خبر مسارات السلام...و«الصفقة الكبرى»

الساعة 08:37 ص|23 مايو 2017

بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب

استاذ علوم سياسية-غزة

عنصر الزمن أو الوقت المناسب للسلام من أهم العناصر التي يمكن ان تبدأ من خلالها عملية سلام حقيقية تقود لمصالحة تاريخية شاملة كما في النموذج الجنوب افريقي. وهنا يطرح التساؤل هل من وقت مناسب لتحقيق السلام للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

مناسبة هذا السؤال ، تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن هذا هو الوقت المناسب لتحقيق التسوية أو الصفقة التاريخية لحل عقدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتثبت الدراسات المختلفة التي تناولت موضوع النزاعات الدولية أهمية عنصر الوقت، والذي يعني إستعداد طرفي او أطراف الصراع لإستبدال الصراع المسلح بالحلول السلمية ، وهو يعني أيضا النضج السياسي، وأنه لا توجد خيارات بديلة للسلام. والمفاضلة هنا بين الحرب الدائمة والبقاء المشترك والبحث عن صيغ للتعايش المشترك. ويمكن قياس كلفة الحرب وإستمرار الصراع وكلفة السلام، وهذا من شأنه أن يدفع للموافقة على التفاوض السلمي.

إن عدم نضج الصراع هو الذي يقف وراء فشل العديد من المبادرات السياسية. لأن أطراف الصراع لا ترى إلا مصالحها، ولا تثق في الطرف الآخر، ومن ناحية اخرى قد يرى أحد الأطراف أن إستمرار الصراع يعمل لصالحه، وثمنه أقل من الثمن الذي سيدفع للسلام. وفكرة اللحظة المناسبة تتركز على تصورات ومدركات الأطراف المتنازعة بالضرر الذي يعود عليهم من الصراع ذاته ، وأساس الوقت المناسب للسلام إدراك تجنب كارثة يمكن أن تلحق بهم. وهذا يرتبط بما يعرف بتحليل كلفة المنفعة، ويرتبط بما يعرف بمعضلة السجين ومعضلة الدجاجة.

 

ودون الدخول في تفاصيل هذه الدراسات النظرية، يبقى السؤال الذي يعيد نفسه هل هذا هو الوقت المناسب لصنع السلام وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

بالعودة للمصافحة التاريخية بين الرئيس الراحل عرفات وأسحق رابين وبيريس في البيت الأبيض عام 1993 هناك من تصور أنها اللحظة المناسبة للدفع بصنع السلام، وهناك من رأى في لقاءات مدريد اللحظة المناسبة. ومنذ ذلك الوقت فشلت كل المبادرات، وكل الوساطات التي سعت لإيجاد حلا سلميا جذريا، بل إن الوضع قد إزداد تعقيدا، ولم يتم إستبدال خيار الحرب بخيار السلام والتفاوض، بدليل فشل المفاوضات عبر عقدين من الزمن، وكان السؤال ألم يكفي أن يتفاوض الفلسطينيون والإسرائيليون عشرين عاما للوصول لتسوية تفاوضية تنهي جذور الصراع، ألم يشعر كل طرف انه سيحقق ما يريد من هذه التسوية ؟

ومنذ ذلك الوقت بقي الصراع يتأرجح صعودا وهبوطا، وبقي خيار المواجهة العنيفة المسلحة قائما بل إزدادت وتيرته، وخلال هذه الفترة إندلعت الإنتفاضة الثانية ، ورأينا إعادة إحتلال إسرائيل للضفة وتدميرها للمقاطعة ، وتهديد حياة الرئيس عرفات وقتها بشكل مباشر بتوجيه فوهة المدافع نحو الغرفة التي كان ينام فيها في المقاطعة، وجاءت العملية الإسرائيلية في أعقاب قمة بيروت عام 2002 والتي لم تشفع فيها المبادرة العربية للشروع في السلام بدلا من الحرب، وأستمرت سياسات الإعتقال، والإقتحام والمواجهات هي السائدة في الضفة الغربية ، وخيار الحرب هو المتحكم في علاقة إسرائيل بغزة بعد سيطرة حماس عليها عام 2007، لتندلع ثلاثة حروب.

وتجدر الإشارة هنا إلى فشل كل الزيارات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية السابق جون كيري والذي زار المنطقة مرات عديده لم يسبق لوزير خارجية قام بها. لتنتهي بفشل كل المحاولات، وبتوقف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليي، ولتعود مظاهر الصراع السيكولوجية من جديد: قيم الكراهية وعدم الإعتراف ، والرغبة في الثأر والقتل، وبناء الجدار العازل الذي هو في حقيقة الأمر جدار عازل لتحقيق السلام. وهو الجدار الذي يذكرنا بجدار برلين الذي كان تدميره بداية للوحدة والمصالحة الألمانية. ويذكرنا بسياسات الأبارتهيد في جنوب افريقيا.

تبدو العلاقات أبعد من إدراك وتصور كل طرف بالقدرة على تحقيق السلام. فاستمرت إسرائيل في سياسات التهويد والإستيطان، حال دون هذا السلام.

وهنا التساؤل ثانية: هل وصل الطرفان إلى قناعة وإدراك أن هذا هو الوقت لصنع السلام الحقيقي؟ وهل تكفي رغبة الرئيس الأمريكي بإنهاء الصراع أن تكون هذه هي اللحظة المناسبة؟

وعلى الرغم من ضبابية الصراع، وعلى الرغم من المخاوف، وسيطرة التوجهات اليمينية المتشددة، لكن يبدو أن في الأفق البعيد إمكانية للعودة للمفاوضات، وإستئناف المباحثات السلمية بين الطرفين. ومما قد يساعد على ذلك ليس فقط الرغبة الأمريكية، ولكن وجود منهاج ومسارات جديده للعملية السلمية، وإستنادا أيضا على تحليل تكلفة المنفعة. وهنا تبرز ثلاث مسارات قد تقف وراء هذا التفاؤل، وإن كان ذلك يمثل تحديا كبيرا للرئيس ترامب. هذه المسارات الثلاث وهي مسارات متوزاية وتكاملية ، بمعنى أنها قد تسير معا، المسار الأول ويسمى المسار الأساس أو مسار القلب وهو المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وهو أساس الصراع لكن إشكاليته أن الطرفان غير قادرين على الوصول لإتفاق تفاوضي، لكنها أساس نجاح أي عملية سلمية من خلال الإعتراف بالطموحات القومية لكل منهما، وبالإعتراف بالحد الأدنى الذي يحقق هذه الطموحات، وبالرؤية المستقبلية المنفعية التي ستحقق المنافع المشتركة من خلال العديد من المشاريع التنموية المشتركة.

 

بعبارة أخرى أساس نجاح هذا المسار أولًا تحقيق الدولة الفلسطينية ، وثانيا أن هذه الدولة لن تكون مصدر تهديد على الإطلاق لإسرائيل، وثالثا تبني فكرة الحدود المرنة، ورابعا تبنى فكرة الشراكة السيادية وحقوق المواطنة ، وهذا يعنى إحساس كل طرف أنه لم يخسر شيئا من هذه النتيجة ، بل العكس أن حجم المكاسب اكبر، ومن ناحية إسرائيل لن تخسر هويتها، ولن تخسر مستوطناتها من وراء قيام هذه الدولة على أساس الموافقة على مبدأ الأرض مقابل السلام.

أساس هذا المسار الركن الإقتصادي، والركن الحقوقي والركن القانوني، وبقدر التلاقي بينها بقدر الوصول لإتفاق. هذا المسار لا يمكن ان يحقق السلام بمفرده ويحتاج لمسار مواز يسير معه خطوة خطوة وهو المسار الإقليمي الذي قد يحقق لإسرائيل قبولا كدولة في قلب المنظومة العربية الجغرافية، ويحقق لها منافع كثيرة أهمها قبولها كدولة عادية مثل أي دولة، وبالمقابل عربيا إنهاء الصراع والعمل على قيام الدولة الفلسطينية كمنهاج لحل الصراع والتي من خلالها يمكن حل الكثير من الملفات المعقدة وأهمها ملف الإرهاب والعنف، وأهمية هذا المسار ليس فقط توفير المساعدات المالية الضخمة، ولكنه قد يشكل حلا إقليميا للعديد من الملفات التي لا يمكن أن تحل على مستوى المسار الأول كقضية اللاجئيين والقدس والحدود.

والمسار الثالث المسار الدولي وهو الذي يوفر الضمانة القوية لآي نتائج يتم التوصل إليها، ويوفر الحاضنة الدولية الضرورية لإنجاح السلام. يبدو لي أن النضج السياسي للعملية السلمية قد يكون أكبر على مستوى المسار الثاني والثالث وهو ما يلزم للدفع بالمسار الأول, وحراك هذه المسارات يتوقف على الدور الأمريكي الفاعل والضاغط والمتحرر من الكثير من الإنحيارات السابقة.

أحد عوامل نجاح هذه العملية أن تستعيد الولايات المتحدة صدقية دورها، وأن يتحرر الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي من عبء التاريج والأيديولوجيا وأن يتم إستبدالها بالتخلص من الماضي، والرغبة في بناء مستقبل مشترك يوفره حاضر يضع الخطوات الأولى لإنهاء صراع تتحكم فيه عوامل يصعب التخلص منها بتوقيع إتفاق، بقدر المطلوب توقيع الشعوب، وتبني نهج خيار الشعب للشعب كخيار داعم لخيار من قيادة لقيادة.

طريق السلام طويل ولكن قد يبدأ بالخطوة الصحيحة التي لم تبدأ بعد. وسيبقى السؤال: هل ستشمل الصفقة الكبرى للرئيس دونالد ترامب هذه التصورات وكل مكونات الصراع؟

كلمات دلالية