يُشَكِّك في الهولوكست، ولا يعادي اليهود . وقال: " لم أشكك في الأرقام، وإنما كتبتُ ضِدَّ التجارة بالمآسي التي تَعَرَّضَتْ لها البشرية، بِقَطْعِ النظر عن الشعوب المتضررة من ذلك ".

 

 وانتقد سباهيتش 4 صحف بوسنية، اتهمته بمعاداة السامية، والتشكيك في الهولوكوست، إضافةً للتلفزيون الفيدرالي الذي يسيطر عليه الكروات وبقايا الشيوعيين.

 

ويرجع اهتمام الصحف، وجزءٍ من المجتمع المدني بقضية سباهيتش، بسبب مكانته الفكرية والإعلامية؛ حيث يُعَدُّ من الكتاب المرموقين في شبه جزيرة البلقان وأوربا الشرقية .

 

 وقال سباهيتش: " كل ما في الأمر أني ذكرت ثلاثة من الكُتَّاب الكبار في الغرب الذين شككوا في الهولوكست، لكني لم أفعل ذلك شخصيًّا "، واعتبر الاتهامات الموجهة إليه " كاذبة "، ولا تعكس رؤيته لأحداث التاريخ . وقال أيضًا: " صحيفة سلوبوجينيا تعلم أني لم أشَكِّك في الهولوكوست، وكذلك برنامج 60 دقيقة في التلفزيون الفيدرالي، ولكنهم تعمَّدُوا الكذبَ عَلَيَّ، وهو ما حَوَّلَ القضية إلى القضاء "!

 

انزعاج داخل المجتمع المدني :

 

وقد أعرب المجتمع المدني في البوسنة عن انزعاجه الشديد من تضخيم القضية، وإعطائها بعدًا إعلاميًّا وسياسيًّا وقضائيًّا بشكل هستيري، كما وأعرب المجلس البوشناقي عن قلقه للمستوى الذي وصل إليه قطاعُ الإعلام من الإسفاف، واتهام شخصية إعلامية " على قدر من الاحترام " بمثل هذه الاتهامات.

 

 واعتبر المجلس البوشناقي ذلك " عدوانًا على شعبٍ بعينه في البوسنة "في إشارة إلى البوشناق المسلمين.

 

 واعتبر المجلس البوشناقي الكاتب فاطمير علي سباهيتش ضحيةً من ضحايا الإعلام الذي لا يحترم الحرفية والمهنية ، وهو إعلام  " يضادّ مبدأ التعايش الفكري مع الاختلاف ".

 

 وقال المجلس البوشناقي، وهو تجمع ثقافي بوشناقي: " بالنسبة للبوشناق فنحن قد مررنا بظروفٍ قاتمة في تاريخنا بهذا المكان من العالم، ونتفهم معنى المعاناة التي تعرَّضَتْ لها، وتتعرض لها، شعوبٌ مختلفة في العالم اليوم، ونُعَبِّرُ عن تضامننا معها " .

 

 وكان سباهيتش قد طلب من رئيس الجالية اليهودية في البوسنة، يعقوب فنسي، تقديمَ اعتذارٍ على ما بَدَر منه في حقه . وقال: " لقد قمت بتنظيف المقبرة اليهودية في توزلا، ولم يفعل ذلك فنسي، ولا دزداروفيتش رئيس منظمة هلنسكي لحقوق الإنسان "!

 

 وكان سرجان دزداروفيتش، رئيس مكتب منظمة هلنسكي لحقوق الإنسان في سراييفو، قد أدان سباهيتش بسبب ما أسماه " نشر الكراهية العرقية والدينية "، وأكَّدَ ما تردد عن رَفْعِ دعوى قضائية ضد الكاتب البوسني، الذي أصبح يخشى على حياته، كما يخشى على مستقبله المهني، واحتمال مَنْع نشر كتبه بضغوطٍ خارجية .

 

الهولوكست الحقيقي:

 

 وفيما يَتَبَاكَى المتباكون على ضحايا النازية من اليهود دون غيرهم، وهي قضيةٌ مَرَّ عليها أكثر من 50 سنة، تعيش الأراضي الفلسطينية هولوكستا حقيقيًّا على يد من يقولون: إنهم ضحايا النازية. ومن الغريب أن يتذكر اليهود والغرب ما جرى لليهود في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، ولا يتذكرون ما جرى ويجري للفلسطينيين منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم على يد ضحايا الأمس!

 

وفي الوقت الذي يُحْيِي فيه اليهود ذكرى الهولوكست يمارسون في نفس اللحظة عمليات الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، ويتعاونون مع الهند على إقامة هولوكستها الخاص في كشمير، بينما يتساقط العراقيون يوميًّا في الهولوكست الأمريكي منذ أكثر من عامين، وما الهولوكست الشيشاني عنا ببعيد ! ويعاني المسلمون في بورما، والفلبين، وتايلند، ودول البلقان، والقوقاز، أصنافًا متعددة من الإبادة، سواء الجسدية منها أو الثقافية.

 

فيما تعيش أقطار أخرى في العالم الإسلامي هولوكستها الذاتي، على يد أنظمةٍ موغلة في العداء للإسلام الحي !