تحليل الحرب على أسماء الشهداء وتمويل الأسرى

الساعة 07:31 ص|01 يونيو 2017

فلسطين اليوم

بقلم: إسماعيل مهرة

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

لم يكن قرار الحكومة النرويجية بسحب تمويلها لمركز فلسطيني أقيم في قرية برقة بسبب إطلاق اسم الشهيدة دلال المغربي عليه، ولا قرار الأمم المتحدة بوقف تمويل المركز لذات السبب، أو قرار الحكومة الدنماركية بوقف تمويل الجمعيات والمراكز الفلسطينية إلى حين الانتهاء من عملية فحص تجريها الدولة على طرق إنفاق الجمعيات والمراكز الفلسطينية للأموال التي تتلقاها كمساعدات من الدنمارك، لم يكن ذلك أمرًا مفاجئًا أو صدفة؛ بل تعبير عن توجه عام، من الواضح أنه سيزداد ويتعمق أكثر فأكثر، ومن المتوقع جدًا أن تعاني المؤسسات الفلسطينية، وكذلك السلطة، من شروط متشددة أكثر فأكثر فيما يتعلق بتمويلها من قبل الدول والمؤسسات الغربية، بما في ذلك تمويلها من قبل المؤسسات التابعة للأمم المتحدة.

فالتمويل الذي كان مشروطًا في السابق بشروط سياسية، استطاع الفلسطينيون التعايش معها طالما انها لم تكن تتجاوز في معظمها تأييد مسيرة التسوية السياسية أو تشجيع أجندات اجتماعية وثقافية وتوعوية معينة؛ يبدو أنه سيصبح أكثر تشددًا، ويضم في مضمار شروطه حربًا على الهوية والذاكرة والتراث والثقافة، إنه نوع من كي الوعي الثقافي.

إنها حرب شاملة بأدوات مختلفة لاستكمال الحرب الدموية العنيفة، بدأت إسرائيل شنها بشكل مركز ومخطط منذ عامين، وهي اليوم تحظى بتأييد ودعم أمريكي غير مسبوق، حرب تطال الكتب المدرسية والبرامج التلفزيونية والقصائد الشعرية والروايات والمسرحيات، وحتى قصص الحكواتي وصفحات الفيسبوك، وأسماء الشهداء والذاكرة والتاريخ، ومصروف ابن الشهيد وأسرة الأسير؛ بحجة مكافحة الإرهاب، تمويلًا وتحريضًا وتمجيدًا وتعاطفًا. ولأننا لم ننجح - لا نحن ولا العرب - في تعريف الإرهاب والتمييز بين المقاومة والإرهاب، فإن الإرهاب المطلوب مكافحته هو كل أشكال المقاومة الفلسطينية، والأمر ليس متعلقًا فقط بالممارسة المستقبلية، بل وبذكرى وتاريخ وأسماء من الماضي اعتبرتهم إسرائيل إرهابيين. اليوم نجحت إسرائيل في تجنيد الأمم المتحدة ودولة النرويج لوقف تمويل مركز نسوي في قرية برقة قرب رام الله، فقط لأنه يحمل اسم أيقونة من أيقونات الثورة الفلسطينية، اسم الشهيدة دلال المغربي، في تحدٍ وقح وفظ لمشاعر الفلسطينيين ولمكانة هؤلاء الشهداء، وغدًا سيطالبوننا بشطب أسمائهم من الكتب المدرسية، وربما لن نستطيع التقدم بتمويل شارع أو مؤسسة يحمل اسم عرفات أو أبو جهاد.

الحرب الإسرائيلية - الأمريكية هذه لها هدفان: الأول تكتيكي سياسي له علاقة بالابتزاز السياسي، وإثبات عدم وجود الشريك الفلسطيني وخلق الأزمات له، ووضع المزيد من الشروط التعجيزية، وربطه واتهامه الدائم بالتحريض على العنف والإرهاب، لتحقيق مكاسب سياسية إسرائيلية، أبرزها عودة أي جهود تسووية إلى المربع الأمني، وإدانة المقاومة الفلسطينية، ورؤية الاحتلال وممارساته كحالة دفاع وتصدٍ للنشاط الإرهابي. أما الهدف الثاني فهو إدانة الرواية الفلسطينية وإدانة تاريخ وحاضر المقاومة باعتبارها كانت عملًا إرهابيًا، والتنكر والانسلاخ عن ثقافتنا وروحنا الثائرة، وتشجيع ثقافة قبول الاحتلال باعتباره قبولًا للآخر، ونبذ وإدانة الخطاب المحرض على المستوطنين باعتباره تحريضًا على الكراهية والعنصرية، وهو أمر خطير بتداعياته على النسيج الوطني الفلسطيني. بات من المستحيل مواجهة هذه الحرب بسياسات التملص والتسويف والمراهنة على الوقت أو بسياسة سحب الذرائع، فلابدّ من إعادة تقييم خطابنا وأدائنا السياسي، وإعادة بناء أدواتنا والالتفات إلى عناصر ومقومات قوتنا وأوراق الضغط التي نمتلكها، بشرط امتلاك رؤية وفلسفة ومنهج يتبنى مقاربات جديدة.

أما سياسات سحب الذرائع والمراهنة على الوقت والتسويف، دون ان نعلن صراحة رفضنا لاشتراطاتهم ومطالبهم؛ فإن نهاية سياستنا ستكون كارثية علينا، وستظهرنا بمظهر المتردد والضعيف والمخادع والكاذب، الأمر الذي سيجلب معه المزيد من الضغوط، ويؤدي إلى ارتباك في السياسات الداخلية، وإلى مزيد من الفوضى والصراع والتفتت والشعور بفقدان البوصلة.

مثلما رفضنا شرط يهودية الدولة، كان من الواجب إعلان رفضنا للمطلب الإسرائيلي - الأمريكي بوقف تحويل الأموال لأسر الشهداء والأسرى، فلا يجدي سياسيًا مواجهة المطلب بأي أعذار أو التفافات متذاكية، لأن الالتفاف المتذاكي يعني أنك توافقهم على وقف تحويل الأموال، وربما يغضون النظر عن تذاكيك، لكنهم سيعودون لذلك مرة أخرى ليكشفوك كمخادع، ويظهروك كغير موثوق.

إسرائيل التي تبنت استراتيجية التحريض الشامل على السلطة، ليس لإسقاطها أو قطع التمويل الكلي عنها؛ بل لمحاصرتها وليّ ذراعها بهدف تطويعها وفق الإرادة السياسية الإسرائيلية لتقوم بدور وظيفي محدود، والتحريض الإسرائيلي بات يسجل نجاحات متعددة تزداد مع الوقت، فمنذ أشهر أوقفت بريطانيا نصف تمويلها للسلطة، والاتحاد الأوروبي يدرس اقتراحات تربط بين الشفافية والفساد وبين والتمويل. والحقيقة ان مكانة القضية الفلسطينية على المستوى الدولي في حالة تراجع يجب ان تثير قلق المسؤولين الفلسطينيين، هذا التراجع مرشح للزيادة بعد تولي نيكي هايلي منصب مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، حيث أعلنت أنها لن تسمح بأن تتحول الأمم المتحدة لساحة لانتقاد إسرائيل والهجوم عليها، ويمكن ملاحظة حضورها في قرار الأمم المتحدة بوقف تمويل مركز الشهيدة دلال، والذي تم بطلب من إسرائيل، مصحوبًا بضغط أمريكي، وعن حضور الضغط الأمريكي هذا يقول نتنياهو « نلمس التجاوب مع سياسات وطلبات إسرائيل المتعلقة بالسياسة الخارجية في قضايا كانت مفهومة ضمنًا أنها مناهضة من قبل المجتمع الدولي لإسرائيل ».

كلمات دلالية