خبر دولة فلسطينية أولا -هآرتس

الساعة 09:59 ص|05 يونيو 2017

فلسطين اليوم

بقلم: ديمتري تشومسكي

          (المضمون: الطريق لحرية اسرائيل وعيشها كأمة طبيعية في حدود سياسية واخلاقية مستقرة ومعترف بها هو الاعتراف بدولة فلسطينية بحدود الـ 67 واخلاء المواطنين الاسرائيليين منها- المصدر).

          في نهاية يوبيل السنين على سيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني، يمكن أن نلاحظ وجهي شبه مركزيين بين مقاومي الاحتلال الاسرائيليين في عصرنا والحركة الصهيونية في بداية طريقها. فأحد الاهداف المركزية الاولية للصهيونية كان التحرير الذاتي للشعب اليهودي من الاستعباد الثقافي والروحي لامم العالم. هكذا فان الغاية العميقة للمقاومة الاسرائيلية للاحتلال تنغرس هي ايضا في موضوع التحرير الذاتي: تحرير اسرائيل من الاستعباد الوطني الذي تستعبد فيه الفلسطينيين.

          مع أنه لا يحتمل أي توازي اخلاقي بين الاحتلال والمحتل، ولكن في شيء واحد يمكن استخلاص حكم متساوٍ بينهما: مثل الشعب المحتل، فان شعب الاحتلال ايضا لا يكون حرا في تقرير مصيره ومستقبله. مثل الفلسطينيين الخاضعين للحكم المباشر وغير المباشر للسيد الاسرائيلي (ومثل الاقلية اليهودية في كل الاماكن في المنفى عشية ظهور الصهيونية) فان السيد الاسرائيلي أيضا بعيد، في حقيقة الامر، عن أن يكون سيد نفسه بكل معنى الكلمة.

          كما يجدر بالقامعين، فان الاسرائيليين يعيشون في خوف دائم من ثورة المضطهدين وثأرهم. فغياب حدود سياسية آمنة يعظم احساس الآنية الذي يشبه احساس المنفى للوجود الاسرائيلي – احساس يعكس النقيض التام للرؤيا الصهيونية. الوضع السياسي القومي المشوه هذا، وضع المنفى في ظل السيادة، والذي يتعارض مع التطلع الاساس للحركة الصهيونية في الوضع الطبيعي القومي، يمكن ان يلغى فقط مع انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش الى جانب اسرائيل. من هنا إذن وجه الشبه بين الكفاح ضد الاحتلال الاسرائيلي الآن وكفاح الصهيونية لتحقيق تقرير المصير للشعب اليهودي في الماضي.

          ان وجه الشبه بين الصهيونية في بدايتها وبين منظمات الكفاح الاسرائيلي ضد الاحتلال والاستيطان واضح ليس فقط في الاهداف بل وايضا في البحث في الوسائل لتحقيقها. ففي الحركة الصهيونية دارت جدالات يقظة بين الصهيونية السياسية والصهيونية العملية والثقافية، تذكر بالمعضلة التي تقف امامها الان منظمات السلام الاسرائيلية: هل نركز اساس الجهد على الساحة الداخلية – سواء انطلاقا من الرغبة في تقديم مساهمة فاعلة وملموسة لـ « العمل الميداني » أم انطلاقا من الامل لاقناع قسم هام من الشعب للانضمام الى الكفاح من أجل تحرره الذاتي – أم من الافضل تركيز اهتمامنا قبل كل شيء على المساعدة الدولية للكفاح؟

          ليس لمعضلة من هذا النوع اليوم اجوبة بسيطة وقاطعة. فمن جهة رغم انه محق من يدعي بان السيطرة على شعب آخر بخلاف ارادته لا يمكن ان تعتبر « موضوع داخلي » للديمقراطية الاسرائيلية، واضح ان العائق الاساس الذي يمنع انهاء هذه السيطرة – مشروع استيطاني مزدهر – هو ظاهرة داخلية – قومية يهودية – اسرائيلية. من ناحية الوعي، هذه الظاهرة لا يمكن اقتلاعها من الجذور من خلال عقوبات دولية، بل فقط في كفاح مدني ايديولوجي شجاع في داخل المجتمع الاسرائيلي، يعرض فيه مشروع الاستيطان بعريه، كخلل داخلي شديد في سياق تطور السيادة الاسرائيلية. واضح مع ذلك انه بدون ضغط دولي مصمم وناجع، لن تسحب اسرائيل الكتل الاستيطانية. وهكذا إذن ستقمع نهائيا التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني، ومعها يقضى على حلم التطبيع السياسي الصهيوني.

          في بداية اليوبيل الثاني للاحتلال الاسرائيلي والاستيطان يخيل أن معارض الاحتلال الاسرائيلي يعيشون في شرك لا مخرج له. فمن جهة مفهوم أنه من أجل انقاذ اسرائيل من المستنقع المغرق للاستعمار العسكري المسيحاني مطلوب تدخل دولي حازم. لكن من الجهة الاخرى يجب الاعتراف بانه في دعوة الاسرة الدولية لفرض مقاطعة وعقوبات على اسرائيل سيكون تناقض داخلي منطقي، من الصعب الهرب منه: على فرض أن معارضي الاحتلال يؤيدون تقسيم البلاد بين الشعبين من اجل التأكيد المتجدد للشرعية الدولية لاسرائيل كدولة قومية طبيعية، فهل سيكون من المنطقي والناجع السعي لذلك من خلال خطاب الرفض الذاتي؟

          ان السبيل الوحيد الذي يتمكن فيه مؤيدو الكفاح ضد الاحتلال من تجاوز هذا الفخ هو ان يتبنوا بدلا من خطاب النفي الذاتي خطاب ايجابي « آخر ». على منظمات السلام الاسرائيلية ان تشكل من داخلها مجلسا تمثيليا يطلب من الاسرة الدولية ان تعترف فورا بوجود دولة فلسطين بحدود 67 وعاصمتها شرقي القدس. اذا كان في يوم من الايام، بضغط عنيد من جانب معارضي الاحتلال الاسرائيليين ستوافق القوى العظمى ومؤسسات الامم المتحدة قبول دولة فلسطين كشريك كامل في أسرة الشعوب، فستقف اسرائيل  عندها أمام خيار حاد كالسيف: إما أن تبدأ بالاخلاء التدريجي والمتفق عليه لمواطنيها من اراضي الدولة الفلسطينية الجديدة او ان تخاطر بعقوبات دولية واسعة، مثلما تفرض على دولة تنتهك سيادة جيرانها.

          مهما يكن من أمر، سيشق الطريق لتصفية مشروع نزع الشرعية الذاتية لاسرائيل في المناطق  المحتلة، ومن هنا سيقصر الطريق لاستكمال مشروع التطبيع الذاتي الصهيوني في شكل اعادة تأكيد وجود اسرائيل كالدولة القومية ذات الحدود السياسية والاخلاقية المستقرة والمعترف بها.

كلمات دلالية