خبر نعم.. لولا الكارثة لما كانت النكبة... هآرتس

الساعة 12:15 م|02 يوليو 2017

بقلم

"الثواب الوحيد –إذا كان هناك ثواب على الاطلاق على ذبح ستة ملايين يهودي… (هو) أمر واحد ووحيد: إقامة الدولة اليهودية قريبا في أيامنا!”، أعلن دافيد بن غوريون في خطابه امام المؤتمر الصهيوني الـ 22 في 10 كانون الاول 1946. ويمكن أن نفهم من كلامه بانه في نظر المسؤولين في قيادة الصهيونية بعد الكارثة، فان احد التعليلات المركزية في اقامة الدولة قريبا سيكون الحجة بانه ينبغي “تعويض” الشعب اليهودي على الكارثة.

لقد كان بن غوريون بالتأكيد سيتفاجأ لو سمع بانه بسبب هذه الاقوال يحتمل ان يعتبر في المستقبل كمبشر لنفي الصهيونية. ولكن اذا اتفقنا مع رد عينات ويلف على مقال دانييل برنبويم (هآرتس 11/6 و 13/6) – والذي عنونته في اللقب المشكوك فيه “نافي الصهيونية”، بسبب الادعاء الناشيء عن مقاله بانه لولا الكارثة لما كانت قامت دولة اسرائيل – فلا مفر من أن نسمي بن غوريون “نافي الصهيونية على الطريق”.

ترفض ويلف بشدة كل علاقة سببية بين كارثة يهود اوروبا واقامة دولة اسرائيل، بدعوى أن نظرية تربط بين هذين الحدثين تتجاهل حقيقة أنه “فضلا عن الجانب الحاسم للاستقلال، فان دولة اسرائيل التي على الطريق، كانت قائمة عمليا عشية الحرب العالمية الثانية”. وينضم البروفيسور يهودا باور الى اقوال ويلف (هآرتس 18/6). وبالنسبة له ايضا فان الادعاء بان دولة اسرائيل هي نتيجة الكارثة، مغلوط من الاساس لان “الحركة الصهيونية بنت بنية تحتية لكيان يهودي سياسي في بلاد اسرائيل في العقود التي سبقت 1947 – 1948″.

صحيح أنه في كل ما يتعلق بالجوانب المؤسساتية في مجالات الاقتصاد، المجتمع والسياسة، لا شك ان الاثنين محقان – فان لمفهوم “الدولة على الطريق” في بلاد اسرائيل الانتدابية كان له مضمون حقيقي. ولكن من ناحية الوعي والفكر، فان “الطريق” الى “دولة يهودية” التي رأتها الصهيونية في بلاد اسرائيل في معظم فترة الانتداب البريطاني، كان يفترض أن يكون طريقا طويلا. ومن يفحص عميقا الوعي السياسي للتيار الصهيوني المركزي في الحاضرة اليهودية في العشرينيات وفي معظم الثلاثينيات، لن يجد فيه اي اعتراف بحاجة عاجلة (الى اقامة الدولة اليهودية قريبا في ايامنا)، مثلما صرخ بن غوريون في خطابه. أفليس المنطق الداخلي الاساس للايديولوجية الطلائعية للصهيونية الاشتراكية – التي كانت العامل الحاسم في بناء اساسات “الدولة على الطريق” – كان يكمن في فكرة بناء متدرج للبلاد من الطلائع، المسيرة التي كانت كفيلة بان تستغرق فترة زمنية طويلة جدا.

إن كارثة يهود اوروبا، التي جسدت للصهيونية الهشاشة الجمة لحياة اليهود في المنفى، والى جانبها مشكلة اللجوء – غيرتا هذا الفهم من الاقصى الى الاقصى في اوساط اجزاء مركزية من الصهيونية. وبالمناسبة، فان رجال “الحرس الفتي”، كما اظهرت البروفيسورة أفيفا حلميش في السيرة الذاتية التي كتبتها عن مئير يعاري، واصلوا التمسك بفكرة “الطريق الطويل” حتى في 1945 – 1947، فبالضبط اولئك الصهاينة، الذين شككوا باحتمالية اقامة الدولة فورا، سعى بن غوريون الى اقناعهم في خطابه بالحاجة الى السعي في الاستقلال.

هنا تكمن إذن علاقة سببية جوهرية – حتى وان كانت غير مباشرة – بين الكارثة واقامة الدولة. اساسها: احدثت الكارثة تغييرا عميقا في الوعي الصهوني – نتيجته رفعت الصهيونية طلب الاستقلال بحزم وبلا مساومة – وقد عرف لهذا وزن مركزي، إن لم نقل حاسم في جملة العناصر التي أدت الى قرار التقسيم وتأسيس الدولة. فبعد كل شيء، فانه بدون إرادة شديدة من الصهيونية نفسها لاقامة الدولة (قريبا في ايامنا)، الارادة التي كانت بعد الكارثة شديدة باضعاف مما كانت قبلها – ما كانت الدولة لتقوم حقا.

ترد ويلف وباور ردا باتا ايضا الادعاء الاخر لبرنبويم والذي يقول فيه انه بدون الكارثة ما كانت لتقع النكبة. ولكن نظرة عميقة على تاريخ الصهيونة وبلاد اسرائيل قبل الكارثة وبعدها تبين بان الادعاء بهذه الروح، ربما بصيغة اقل حزما، يوجد اساس مقبول على العقل.

من المشهور هو أن احد المبادىء الاساس الملزمة للقومية الصهيونية كان التطلع القاطع وغير المساوم لتحقيق اغلبية يهودية في بلاد اسرائيل، او – في ضوء المداولات على تقسيم البلاد – في قسم منها المخصص لاقامة الدولة. فعلى معظم تاريخ الصهيونية دعت الصهيونية لتحقيق هذا التطلع من خلال الهجرة التدريجية لملايين اليهود، ممن كانوا في معظمهم في تلك الفترة في اوروبا.

ولكن مع الكارثة تغيرت الامور تغييرا عميقا. فالمخزون المركزي في اوروبا، وأولا وقبل كل شيء في بولندا، لهجرة ملايين اليهود، التي بمعونتها أملت الصهيونية في أن تخلق في البلاد في يوم من الايام الاغلبية اليهودية المنشودة، قل جدا في اعقاب الابادة.

وهكذا من ناحية الصهيونية، فان الطريق الناجع لضمان أن يكون في الدولة اليهودية – التي ستقوم “قريبا في أيامنا” – اغلبية يهودية متماسكة، كان يجب ان يمر في مسار التقليل الدراماتيكي لعدد الفلسطينيين في اراضي  الدولة المخصصة.

محق باور في قوله انه “كارثة أكثر معناه صهيونية أقل واسرائيل أقل” أو بتعبير آخر، قتل ملايين اليهود جعل من الصعب جدا تحقيق الرؤيا الديمغرافية الصهيونية لاقامة دولة يهودية مع اغلبية يهودية. ولكن في نفس الوقت سادت أيضا صيغة تاريخية اخرى، ترتبط بشكل وثيق  مع صيغة باور: “كارثة أكثر، نكبة أكثر”، اي، بغياب الاحتياطي للزيادة الكبيرة لعدد سكان اليهود في البلاد من خلال الهجرة، كانت النكبة بالنسبة للصهيونية وسيلة اساسية لتحقيق سريع لحلم الاغلبية اليهودية. فبعد الكارثة إذن كان وقوع النكبة مجرد مسألة وقت.

كلمات دلالية