خبر تحذير قبل القطع -يديعوت

الساعة 10:34 ص|17 يونيو 2017

فلسطين اليوم

بقلم: اليكس فيشمان

          (المضمون: قرار الكابنت الاسرائيلي تقليص كمية الكهرباء المزودة لقطاع غزة جاء في اعقاب عدد من اللقاءات بين مسؤولين اسرائيليين وفلسطينيين، ويهدف القرار الى ارسال رسالة الى الدول المانحة بأنه اذا لم تقم بفتح جيوبها فستكون مسؤولة عن الازمة الانسانية غير المسبوقة. وليس من الواضح اذا كان هذا الرهان سينجح أو انه سيؤدي الى الانفجار الذي لا يرغب فيه أحد - المصدر).

          لم يجف بعد حبر قرار الكابنت تقليص تزويد الكهرباء لقطاع غزة، حتى بدأت من وراء الكواليس مساعي التوصل الى حل، من خلال تدخل عدة دول منها الدول التي لم تحلم اسرائيل بأنها قد تتدخل بما يحدث في القطاع. وفي الاجهزة الامنية والعسكرية هناك رضى من المناورة التي فيها الكثير من الرهان والناجحة في نفس الوقت.

          وبالتوازي، من اجل اضافة المزيد من رافعات الضغط التي تفتح عدة جيوب اخرى، تقول الاجهزة العسكرية بكل جرأة إنه اذا لم يتم حل مشكلة الطاقة المتصاعدة في القطاع فستنشب حرب في الصيف القريب. بالاضافة الى تهديد حماس بأن طبول الحرب هي دعوة لارباب المال الذين تعهدوا باعمار القطاع بعد عملية الجرف الصامد واختفوا: يجب عليكم ايجاد المال وإلا فأنتم المسؤولين ليس فقط عن الكارثة الانسانية، بل ايضا عن سفك الدماء.      

          في اللقاءات التي تمت في الاشهر الاخيرة مع رئيس السلطة الفلسطينية، والتي وصلت الى ذروتها في اللقاء بين وزير المالية موشيه كحلون ورئيس الحكومة الفلسطيني رامي الحمد الله تبين أن السلطة قد طلبت التوقف تماما عن دفع ثمن الكهرباء التي تزودها اسرائيل للقطاع والتي تبلغ قيمتها 40 مليون شيكل سنويا. هذه الخطوة السياسية جاءت بمبادرة من أبو مازن الذي يريد استغلال ضعف حماس الاستراتيجي كي يأخذ منها ما تعهدت به في اتفاق المصالحة بين حماس وفتح في العام 2014، « اتفاق الشاطيء »، حيث تم الاتفاق فيه على أن تقوم السلطة بوضع رجالها في المعابر الحدودية وأن تقوم حماس باعطاء السلطة في رام الله المسؤولية عن الشؤون الاجتماعية في القطاع. ولم يلتزم أي طرف بما تم الاتفاق عليه، فقرر أبو مازن الآن أنه حان الوقت الى الذهاب حتى النهاية مع حماس واخضاعها. وقد بدأت السلطة بفرض العقوبات الاقتصادية على القطاع، بدء بتقليص 30 في المئة من الرواتب ومرورا بوقف دفع ثمن الكهرباء للقطاع. أو كما قال رئيس الاجهزة الامنية الفلسطينية ماجد فرج: « يجب أن لا تعتقد حماس بأن السلطة ستقوم بتمويل ثورتها »، وكان يقصد الطريقة التي قامت حماس فيها بالقاء السلطة خارج القطاع قبل عشر سنوات.

          إن خطوة أبو مازن أحادية الجانب أدخلت اسرائيل الى الشرك. فمن جهة اسرائيل لا تريد التدخل بين السلطة وحماس وأن تحسم لصالح حماس. ومن جهة اخرى، تفاقم الازمة الانسانية لا يوجد الآن في خطة عمل الحكومة الاسرائيلية التي تفعل كل شيء من اجل عبور الصيف بسلام حتى يتم استكمال بناء العائق حول قطاع غزة. لذلك، باشر منسق الاعمال في المناطق، العقيد يوآف مردخاي، المفاوضات مع السلطة الفلسطينية في محاولة لاقناعها بالنزول عن الشجرة. اسرائيل تقوم بخصم رسوم المياه والكهرباء من اموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة، والخدمات الصحية التي تقدم للقطاع في المستشفيات الاسرائيلية. السلطة الفلسطينية ارادت التوقف تماما عن دفع ثمن كهرباء القطاع، لكن في نهاية المطاف بدأ يتشكل حل وسط: اسرائيل ستأخذ من اموال السلطة فقط 15 مليون شيكل شهريا من اجل الكهرباء. والارقام تعني أن الكهرباء ستتوفر بساعة أقل في القطاع. الفرق هو بين اربع ساعات من الكهرباء في اليوم مثلما هو الوضع الآن، وبين ثلاث ساعات من الكهرباء يوميا مستقبلا.

          الاصدقاء من سجن هداريم

          في ظل غياب سياسة تجاه الموضوع الفلسطيني بشكل عام وغزة بشكل خاص، تلتصق اسرائيل بالوضع الراهن الذي يقدس العزلة بين غزة والسلطة. هذه العزلة تخدم الادعاء الاسرائيلي بأن السلطة الفلسطينية لا تمثل كل المجتمع الفلسطيني، لذلك فان التوصل الى اتفاق معها لا يمكنه أن يشكل أساسا للاتفاق النهائي. بكلمات اخرى: اسرائيل لا تريد فعليا توصل السلطة الفلسطينية الى تفاهمات مع حماس لأن هذا الامر سيضر بالعزل بين الضفة وغزة. إن اسرائيل راضية جدا عن الضغط الذي تستخدمه السلطة على القطاع وتصور أبو مازن كمن يقوم بتعذيب أبناء شعبه. ومن جهة اخرى، الازمة الانسانية في غزة لن تزيد الضرر على صورة اسرائيل فقط، بل ايضا قد تؤدي الى مواجهة عسكرية اخرى مع حماس. لذلك فان الاجابة الاسرائيلية على الازمة الانسانية الحالية هي محاولة القفز عن السلطة الفلسطينية من خلال جهة اجنبية توفر ثمن الكهرباء وتعيد الازمة الانسانية في القطاع الى حجمها السابق.

          لقد تواصل منسق شؤون المناطق في الاسابيع الاخيرة بشكل مباشر مع الدول المانحة. اذا لم تكن اموال من السلطة فان اسرائيل لن تقوم بدفع ثمن الكهرباء. وقال لبعض ممثلي الدول الاجنبية في اسرائيل في المحادثات الهاتفية ما لم يستطع كتابته رسميا. وكانت الفكرة الاساسية هي: إفتحوا جيوبكم.

          الجواب الذي حصل عليه من الدول العربية والغربية التي توجه اليها كان مخيبا للآمال. إن استثمار الاموال في المنطقة التي تديرها حماس، التي اعتبرها رئيس الولايات المتحدة منظمة ارهابية، ليس امرا يبعث على التشجيع. لقد كان واضحا لكل من لهم صلة بالقضية أنه توجد هنا قنبلة موقوتة. في الايام العادية كان يمكن الاعتماد على اصدقائنا في قطر من اجل حل المشكلة. إلا أنه منذ زيارة ترامب في السعودية وعلى خلفية الازمة مع العالم العربي السني، تراجعت قطر ووقف جانبا. سفير قطر في قطاع غزة، محمد العمري، عاد الى البيت قبل ثلاثة اشهر، وليس من الواضح متى سيعود. شيك قطر الصغير الذي يمكنه اغلاق الزوايا غير موجود، وحتى الآن ما زالت قطر هي القناة السرية للتواصل مع حماس، لكن في موضوع الاموال هناك جمود. 

          مقابل تراجع قطر حاولت حماس في هذا الاسبوع فتح بوابة مصر من جديد، في يوم الثلاثاء عاد رئيس حماس يحيى السنوار من زيارة لعدة ايام في مصر. وقد كان هدف الزيارة هو التوصل الى اتفاق مع مصر حول فتح معبر رفح وزيادة كمية الكهرباء المزودة من مصر للقطاع، لكنه عاد مع نتائج قليلة جدا. صحيح أن مصر لم تقلص كمية الكهرباء المزودة للقطاع، لكنهم لم يزيدوها ايضا، بل قاموا بخطوة عكسية واعلنوا عن وجود عمليات صيانة لخطوط الكهرباء في سيناء، الامر الذي قطع بشكل مؤقت وصول الكهرباء من مصر الى قطاع غزة. ليس من الواضح ما الذي تم الاتفاق عليه حول معبر رفح، لكن لا يبدو أن مصر قد تعهدت بفتحه. التعهد الوحيد الذي قدموه للسنوار كان فتح معبر رفح في عيد الفطر، ومصر من ناحيتها عادت وكررت طلبها الدائم من حماس، وهو الطلب القائم منذ سنتين والذي يواجه الرفض، وهو تسليم 17 مطلوبا من حركة الاخوان المسلمين، والابلاغ عن كل حركة في الانفاق والمساعدة في الصراع ضد داعش في سيناء ومنع تهريب السلاح الى القطاع. وقد تم تسريب كل هذه الطلبات الى الصحيفة اللندنية « الشرق الاوسط » من اجل وضع السنوار وحكومته الجديدة أمام التحدي.

          خلال زيارته لمصر، التقى السنوار مع محمد دحلان، خصم أبو مازن الاكبر. ومصر هي التي ضغطت على السنوار لاجراء اللقاء من اجل فحص امكانية عودة دحلان الى القطاع والاستعداد لوراثة أبو مازن. السنوار يعتبر دحلان واشيا وخائبا، وهو يتهمه بمساعدة اسرائيل على قتل رئيس الذراع العسكري في حماس، صلاح شحادة، في 2002. ورغم ذلك وافق على الالتقاء مع دحلان من اجل وضع الاصبع في عين أبو مازن. ويمكن القول إن هذا سيزيد من العقوبات الاقتصادية المفروضة من رام الله على غزة.

          في يوم الثلاثاء الماضي بدأت اسرائيل وحماس ايضا – بدون تنسيق لكن بشكل متواز – بحملة لتهدئة الاجواء. رئيس الامن الداخلي في حماس توفيق أبو نعيم – الصديق المقرب من السنوار والذي كان معه في نفس الزنزانة في سجن هداريم مدة 14 سنة – خرج الى جولة علنية في محور فيلادلفيا على طول الحدود المصرية. ويبدو أن هدف الجولة كان اعطاء اشارة للداخل بأن الامور مع مصر جيدة وأن هناك تعاون. وبالضبط في نفس الوقت، في الجانب الآخر من الحدود، خرج رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى جولة في قيادة المنطقة الجنوبية من اجل رؤية الوضع الامني على ضوء الازمة الانسانية الآخذة في التصاعد. وفعليا كانت رسالته: نحن لا نريد الحرب، هذه ازمة فلسطينية داخلية مؤقتة. والامر الذي لم يتحدث عنه بشكل علني هو أن التقديرات في اسرائيل تقول إن الازمة تحت السيطرة وليس هناك اشارات على بداية مواجهة عسكرية من قبل حماس التي تخشى من أن تكون هذه هي المعركة الاخيرة لها. اضافة الى ذلك، حسب تقديرات اجهزة الاستخبارات، اذا تصرفت اسرائيل بشكل مدروس ولم تتحرش فان حفر العائق حول القطاع سيتم بدون احداث استثنائية عنيفة.

          في يوم الثلاثاء الماضي اصدر المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي اعلانا يقول لحماس إن كل شيء كالعادة. العقيد عوديد بسيوك، تم تعيينه قائدا بدل العقيد أمير أبو العافية الذي سيرفع الى رتبة جنرال ويصبح مسؤولا عن قسم التخطيط. ولو كان هناك شعور بامكانية اندلاع مواجهة عسكرية في الاشهر القريبة القادمة لما تم الآن بالتحديد استبدال قائد اللواء في الجنوب، الذي هو لاعب رئيسي في أي مواجهة مع غزة. وقد وصلت الرسالة لحماس. الاجهزة الامنية والعسكرية تحاول صب الماء على اللهب الذي اشتعل في اسرائيل بسبب التوقعات التي أفادت بأن الحرب ستندلع في الصيف القريب، وهذا خوفا من أن تحقق النبوءة نفسها.

          لقد قررت اسرائيل السير في مناورة سياسية وهي « السير على شفا الهاوية »: ايصال الازمة الى طريق مسدود لدفع جميع الاطراف الى اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية المالية عن القطاع. لذلك قرر الكابنت الاستجابة لطلب السلطة الفلسطينية زيادة ازمة الكهرباء في القطاع على أمل أن يحرك هذا الامر الجهات الدولية من اجل العمل. ولكن هنا يوجد رهان: اذا لم تترك خطوة اسرائيل أي انطباع على اللاعبين ولم تصل الاموال، فان التدهور الانساني في القطاع سيستمر وقد تتضرر صورة اسرائيل، اضافة الى الضرر البيئي بسبب وصول مياه المجاري الى البحر وتلويث المياه الجوفية، والازمة الامنية ايضا.

          شعور رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الاركان هو أن الازمة ما زالت تحت السيطرة، لكن يجب جس النبض كل ساعة وكل يوم. تكفي صور الاطفال في المستشفيات والاولاد والشيوخ بسبب نقص الكهرباء من اجل تغيير الصورة كليا. في أيام الجمعة الماضية قامت حماس بارسال المتظاهرين الى حدود القطاع من اجل القول لاسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية إن الوضع في غزة قابل للانفجار، وقد تسببت هذه المظاهرات بقتيلين بنار الجيش الاسرائيلي. وقد تنتهي مظاهرة من هذه المظاهرات بعدد كبير من المصابين، الامر الذي قد يسبب اشتعال المنطقة.

          الازمة و« الِشبر »

          ازمة الكهرباء الحالية في غزة لم تولد من لاشيء. فهي محطة اخرى في سلسلة ازمات الطاقة في القطاع التي توجد منذ سنوات، والتي تلعب فيها حكومة اسرائيل دورا مركزيا من خلال التعرج وتبذير عشرات ملايين الشواقل. ويكشف تقرير مراقب الدولة من ايار هذا العام أنه في كانون الاول 2015 قررت اسرائيل مضاعفة كمية المياه المزودة للقطاع. وقد استخدمت الحكومة الضغط على سلطة المياه من اجل استكمال تمديد انبوب المياه الجديد، وتم العمل على مدار الساعة، بما في ذلك في الاعياد، حيث تم اعطاء « الشبر » عشية عيد الغفران في 2016 لمنسق شؤون المناطق. إلا أنه منذ ذلك الحين لم تصل نقطة واحدة من المياه الى القطاع من هذا الانبوب الذي كلف اسرائيل الملايين. لقد ذهبت الاموال هباء، وهذا ينطبق ايضا على خطوط الكهرباء التي بدأ العمل بها في 2005 ولم تنته حتى الآن. في كانون الاول 2015 قرر المستوى السياسي قبول توصية منسق شؤون المناطق وزيادة كمية الكهرباء للقطاع التي هي الشرط الاساسي لاعماره. وكان من المفروض أن ينفذ القرار على الفور، بما في ذلك ايصال خط كهرباء الى معهد تكرير مياه المجاري في القطاع. وهذا لم يحدث ايضا. وعندما سأل مراقب الدولة عن سبب عدم تنفيذ قرار الحكومة، رد مجلس الامن القومي قائلا: لم نعرف أن وزارة الدفاع لم تنفذ القرار. الحديث يدور عن موقع تكرير حديث اقامه البنك الدولي والدول المانحة بمبلغ 75 مليون دولار، وكان من المفروض أن يحل مشكلة مياه المجاري المتدفقة من غزة الى شواطيء اسرائيل. إلا أن هذا الموقع لم يعمل لأنه لا يوجد في وزارة الدفاع من يمول خط الكهرباء اليه.

          في الوقت الحالي تحاول اسرائيل كسب الوقت. وقد قرر الكابنت في بداية الاسبوع أن تقليص كمية الكهرباء للقطاع سيتم على الفور، واغلاق زر الكهرباء بشكل فوري سيتم فقط عندما تكون شركة الكهرباء مستعدة لذلك. شركة الكهرباء بدأت بالاستعداد، لكن التنفيذ لم يتم بسبب الحاجة الى « الاستعداد البيروقراطي »، وهو اسم كود في اسرائيل لوضع متغير. اذا رغبوا، يتم انهاء الاستعداد خلال ساعة. واذا رغبوا ايضا يأخذ الامر بضعة ايام. وفي الوقت الحالي هم يكسبون الوقت.

          المرحلة القادمة، اذا لم يتم ايجاد صيغة لحل ازمة الطاقة الحالية في القطاع، ستكون انزال الزر. وهنا يزداد مستوى خطر سياسة السير على شفا الهاوية. ولكن لعبة البوكر ستستمر حتى يضعف أحد الاطراف وإما أن  تندلع الحرب.

كلمات دلالية