خبر إسرائيل والدول العربية والتطبيع

الساعة 08:51 ص|06 يوليو 2017

فلسطين اليوم

في غياب التقدم أو الفرصة الحقيقية بالتقدم في المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، يبدي الكثيرون في إسرائيل مخاوفهم المتزايدة من العلاقات الناشئة في عموم العالم العربي، بدءًا برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووصولًا إلى رئيس المعارضة يائير لبيد ويتسحاق هرتسوغ، الكثيرون من القادة السياسيين الرواد يعتقدون بأن توحد المصالح المتزايد بين إسرائيل والدول العربية السنية - وسيما حول أهداف مثل كبح إيران ومحاربة التطرف الإسلامي - يمكن ان يستخدم كقاعدة للتطبيع العربي الإسرائيلي والإسهام في إحراز تقدم في القضية الفلسطينية التي طال أمدها.

نتنياهو يتحجج بكل وضوح انه وبعد سنوات من الأمل في إحداث اختراق مع الفلسطينيين يقود إلى علاقات أفضل مع الدول العربية، يتوقع الآن ان « هذه العملية يمكن أيضًا ان تعمل في الاتجاه المعاكس: تطبيع العلاقات أولًا مع العالم العربي يمكن ان يساعد في دفع عملية السلام بيننا وبين الفلسطينيين، سلام يكون مراقبًا ومستقرًا وأكثر تأييدًا ».

يبدو أيضًا ان نظام ترامب يعلق آماله على فكرة « من الخارج للداخل »، أي إدارة مفاوضات مباشرة مع الدول العربية على أمل ان تستخدم نفوذها لدى الفلسطينيين لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط. بعد ان التقى في قمة الرياض (مايو 2017) مع أكثر من 50 من قادة العالم الإسلامي، قال ترامب عند وصوله إلى إسرائيل انه « متحمس للغاية » نتيجة لقاءاته، وأكد على ان الملك سلمان « سيسعد برؤية السلام يتحقق بين الإسرائيليين والفلسطينيين »، ترامب قال للإسرائيليين ان « هناك تفهم متزايد في أوساط جيرانكم العرب بأن لديهم هدف مشترك معكم لقاء التهديد الذي تشكله إيران »، وحسب أقوال الوسيط الخبير المخضرم في شؤون الشرق الأوسط دينيس روس فإن المنطق في فكرة « من الخارج للداخل » هو انه « وبسبب كون الفلسطينيين ضعفاء ومنقسمين كثيرًا، ولأن هناك بين علاقة خفية بين العرب السنة وإسرائيل؛ هناك أمل بأن يكون العرب مستعدين لفعل المزيد ».

التقارب الاستراتيجي بين إسرائيل وعدد من الدول العربية غير قابل للشك، والتعاون من وراء الكواليس بينهم مثمر أكثر من ذي قبل. مع ذلك، وبعد ان أمضيتُ قسمًا كبيرًا من الأشهر الأخيرة في عواصم البلدان العربية وإسرائيل على حد سواء، وناقشتُ هذه القضية مع زعماء سياسيين وقادة دبلوماسيين ورجال أعمال وغيرهم؛ أعتقد بأن الآمال العريضة التي علقت على تحقيق التطبيع قبل الاتفاق مع الفلسطينيين تقوم على أساس تقدير خاطئ.

خطوات التطبيع المعتدلة مع دول بعينها إذًا من شأنها ان تكون ممكنة إلى حد ما، وإسرائيل ستتخذ هي الأخرى خطوات مقابلة، لكن التطبيع الحقيقي بين الدول العربية وإسرائيل سيحدث فقط في إطار سلام شامل يؤيده الفلسطينيون. حتى الخطوات المعتدلة المذكورة تتطلب من الجانب الإسرائيلي لفتات مهمة أكثر بكثير مما يميل الإسرائيليون إلى التفكير فيه، لا خلاف ان على الإسرائيليين الاستمرار بالسعي نحو العلاقات الافضل مع الدول العربية لأسباب سياسية واستراتيجية واقتصادية، ولكن من يتوجه إلى الدول العربية ظنًا منه ان المقصود اختصار الطريق نحو القضية الفلسطينية أو يتوقع انه يستطيع ان يقيم علاقات تقارب أفضل مع العرب دون التطرق إلى القضية الفلسطينية؛ نتوقع ان مصيره خيبة الأمل.

لماذا تعتبر فرص التطبيع ضعيفة؟

التقاء المصالح المتزايد والتقارب الاستراتيجي والتعاون السري بين إسرائيل وبين الكثير من الدول العربية يعتبر واقعًا، إسرائيل أصبحت بعيدة عن رأس سلم الأولويات الأمني كعدو بالنسبة للقادة العرب الذين يتقاسمون معها المخاوف العميقة فيما يخص إيران والإسلام المتطرف وعدم الاستقرار الإقليمي. من وراء الأبواب المغلقة يعترف هؤلاء الزعماء بأن إسرائيل لا تهددهم، وأن هناك مزايا استراتيجية واقتصادية تكمن في التعاون الخفي معها. وحسب ما قاله لي مسؤول رسمي كبير في الخليج « نحن وإسرائيل ننظر إلى المنطقة من منظور متشابهٍ للغاية، الإسرائيليون لا يقتلون شعبنا، إيران والدولة الاسلامية يقومان بذلك »، وحتى الملك السعودي سلمان - الذي لا يعترف بوجود إسرائيل بشكل رسمي - يعترف بأن إسرائيل هي « حقيقة قائمة ».

وإلى ذلك، ما تزال هناك عقبات سياسية كبرى أمام التقارب العلني بين الدول العربية وإسرائيل، فالحكومات العربية في الدول الرائدة - وسيما في الرياض - تواجه مجموعة كبيرة من التهديدات التي تهدد أمنها، بل وحتى جوهر وجودها، وهي تشهد تهديدات أمنية من جانب إيران واليمن وسوريا والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، بمن فيهم الاخوان المسلمين والقاعدة و« الدولة الإسلامية »، وتواجه تهديدات على استقرارها السياسي من جانب تجمعات سكانية فائرة وكبيرة، وتضطر إلى مواجهة التغيرات الاجتماعية والتقنية المتسارعة والتراجع الاقتصادي الذي مصدره أسعار النفط المتدنية.

في ظل هذه الظروف لا يستطيع زعماء المنطقة أن يسمحوا لأنفسهم بإنفاق رأس مال سياسي نفيس في الدفاع عن التقارب العلني مع إسرائيل، الخطوة التي سيعتبرها معظم مواطنيهم خيانة للكفاح الفلسطيني الذي ما يزال يحظى بدعم الشعب. زعماء عرب سابقون ممّن وافقوا على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل (أنور السادات في مصر وحسين ملك الأردن) كانوا زعماء أقوياء ومستبدين، شعروا بأنهم قادرون (بالخطأ في حالة السادات) على القيام بالمخاطرة السياسية في التطبيع مع إسرائيل دون تعرض حكمهم للخطر. غالبية الزعماء العرب الحاليين لا يريدون ان يروا أنفسهم ذوي قدرة على مثل هذه المخاطرة السياسية دون مقابل معقول وأكيد.

كما ان هناك معيار إقليمي مهم آخر: في حقبة التنافس السياسي المر مع إيران، العربية السعودية على وجه الخصوص لن ترغب بالتنازل عن القضية الفلسطينية لصالح خصومها في طهران، والذين من المؤكد أنهم سيشجبون الرياض في أي تقارب علني مع إسرائيل. الإيرانيون في هذه الحالة سيزعمون بأنهم هم المدافعين الحقيقيين عن الحقوق الإسلامية في القدس، وسيسعون إلى تقديم العربية السعودية - حتى في عيون مواطنيها - على انها « دمية » في يد الولايات المتحدة وإسرائيل، إنها مخاطرة لا يستطيع القادة السعوديون القيام بها.

واضحٌ ان السؤال « ما هو الممكن وغير الممكن؟ » مختلف إلى حد كبير بين مختلف الدول العربية، فمصر والأردن لهما الآن علاقات دبلوماسية وأمنية مع إسرائيل، تُعتبر أقرب من أي وقت مضى من عدة نواحٍ (وإن لم تحظَ بالعلانية بعد)، موريتانيا اعترفت بإسرائيل في 1999، وإن كانت قد جمّدت هذه العلاقات فيما بعد، في الماضي قام مسؤولون كبار من قطر وعُمان والمغرب بزيارة نظرائهم الإسرائيليين، وسمحوا لإسرائيل بفتح ممثليات تجارية في بلدانهم، غير ان هذه المكاتب اضطرت إلى إغلاق أبوابها مع اندلاع جولات الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين (عمان أغلقت الممثلية عام 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، وقطر فعلت ذلك بعد عملية « الرصاص المصبوب » في غزة عام 2009)، الامارات المتحدة تستضيف وفدًا إسرائيليًا تابعًا للوكالة الدولية للطاقة المقيمة في أبو ظبي، يمكنها على ما يبدو ان توسع بأناة علاقاتها مع إسرائيل، لكنها لن ترغب بالمخاطرة والتعرض للانتقاد من قبل أعدائها في حماس والاخوان المسلمين، العربية السعودية لديها مساحة مناورة أقل بسبب مكانتها الخاصة في العالم الإسلامي، الهشاشة النسبية في نظامها السياسي وشدة منافستها الإقليمية مع إيران وحكومات كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن متأثرة للغاية بإيران، بحيث ان أي تقارب مع إسرائيل لن يكون واردًا بالحسبان؛ الأمر الذي يوحد جميع الدول العربية المختلفة هذه هو عدم الرغبة في دفع الثمن السياسي للتقارب العلني مع إسرائيل في ظل غياب أمر حقيقي ما يبدو انه مقابل.

حتى الخطوات الجزئية نحو التطبيع، والتي كثيرًا ما نوقشت (مثل: العلاقات في الاتصالات السلكية واللاسلكية بين الدول العربية وإسرائيل، وإعطاء حق المرور للطائرات الإسرائيلية، واستصدار تصاريح لرجال الأعمال الإسرائيليين للعمل في الخليج، وتبادل البعثات الرياضية أو الثقافية أو اقامة اتصال مع دبلوماسيين إسرائيليين خلال اللقاءات الدولية) ستحتاج على ما يبدو إلى خطوات كبيرة من جانب إسرائيل، أكثر مما يعتقده الكثيرون من الإسرائيليين.

وكذلك مثل هذه الخطوات المعتدلة ستكلف الزعماء العرب ثمنًا باهظًا في حال ضبطوا يقومون بها على خلاف رغبة الفلسطينيين، الذين يتمسكون بالخوف من ان التطبيع الاقتصادي والدبلوماسي سيكون على حساب تطلعاتهم السياسية، ويظنون ان الوقت يعمل لصالحهم. على سيل المثال: اللفتات الاقتصادية التي أعلنت عنها إسرائيل خلال زيارة الرئيس ترامب في مايو 2017 - بما في ذلك تسهيل دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، وزيادة ساعات فتح معبر اللنبي إلى الأردن، والسماح بتوسيع المنطقة الصناعية في ترقوميا إلى داخل المنطقة (ج)، وإعطاء التراخيص لألاف البيوت الفلسطينية في أجزاء المنطقة (ج) - لم يكن لها سوى القليل من التأثير. رغم الخلاف الكبير الذي أثارته هذه الخطوات في الكابينت الإسرائيلي؛ إلا انها بدت في نظر العرب أشكالًا مكررة لما كان قد وُعد به الكثير من المرات في الماضي. وبشكل غير مفاجئ، التقارير الواردة في الصحف التي أكدت ان دول الخليج العربية بلورت مقترحًا، وكانت على قريبة من صفقة تطبيع مع إسرائيل عشية رحلة ترامب في المنطقة؛ اتضح أنها كانت مبكرة للغاية.

 

الدول العربية، وبتحذير من الفلسطينيين، كانت حذرة أيضًا من القيام بخطوات ستفسر على أنها « دائمة » أو « شرعية » تجاه إسرائيل مقابل خطوت إسرائيلية « شرعية » بأنها ستكون عكسية. على سبيل المثال: الاعتراف الرسمي بإسرائيل على أنها دولة يهودية أو الموافقة على إبقاء التواجد الإسرائيلي في التجمعات الاستيطانية الكبرى مقابل توسيع حرية حركة الفلسطينيين أو الحكم الذاتي، والذي يمكن إلغائها في المستقبل بكل سهولة. بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى ان الجامعة العربية في بيانها الأخير، والذي صادقت فيه على التزامها بالمبادرة العربية للسلام، والتي تقترح الاعتراف بإسرائيل مقابل السلام الشامل مع الفلسطينيين وتعهد الزعماء العرب بالتطبيع فقط بعد إتمام سحب القوات الإسرائيلية بالكامل من المناطق الفلسطينية، فهم يخشون من ان أي ترتيب آخر من شأنه ان يقود إلى الاعتراف بإسرائيل مقابل انسحاب لا يتم في وقته المحدد.

وخلاصة القول: ان هناك فرق بنيوي كبير في الطريقة التي تنظر فيها كل إسرائيل والعرب إلى الخطوات باتجاه التطبيع؛ إسرائيل ترى فوائد عظيمة في تسليط الضوء على التعاون الاستخباري والعسكري والاقتصادي الذي سيدفع بالفعل باتجاه قبولها في المنطقة ويقلل الجهود الدولية المبذولة في عزلها ويحرر جزءًا من الضغوطات الممارسة عليها من أجل القيام بتنازلات أخرى لصالح الفلسطينيين، إسرائيل ستوسع شرعيتها الدولية من خلال إقامة علاقات رسمية مع الدول العربية الكبرى، وستجد الأعمال الإسرائيلية فرصًا جديدة في الأسواق العربية إذا أمكنها العمل هناك علانية. لدى العرب في المقابل الديناميكا معكوسة، فتحويل التعاون من السرية إلى العلن سيجبي منهم ثمنًا باهظًا، ولأن الدول العربية تحصل من إسرائيل على أغلب ما تريده بطريقة سرية فليس لديها دافع كبير لتوسيع العلاقات العلنية معها دون ان يكون لذلك سبب مهم. حتى مصر والأردن - واللتان لهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتعاون أمني واستخباري موسع معها - من وراء الكواليس ترفض ان تبدو متصالحة جدًا على الملأ طالما ان مواطنيها تعتبر تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين بكل هذه السلبية.

كلمات دلالية