خبر ترحيب إسرائيلي بنهاية سياسات أوباما في سوريا.. إسماعيل مهرة

الساعة 08:20 ص|09 ابريل 2017

بقلم: إسماعيل مهرة/ الباحث في مركز اطلس 

طوال سنوات أوباما الأخيرة في البيت الأبيض، كانت إسرائيل تعيب على سياساته الخارجية مظاهر الضعف، وما تسميه بالمعالجات الخجولة والمترددة لملفي سوريا وإيران، وتنقد انغماسه في ملف تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وكانت إسرائيل تعتقد ان الفراغ الذي تخلقه سياسة أوباما تشجع محور (سوريا - إيران - حزب الله)، وتشجع أكثر التدخل الروسي في المنطقة، وسد الفراغ الأمريكي، وتحولها إلى اللاعب الأهم في الملف السوري.

ولأن لإسرائيل مصالح أمنية وسياسية تسعى لتحقيقها منذ اندلعت الأزمة السورية؛ فكانت تشعر مع أوباما بالإحباط إلى حد كبير، فهي لا تستطيع أن تسعى لتأمين مصالحها بدون سند ودعم وتبنٍ أمريكي، ممّا اضطرها لتعزيز علاقاتها مع الكرملين في إطار تبادل المصالح أو تقاطعها، بما يسمح به المشهد المعقد والمأزوم في سوريا.

وبالإضافة لسعيها لتأمين مصالحها الأمنية والسياسية، فإن إسرائيل كانت تهدف أيضًا إلى إبعاد أنظار العالم عن التركيز على الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لصالح التركيز على ملفي سوريا وإيران ودعم « الإرهاب » و« إرهاب داعش »، باعتبار ذلك أصل شرور المنطقة، وأصل عدم استقرارها وتهديدها لأمن العالم الغربي الديموقراطي.

وصول ترامب إلى إدارة البيت الأبيض كان أمرًا مشجعًا على التفاؤل في إسرائيل، على الأقل يمكنها المراهنة عليه بأن يكون أكثر إنصاتًا وتفهمًا لمصالحها، وأن يتخذ خطًا متشددًا تجاه إيران، وأن يكون أكثر فعالية في عقد صفقة مع الروس في الملف السوري تكون إسرائيل حاضرة بين سطورها، لكن ما حدث فجر الجمعة من قصف أمريكي لمطار الشعيرات وجد صداه الإيجابي الكبير في إسرائيل، بالترحيب السريع والشعور بالنشوة بأن أمريكا ترامب دخلت بقوة على الملف السوري، وأنه لم يعد بوسع روسيا وإيران احتكار الملف السوري وعدم الالتفات لمطالبات المجتمع الغربي.

في إسرائيل يرغبون في أن تنخرط أمريكا أكثر فأكثر في الملف السوري، لأسباب لها علاقة بأن مزيدًا من القصف السوري لأسلحة نظام الأسد هو أولًا وقبل كل شيء تدمير للبنية العسكرية المتبقية للدولة السورية، والشعور في إسرائيل ربما بأن الظرف الآن مؤاتٍ وربما سيصبح متأخرًا في المستقبل. فيما يتعلق بمطامح إسرائيل توصل أمريكا وروسيا إلى رؤية لمستقبل سوريا يكون في مركزها بالنسبة لإسرائيل منطقة فاصلة داخل الأراضي السورية المحاذية لحدود الاحتلال الحالية مع سوريا، وتواصل هذه المنطقة مع المنطقة الحدودية مع دولة الأردن، بما يضمن نفوذًا إسرائيليًا فيها ويبعد عنها مخاطر الجماعات « المتطرفة » بالوصف الإسرائيلي، وتبعد النفوذ الإيراني ونفوذ حزب الله، أي ان إسرائيل لا تطمح فقط للتسليم بضم هضبة الجولان، بل بما هو أبعد من ذلك داخل أراضي الدولة السورية، وبما يضمن سوريا مقسمة إلى دويلات، وهو أمر أكده المعلق السياسي في « هآرتس » براك ربيد: « رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو معني في كل تسوية مستقبلية لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا بأن تقام منطقة فاصلة على الحدود بين سوريا وإسرائيل في هضبة الجولان، وكذا على الحدود بين سوريا والأردن، منعًا لتواجد إيران وحزب الله في هذه المناطق. وحسب مصادر مطلعة على التفاصيل، ولكنها طلبت عدم ذكرها بالاسم، فإن نتنياهو طرح الموضوع في المحادثات التي أجراها في الأسابيع الماضية مع الإدارة الأمريكية ومع محافل دولية أخرى ».

وسبب إضافي مهم هو إغراق ترامب في الملف السوري الذي يحاول التهرب منه ولم يعتبره من أولويات سياساته الخارجية، التورط الأمريكي في الملف السوري يشغل أمريكا عن معالجة ملف الصراع مع الفلسطينيين، ويحول إسرائيل إلى شريك مطلوب جدًا لأمريكا لما تمتلكه دولة الاحتلال من قدرات أمنية وتكتيكية وجغرافية تمكنها من القدرة على تقديم مساعدات حيوية جدًا لأمريكا إذا ما نوت التدخل أكثر في الملف السوري، ويجعل أمريكا تضطر للصدام على أكثر من مستوى مع إيران وحزب الله، ممّا قد يخلق أجواء مشجعه لحلف ذو رصيد قوي بين إسرائيل وبعض الدول العربية وأمريكا، وهو في النهاية سيخدم الخطاب الإسرائيلي بالتقدم بتعزيز الثقة والسلام والتعاون الإقليمي بين دول المنطقة.

والسؤال في إسرائيل هو ذات السؤال لدى كل المهتمين بمراقبة وقراءة الدور الأمريكي المرتقب في سوريا بعد القصف الأمريكي الأول وغير المسبوق لموقع يتبع النظام السوري، على خلفية تهمة القصف بالكيماوي لخان شيخون، والسؤال: إلى أي مدى سيذهب ترامب في سياساته التدخلية بالملف السوري؟ وهل كان قصفًا فقط لتأكيد الحضور الأمريكي وتعزيز مهابة الرئيس ترامب ولتخفيف شبهة علاقاته بالروس، دون ان يعني ذلك الانقلاب على أولوياته في السياسة الخارجية؟

جريمة كيماوي خان شيخون تُستغل في إسرائيل بذرف دموع التماسيح وتوظيفها في سياق الترويج لرحمة القلب اليهودي الذي ينفطر على رؤية الزبد على شفاه الأطفال، فبُثت الكثير من الصور المؤلمة وكتبت المقالات عن بشاعة وجرمية « الديكتاتور الأسد » وإدانة صمت العالم المتحضر، فالتهمة لنظام الأسد كانت جاهزة، حتى إن بوتين انتقد التسرع الإسرائيلي في توجيه الاتهام لنظام الأسد قبل إجراء تحقيق.

لكن ما يلفت بشكل مستفز ان نفس الأشخاص والجهات الإسرائيلية التي حللت حرق أطفال غزة ورأت في قتلهم مجرد خسائر اضطرارية، وأبعدت صورهم عن شاشات التلفاز، وفرضت رقابة على بث التقارير التي تحمل المشهد الإنساني؛ نراها في حادثة خان شيخون تذرف الكثير من الدموع، وهي لم تكتفِ بدموع التماسيح، فالمسرحية لا زالت في فصولها الأولى، وستستكمل بنقاش الكابينت لنوع المساعدات التي يمكن أن تقدمها إسرائيل لبعض عشرات من الأطفال السوريين، وذلك بناءً على طلب بعض أعضاء الكابينت، فإسرائيل تدرك قيمة صورة اليد الرحيمة المسالمة في الصراع على الرأي العام في ظل انفلات القتل البربري بالجملة وتواصله بدون أمل لوقف دوامته.

كلمات دلالية