خبر شيطنة الآخر بين الهنود الحمر والأسرى الفلسطينيين.. الكاتب : د. وليد القططي

الساعة 08:59 ص|01 يونيو 2017

في النصف الثاني من القرن العشرين انتشرت أفلام الكاوبوي الأمريكية التي تصوّر صراع المستوطنين البيض مع السكان الأصليين (الهنود الحمر) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. هذه الأفلام صوّرت الهنود الحمر همجاً متوحشين لا يتورعون عن قتل المستوطنين البيض بوحشية وهمجية. وفي المقابل صوّرت المحتلين الأوروبيين بشراً متحضرين يسعون لتعمير الأرض الجديدة ونشر الحضارة والتقدم فيها. فأعطت صورة سلبية شريرة لسكان القارة الأصليين، وصورة إيجابية خيرّة لسكان القارة الغزاة؛ ولذلك كنا نسعد عندما نشاهد أفلام الكاوبوي يُقتل فيها الأشرار (الهنود الحمر) وينتصر الأخيار (المستوطنين البيض).

هذا المضمون الذي تحمله أفلام الكابوي الأمريكية هو بالضبط ما أرادت تلك الأفلام إيصاله للعالم، وهي تتلّخص في أن اغتصاب أراضي الشعب الأصلي الذي أطلقوا عليه اسم (الهنود الحمر) زوراً وبهتاناً، وتدمير نمط حياتهم وحضارتهم الخاصة، وطردهم من أرضهم وإبادتهم هو عمل إنساني وفعل حضاري وسلوك أخلاقي يستحق صاحبه الحياة. أما مقاومة ذلك الاغتصاب والدفاع عن النفس والأرض والوطن فهو عمل وحشي وفعل همجي وسلوك غير أخلاقي يستحق صاحبه الموت. ومع إنتاج مئات الأفلام على ذلك النمط التي انتشرت في كل أنحاء العالم إضافة لجهود أخرى تكرّست في الوعي الجمعي والرأي العام الدولي الصورة النمطية الشريرة للهنود الحمر وأصبحت مُسلّمة لا تحتاج إلى برهان.

وهذه الصورة السلبية وشيطنة الآخر تلعب دوراً مهماً في إعطاء المجرم مبرراً أخلاقياً أمام نفسه والآخرين لإبادة شعب بأكمله، وتُسّهل نفسياً له ارتكاب جرائمه وتنفيذ أهدافه غير الإنسانية وغير الأخلاقية؛ فالخصم أو العدو لا يُعتبر إنساناً كاملاً بعد تجريمه وشيطنته، فصورة المجرم الشرير أو الشيطان الرجيم أو الحيوان الوحشي لا تجعله يشعر بتأنيب الضمير أو الإحساس بالذنب تجاه الآخر، وان لم يكن كذلك فهو مجرد رقم لا اسم له ولا ذات إنسان ولا روح بشر... وبالتالي لا يستحق الرحمة والرأفة؛ فيسهُل نفسياً وأخلاقياً ومعرفياً محاربته وتعذيبه وقتله، بل يجوز إبادته كما تُباد الحشرات الضارة، وقتله كما تُقتل الحيوانات المفترسة، والتخلّص منه كما يتم التخلّص من الكائنات المؤذية.

وما حدث في أمريكيا مع الهنود الحمر يحدث إسرائيلياً مع الشعب الفلسطيني، ولم لا؟!؛ فقد خرج الاستعماران من مستنقع غربي واحد، رائحته نتنة بضلالات العنصرية والاستعلاء، ومياهه فاسدة بعقيدة الاختيار الإلهي، وتربته سبخة بأوهام العرق الأبيض المتحضر. فقد روّجت الدعاية الصهيونية ولا زالت- كما الدعاية الأمريكية سابقاً- أن اغتصاب فلسطين وطرد الشعب الفلسطيني منها، وإبادة جزء منه هو عمل إنساني وفعل حضاري وسلوك تقدمي؛ يستهدف إقامة دولة متحضرة ديمقراطية وسط محيط من التخلف والهمجية. وفي المقابل روّجت تلك الدعاية الصهيونية السوداء أن رفض اغتصاب فلسطين ومقاومة المحتلين والتصدي للمستوطنين هي أعمال إرهابية وعمليات تخريبية تستهدف إبادة (الشعب اليهودي المختار) وتدمير دولة (إسرائيل المتحضرة الديمقراطية). كما اتهمت كل صوت يصدر من الغرب ضد جرائم الاحتلال بأنه فعل نازي، وكل خروج على الرواية الصهيونية بأنه عداء للسامية، وكل تأييد للحق الفلسطيني بأنه كراهية لليهود.

وفي هذا الإطار أصبح الأسرى الفلسطينيون مخربين وإرهابيين وليسوا مناضلين من أجل الحرية والكرامة، وقتلة أطفال أياديهم ملطخة بالدماء وليسوا مقاتلين من أجل الوطن، وجناة مجرمين وليسوا ضحايا مجني عليهم... ولذلك فقد ثارت الحكومة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي لأن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خرجت قليلاً عن الرواية الإسرائيلية ضد الأسرى وأجرت مقابلة صحفية مع القيادي الأسير مروان البرغوثي نشرتها مع بداية إضراب الأسرى وصفته بأنه نائب وقيادي فلسطيني، فهاجم رئيس وزراء العدو نتنياهو الصحيفة وطالبها بالاعتذار واصفاً مروان البرغوثي بأنه (ارهابي كبير) وليس قيادي وطني فلسطيني، وفي تصريح آخر له واصفاً الأسرى بأنهم « قتلة وإرهابيون... وهم الطرف غير العادل وغير الأخلاقي ».

كما وصفهم الوزير الصهيوني تساحي هنغبي في تصريح للإذاعة الإسرائيلية بقوله: « إن الأسرى المضربين هم مجموعة من القتلة القساة ويُحظر أن تستسلم دولة إسرائيل لهؤلاء الوقحين » وأضاف قائلاً عن القائد مروان البرغوثي « إن إسرائيل ستوّضح للعالم أن الحديث يدور عن قاتل محكوم بأكثر من أربع مؤبدات » . كما حاول الإعلام الإسرائيلي تشويه إضراب الحرية والكرامة بالإدعاء بأنه جاء لأسباب داخلية فلسطينية والصراع داخل حركة فتح ونشر صورة مفبركة لمروان البرغوثي وهو يأكل أثناء الإضراب... في تجاهل واضح لأسباب الإضراب الحقيقية وهي سوء أوضاع الأسرى المعيشية وتراجع إدارة السجون الإسرائيلية عن انجازات حققها الأسرى بمعاناتهم ومعارك الأمعاء الخاوية.

وخلاصة الأمر أن إستراتيجية شيطنة أصحاب الأرض الأصليين هي إستراتيجية خرجت من بوتقة الاستعمار الغربي مارسها الأمريكان البيض ضد السكان الأصليين (الهنود الحمر)، ومارسها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني كمشروع استعماري إحلالي استيطاني شبيه بالغزو الأوروبي لأمريكا ولمواجهة هذه الإستراتيجية تتطلب أولاً مواجهة الدعاية الصهيونية عالمياً بإظهار وجه الكيان الصهيوني الشرير القبيح للعالم، وتتطلب ثانياً الصمود فوق الأرض الفلسطينية والتمسك بالحقوق الفلسطينية، وتتطلب ثالثاً مقاومة الاحتلال الصهيوني بكافة الطرق الممكنة. وهذا كله كي لا يكون مصيرنا كمصير الهنود الحمر.

كلمات دلالية