خبر الزمان الإسرائيلى وزيارة ترامب .. محمد السعيد ادريس

الساعة 09:09 ص|23 مايو 2017

لأسباب كثيرة يعتقد الإسرائيليون أن هذا الزمان الذى نعيشه هو زمانهم، ولذلك فإنهم حريصون على عدم تفويت أى فرصة تحقق لهم أحلاماً من نسيج أساطيرهم التى يزعمون أنها أساطير توراتية، رغم أنها محض أكاذيب صهيونية. آخر شيء يفاخرون به الآن، وهم يعيشون نشوة مشاعر انتصارات لم يحققوها بأنفسهم، هو تفوقهم العسكرى المطلق على كل الدول العربية مجتمعة، وهو الهدف الإستراتيجى الأساسى فى ضمان بقاء ووجود وأمن كيانهم الصهيونى الغاصب، هم يفاخرون الآن بما هو أكثر أهمية وهو حال التردى العربى والفلسطيني.. تردى القوة، وتردى المكانة، وتردى الدور، ناهيك عن تداعى التماسك والتوحد سواء على المستوى العربى العام أو على مستوى الداخل فى معظم الدول العربية التى دمرتها الصراعات والحروب والانقسامات الداخلية، وامتد هذا المرض المزمن إلى الوضع الفلسطينى هو الآخر خاصة عندما سيطر صراع الهيمنة على القرار الوطنى الفلسطينى بين كل من حركتى «فتح» و«حماس»، على أولوية التوحد لتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية. لكنَّ هناك سبباً آخر لا يقل أهمية هو عودة الحليف الإستراتيجى التاريخي، وأعنى الولايات المتحدة الأمريكية إلى سابق عهدها قوة عالمية كبرى وفاعلة، على الأقل فى إقليم الشرق الأوسط، وعلى الأخص فى العالم العربى بمجيء الرئيس الجديد دونالد ترامب الذى أعطى كل الأولوية لإعادة فرض أمريكا قوة عظمى مسيطرة.

انشغل الإسرائيليون طيلة الأسابيع الأخيرة بأمرين؛ أولهما: متابعة ما سوف يحققه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى قممه الثلاث التى سيعقدها فى العاصمة السعودية، مع العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ومع قادة عرب ومسلمين بحضور 37 رئيس دولة و6 رؤساء حكومات عربية وإسلامية، هم يتابعون مدى النجاح الذى سيحققه ترامب وبالذات على صعيد ما جرى الحديث عنه تحت عنوان «صفقة القرن» سواء فى بعدها الإستراتيجى بتأسيس تحالف يضم دولاً عربية مع إسرائيل لمحاربة الإرهاب ومصادر التهديد المشتركة وفى مقدمتها إيران، أو على مستوى الاقتصاد وصفقاته، شرط ألا يمتد ذلك إلى مطالب عربية تخص الشأن الفلسطينى ضمن احتمال طرح ترامب لـ «صفقة سلام بديلة» قد تضطر إسرائيل إلى دفع بعض الأثمان فى شكل تنازلات لا ترضى عنها للفلسطينيين.

 

فرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى كان سباقاً فى رفع راية ما يسمى بـ«التسوية الإقليمية» كبديل عن اتفاق فلسطينى إسرائيلى بات يخشى أن يأخذ الرئيس الأمريكى هذا الأمر بجدية من جانبه أى ما يخص تطبيع علاقات إسرائيل مع العرب من ناحية وما يخص الوضع الفلسطينى من الناحية الأخري. نتنياهو يريد التطبيع فقط ويراهن على الاعتدال العربى لقبول ذلك من منظور الحاجة العربية إلى التحالف مع إسرائيل ضد إيران، لكن نتنياهو أخذ يتخوف الآن من العودة الأمريكية القوية للشرق الأوسط وتجديد وتفعيل التحالفات الإستراتيجية الأمريكية مع دول الخليج التى قد لا تكون فى حاجة الآن إلى الحليف الإسرائيلى على نحو ما كانت الأوضاع فى العامين الماضيين عندما تراجعت العلاقات الأمريكية مع دول الخليج فى عهد الرئيس باراك أوباما الذى رفض أن يتحالف مع دول الخليج ضد إيران وهو ما اضطر هذه الدول إلى التفكير فى «البديل الإسرائيلي». لذلك يتابع الإسرائيليون نتائج زيارة ترامب للسعودية ومتخوفون من أن يضطروا للصدام مع ترامب إذا ما انحاز إلى ضرورة الربط بين مطلب إسرائيل فى تطبيع العلاقات مع العرب، وبين ضرورة تحقيق تقدم على المسار الفلسطيني.

الأمر الثانى الذى ظل يشغل الإسرائيليون طيلة الأسابيع الماضية هو جدول المطالب التى سوف يقدمونها للرئيس الأمريكى عندما يصل إليهم قادماً من الرياض. فقد أعد الإسرائيليون قائمة بخمسة مطالب رئيسية عرضتها صحيفة «جيروزاليم بوست» لتقديمها إلى ترامب، أولها، إبقاء الضغوط والعقوبات على إيران، وثانيها يخص سوريا وينقسم إلى جزءين؛ الأول هو الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، والثانى التأكيد على ضرورة أخذ المطالب الأمنية الإسرائيلية فى الاعتبار فى أى صفقة محتملة يجرى التوصل إليها مع روسيا بخصوص سوريا، وبالتحديد منع إيران وحزب الله من إبقاء أى وجود لهما فى سوريا وعلى الأخص بالقرب من هضبة الجولان، ثالث هذه المطالب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورابعها تعزيز الاستيطان الإسرائيلى بالضفة الغربية، وخامسها هو ضمان إبقاء التفوق العسكرى الإسرائيلى النوعى على كل الدول العربية خصوصاً على ضوء صفقات السلاح الضخمة التى عقدتها الإدارة الأمريكية مؤخراً مع السعودية.

اهتمام الإسرائيليين الشديد بزيارة ترامب وثقتهم غير المحدودة فيه وإدراكهم أن هذه هى فرصتهم التاريخية وأن الزمان أضحى زمانهم وأن السيادة أصبحت لهم جعلتهم أكثر حرصاً على تحفيز الرئيس الأمريكى على أن يكون شجاعاً فى انحيازه المطلق لإسرائيل دون أن يخشى أى رفد فعل عربى أو فلسطيني. فقد انتهى زمان كان فى مقدور العرب أن يقولوا «لا» لذلك خاطب بنيامين نتنياهو الرئيس الأمريكى قبل وصوله أمس إلى إسرائيل قائلاً «انقلوا السفارة.. ولا تداعيات»، أى لا تضع أية حسابات لأى رد فعل عربى أو فلسطينى إذا ما قررت نقل السفارة، كما جعلهم يسابقون الزمن ويقرون داخل اللجنة الوزارية أولاً بقانون ما يسمى بـ «قومية الدولة» ثم تقديمه إلى الكنيست «البرلمان» وهو القانون الذى ينص على أن إسرائيل هى «البيت القومى للشعب اليهودي» وأن «الحق فى تقرير المصير القومى فى دولة إسرائيل هو حق حصرى للشعب اليهودي»، ما يعنى إلغاء حق الشعب الفلسطينى بامتلاك أرضه التاريخية، وسيحول الفلسطينيين داخل إسرائيل إلى مجرد أقلية من دون حقوق قومية معترف بها، وينهى للأبد حق العودة. انطلاقاً من قناعتهم بأن هذا هو زمان تحقيق الأحلام والانتصارات.

كلمات دلالية