خبر خمسين سنة على الـ 67- هآرتس

الساعة 11:03 ص|10 يونيو 2017

فلسطين اليوم

– مشروع الاستيطان – صورة الوضع

بقلم: يوتم بيرغر

(المضمون: في العقود الثلاثة الاخيرة اضيفت ثمانية مستوطنات واكثر من 330 الف مستوطن، ثلثهم اصوليون. في الضفة الغربية يعيش اكثر من 380 الف مستوطن اكثر من 40 في المئة خارج الكتل - المصدر).

 

أصبحت عبارة « رؤيا المليون » في السنوات الاخيرة دارجة على لسان زعماء المستوطنين. وكذا بين السياسيين الرسميين الذين يتراكضون في أروقة الكنيست ثمة من يتحدث عن خيال اسكان مليون اسرائيلي في الضفة الغربية، كتخطيط واقعي – حتى في المستقبل القريب. ويعتقدون بانه عندما سيحصل هذا لن يعود ممكنا رسم خريطة وفيها دولتان، اسرائيلية الى جانب فلسطينية. فاخلاء واسع بهذا القدر سيصبح حلما بعيدا، حتى لو كان اليسار في الحكم.

 

عمليا يظهر الواقع ان اليوم أيضا من الصعب رسم خريطة كهذه، إذ أنه في الخمسين سنة الاخيرة طرأت تغييرات بعيدة المدى على حجم الاستيطان في المناطق المحتلة. وفحص « هآرتس » الذي يستند الى معطيات مكتب الاحصاء المركزي يظهر أنه في العام 2015 كان يسكن فيها اكثر من 380 الف مستوطن. وحتى هذه المعطيات هي جزئية، لانها لا تتضمن اولئك الذين يعيشون في الاحياء اليهودية في شرقي القدس والتي يقدر عددهم بنحو 210 الف، حسب منشورات « معهد

 

القدس للبحوث الاسرائيلية ». في كل ما يتعلق بالاخلاء المستقبلي المحتمل لاولئك الذين يتواجدون « خارج الكتل » (مثلما تحددت في مبادرة جنيف ولا تتضمن ارئيل)، هنا ايضا الصورة معقدة إذ يدور الحديث عن 44 في المئة من مستوطني الضفة.

 

من أجل فهم كيف تطور الواقع في المناطق، يجب العودة الى الايام التي تلت حرب الايام الستة، والتي بشرت بقيام مشروع جديد – مشروع الاستيطان. فمراجعة لخرايطة من العام 1968 تبين انه منذ تلك الخريطة تظهر خمس نقاط جديدة، وليست مأهولة جدا، خلف الخط الاخضر. من وقف خلفها كان حزب العمل، الذي قرر استيطان مناطق الضفة، وهناك من سيقولون لاسباب امنية. مهما يكن من أمر، فان بنحاس فلرشتاين، الرئيس السابق للمجلس الاقليمي « ماتيه بنيامين » ومن زعماء مجلس « يشع » و غوش ايمونيم، يعتقد بان المستوطنين مدينون بغير قليل لليسار. « لقد اجتازت ارئيل كل الاجراءات على يد حزب العمل »، يقول ويذكر من كان مسؤولا عن تخطيط المستوطنات قبل تحول 1977. « قصة عابر السامرة، تكثيف القدس، جفعات زئيف، معاليه ادوميم، بيت حورون – هذا كله من عمله ».

 

لعل العمل هو الذي بدأ البناء في المناطق، ولكن النمو الدراماتيكي في عدد المستوطنين لم يبدأ الا بعد أن تسلم الليكود برئاسة مناحيم بيغن الحكم. ففور الانتخابات في 1977، كان في الضفة 38 مستوطنة كان يعيش فيها 1.900 مستوطن. بعد عقد من الزمان، في الثمانينيات، قفز عدد المستوطنين الى قرابة 50 الفا، كانوا يعيشوا في اكثر من مئة مستوطنة مختلفة.

ليس عدد المستوطنات فقط هو الذي ازداد بقوة تحت حكم اليمين، بل طرأت ايضا تغييرات في شكلها وحجمها. « قبل صعود الليكود كانت مستوطنة مدينية واحدة فقط – هي كريات أربع ». قبل لـ « هآرتس » البروفيسور هيلل كوهين، رئيس مركز « تشريك » لبحث الصهيونية في الجامعة العبرية. وفي السنوات التالية، يقول، بدأت تقوم مدن في أرجاء الضفة « كانت هذه سياسة حكومية – زيادة عدد اليهود في المناطق. وأعدوا خططا خماسية، خططا عشرية، تحدثوا عن كيف سنصل الى 100 الف والى 300 الف وكيف سنصل الى نصف مليون ».

يشدد كوهين على الدور الهام الذي قام به ارئيل شارون في مشروع الاستيطان في الضفة الغربية: « من ناحيته فان المنطق الذي خلف انتشار المستوطنات في المناطق كان منع امكانية اقامة دولة فلسطينية ».

في هذه السنوات، من صعود بيغن الى الحكم وحتى 1984، دفعت الحكومة مشروع الاستيطان بكل قوتها، كما كتبت تقول البروفيسور مريم بيليغ من جامعة ارئيل في مقابل تحت عنوان

 

« ايديولوجيا وتصميم المجال في يهودا والسامرة »، نشرته في 2008. وعلى حد قولها فان « الابطاء » جاء مع اقامة حكومة الوحدة في منتصف الثمانينيات، ومع اقامة حكومة رابين 1992 تقرر الكبح: وقف إقامة مستوطنات جديدة. ولكن في نفس الوقت كانت هناك غير قليل من المستوطنات القائمة، وواصل الاسرائيليون التدفق اليها. في 1997، بعد سنة من ولاية بنيامين نتنياهو الاولى كرئيس للوزراء، بلغ عدد المستوطنين في الضفة نحو 150 ألف.

مرت 20 سنة منذئذ، واذا كان عدد المستوطنين كبيرا في حينه، فانه يقترب اليوم من 400 الف، دون ان يشمل هذا سكان الاحياء المقدسية خلف الخط الاخضر. كما لا تتضمن المعطيات من يسكنون في البؤر الاستيطانية غير القانونية. وحسب معطيات السلام الان، ففي الضفة الغربية توجد 97 بؤرة غير قانونية، وحاجيت عوفران، رئيسة فريق المتابعة للمستوطنات في المنظمة تشير الى أنه يسكن فيها الفي نسمة. ومع ذلك، لما كانت معظم البؤر ملاصقة لمستوطنات ما، يحتمل أن يكون سكانها يحصون ضمن المستوطنات الام.

طابع مختلف

المستوطنون، سكان البؤر او « فتيان التلال » صورة كل هؤلاء بين الجمهور هي واحدة في العديد من الحالات: ابناء المعسكر الديني – القومي. اما عمليا، فسكان خلف الخط الاخضر اكثر تنوعا بكثير. فالمعطيات تبين أن 100 الف من بين مستوطني الضفة في 2015 يسكنون في مستوطنات دينية قومية صرفة، بينما 164 الف في مستوطنات علمانية او مختلطة. أما الارتفاع الاكبر بين سكان المستوطنين فيعود للاصوليين، الذين لا يجتازون في معظمهم الخط الاخضر لاعتبارات ايديولوجية بالضرورة. « هذا خليط من واجب الواقع وقرار من مسؤولي الجماعات الاهلية »، يقول البروفيسور كوهين. « فأزمة السكن، في بني براك وفي القدس ايضا ادت الى اقامة الاحياء »الحسيدية« (الاصولية) ».

 

ويضيف فلرشتاين بان « الاصوليين بدأوا بحجم صغير في عمانويل، ولكن عمانويل لم تحل لهم مشكلة السكن. الاعتبار الذي أخذ به السكان الاصوليون هو القرب من المدينة التي جاءوا منها ». وهكذا، مع السنين قامت مستوطنات كبرى اصولية مثل بيتار عيليت (لمن كانوا من القدس) وموديعين عيليت (لمن كانوا من بني براك). وبالاجمال سكن في الضفة في 2015 ما مجموعه 118 الف مستوطن في مستوطنات اصولية صرفة.

 

كقاعدة، فان الاستيطان المديني في المناطق ليس ميزة للاصوليين فقط. فصحيح حتى العام 2015، نحو 65 في المئة من المستوطنين يسكنون في مستوطنات ذات طابع مديني، حيث أن اساس النمو في نوع السكن هذا بدأ في التسعينيات وفي سنوات الالفين الاولى. فالى جانب السياسة الحكومة لتكثيف المدن ساهمت في ذلك ايضا الهجرة، ولا سيما من دول الاتحاد السوفييتي سابقا. « في ارئيل ومعاليه ادوميم كان استيعاب للمهاجرين وحتى في كريات أربع يوجد تواجد روسي ما »، يقول البروفيسور كوهين. « يوجد ايضا من جاءوا الى المناطق في مرحلة لاحقة، ليس كجزء من استيعاب الهجرة، بل اناس استقروا في الطبقة الوسطى ».

في هذا السياق طرحت مع السنين غير قليل من الشكاوى عن أن الكثير من المستوطنين في الضفة لم يصلوا الى هناك لاعتبارات ايديولوجية، بل فقط لغرض تحسين السكن بثمن زهيد. البروفيسورة عديت زرتال، المؤرخة والباحثة في الثقافة، كتبت مع عكيفا الدار كتاب « اسياد البلاد »، وهي تعتقد بان هذا الوصف صحيح على نحو خاص لاعوام 1987 – 1997. « كانت هذه فترة المستوطنة الاقتصادية، وبقدر اقل بكثير المستوطنة الايديولوجية ». وتضيف: « هذا يشرح ايضا نمو المدن – فالى المدن يأتي الباحثون عن الشقق ». وعلى حد قولها، فمدن المستوطنات التي قامت صعدت الى الارض القريبة من المراكز المدينية في داخل الخط الاخضر. « مثلا معاليه ادوميم – هذا استمرار للقدس »، تشرح وتقول « شخص يوجد له شقة من 50 – 60 متر مربع في القدس يمكنه أن يضاعفها ثلاثة اضعاف بل وأن يحصل على استرداد مالي. برأيي لعل هذا هو العنصر المركزي الذي يشرح مثل هذا النمو المكثف ».

اما بيليغ من الجهة الاخرى فتعتقد أن هذا تفسير تبسيطي جدا. « أعرف ان هناك ميل للقول انه يوجد الكثير من محسني السكن. انه هذا وذاك في نفس الوقت. هناك بالتأكيد من كانوا يسكنون في بيت صغير، وانتقلوا الى بيوت اكبر، ولكن توجد نسبة كبيرة جدا ممن خاضوا مسيرة معاكسة ». وعلى حد قولها، فان البناء في المناطق اليوم يختلف عن ذاك الذي كان منتشرا في الماضي. « اليوم يسير الاتجاه نحو البناء بطوابق، وشقق أصغر. ويوجد طلب هائل على ذلك ».

 

سؤال آخر يطرح هو حول طبيعة المستوطنات، وطبيعة اولئك الذين يسكنون فيها. وتقول زرتال ان « النواة الصلبة القديمة من الايديولوجيين صغيرة جدا. ولا اعتقد أنها اكثر من 5 في المئة. وبالمقابل نشأت نواة ايديولوجية من نوع مختلف – الابناء والاحفاد، والاحفاد للدقة من النواة الصلبة والقديمة. وهم اليوم رأس الحربة وهم كثيرون جدا. وضررهم اكبر بكثير من معدلهم بين السكان ». وعلى حد قولها فان « القدامى لم يتحدثوا ابدا باللغة التي يتحدث فيها فتيان التلال –

وصدون كل كلمة. لقد عرف القدامى كيف يلعبون اللعبة السياسية والتلاعب في الساحة السياسية. اما فتيان التلال فلا يوجد اي حديث مع هذه الساحة، وليس لهم اي منطق سياسي ايضا. فهم يعيشون في فقاعتهم المسيحانية ».

خلف الجدار

أحد التغييرات الهامة في الضفة الغربية في الـ 15 سنة الاخيرة هو اقامة جدار الفصل. وعلى حد قول بيليغ، فقبل اقامته كان خوف في اوساط المستوطنين من أنه سيبعد سكان جدد عن المنطقة. اما عمليا، على حد قولها، فلا يبدو أن الجدار ردع الكثيرين. « الجدار أثر بقدر هامشي جدا. فقد خفض هذا الاسعار في زمن ما، وبعد ذلك عادت لترتفع. وفي نظرة بعيدة المدى، لا أرى شيئا هاما جدا ». مع هذه الاقوال تتفق عوفران ايضا. « احساسي هو أنه كان ارتفاع في عدد السكان خلف الجدار حتى بعد اقامته. ولكن هذا لا يرتبط به على الاطلاق »، تقول وتشرح ان هذا بسبب « الهدوء الذي سمح للناس بالبدء بالعودة الى هذه الاماكن »، وكذا سياسة نتنياهو لاقرار بدايات البناء خلف الخط الاخضر.

حتى لو لم يغير الجدار الطلب للسكن خلف الخط الاخضر، فلعله اثر بقدر ما على توزيعه. اذا كان هذا لا يزال ممكنا – إذ انها تحيط من الجانب الاسرائيلي بما يسمى « الكتل ». يدور الحديث عن مستوطنات لن تكون حاجة الى اخلائها حسب مبادرة جنيف، والتي سكن فيها في 2015 نحو 214 الف مستوطن. ولغرض المقارنة، في 106 مستوطنة ستكون حاجة الى اخلائها حسب الصيغة موضع الحديث، يسكن نحو 170 الف نسمة.

احدى المستوطنات التي ليست على الاطلاق جزء من مبادرة جنيف، هي موديعين. إذ انها كلها في نطاق الخط الاخضر. غير أنها مع السنين اصبحت مثابة « مركز كتلة » جديد، لمستوطنات في الضفة مثل نيلي وحشمونائين « في السنوات الاخيرة توجهها هو حقا توجه موديعين »، يقول كوهين. « هذا نوع من مركز آخر ».

كلمات دلالية